اجتماع اللجنة الاستراتيجية التركية *القطرية...عنوان لعلاقات تكاملية (مقدمة)

اختارت تركيا عودتها إلى العالم الخارجي بسياسة أكثر انفتاحا عبر بوابة الدول العربية، ولاسيما الخليجية.

ومنذ عام 2008، أصبحت أنقرة الشريك الاستراتيجي الأول للدول العربية خارج منطقة الخليج.

تطورت هذه الشراكة خليجيا لتبلغ مراحل متقدمة عام 2015، لتشمل المجالين الأمني والعسكري، بعد توقيع اتفاقية إقامة قاعدة عسكرية تركية في دولة قطر، من منظور وحدة الأمن الخليجي.

وتهدف الاتفاقية إلى تطوير التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، على أمل أن يشمل مستقبلا كل البلدان الخليجية في مجالات الصناعة العسكرية والتعاون الأمني ومقايضة الخدمات الأمنية والعسكرية باحتياجات أنقرة من الطاقة.

كانت قطر من أولى الدول التي وقفت إلى جانب تركيا في تصديها للمحاولة الانقلابية الفاشلة، منتصف يوليو/ تموز 2016، في مقابل موقف غربي وأمريكي ضعيف ومتردد لا يرقى إلى مستوى العلاقات المفترضة تجاه دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وتدين تركيا بمشاعر الامتنان لموقف قطر الداعم لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، في تصديها للمحاولة الانقلابية، وتأكيد الدوحة رفض هذه المحاولة الهادفة إلى الإطاحة بالحكومة التركية، المنتخبة من الشعب التركي، بالوسائل العسكرية غير المشروعة.

يرتبط عمق العلاقات بين الدول في كثير من الأحيان بالعامل الاقتصادي، إذ تعد العلاقات الاقتصادية مدخلا لتطوير علاقات الدول مع بعضها بشكل أكثر عمقا يتناسب مع تشابك العلاقات بينها وتداخلها وارتباطها بمصالح مشتركة.

ويعد اليوم الإثنين، 26 نوفمبر/ تشرين ثانٍ، موعدا متجددا لإدامة زخم العلاقات التركية القطرية، في الاجتماع الرابع للجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا، الذي تستضيفه إسطنبول، برئاسة الرئيس أردوغان وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني.

ووفقا للرئاسة التركية، سيناقش الاجتماع "علاقات التعاون بين البلدين في العديد من المجالات، كما سيتبادل الجانبان وجهات النظر في المسائل الإقليمية".

ومن المتوقع أن يشهد الاجتماع توقيع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم في مجالات مختلفة، وبحث سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

*يونيو 2017.. محطة فارقة* 

تطورت العلاقات بين البلدين بشكل أكثر وضوحا وعمقا بعد أزمة قطع كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر، علاقاتها مع قطر في 5 يونيو/ حزيران 2017، وفرضها إجراءات عقابية على الدوحة، تشمل مقاطعتها.

شكلت هذه الأزمة محطة تاريخية فارقة في العلاقات متعددة الأبعاد بين قطر وتركيا، التي سارعت إلى تعويض النقص في السوق القطري بآلاف الأطنان من المواد الغذائية، عبر سفن الشحن والطائرات التركية.

وخلال الأزمة التي تعرضت لها العملة المحلية التركية (الليرة)، صيف العام الجاري، وانخفاض قيمتها أمام العملات الأجنبية، أعلنت قطر، في أغسطس/ آب الماضي، توقيع اتفاق لتبادل العملات بين بنكي قطر وتركيا المركزيين، بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

كما تعهد أمير قطر، في منتصف ذلك الشهر، باستثمار 15 مليار دولار في البنوك التركية والأسواق المالية، في وقت كانت فيه العملة التركية فقدت، خلال 2018، نحو 40 في المائة من قيمتها.

وارتفعت الصادرات التركية إلى قطر بنسبة تعدت 50 بالمائة، في عام 2017، مقارنة بعام 2016، بقيمة 750 مليون دولار، وهو ما رفع قيمة التبادل التجاري إلى حوالي 1.5 مليار دولار، بزيادة 46 في المائة مقارنة بعام 2016، بحسب إحصائية رسمية لغرفة تجارة قطر.

ووضع ذلك تركيا في المرتبة الثامنة بين أكبر الأسواق الموردة لقطر، خلال 2017، على أمل بلوغ سقف خمسة مليارات دولار، خلال السنوات القليلة القادمة.

كما بلغ حجم التبادل التجاري، خلال الربع الأول من 2018، ما يزيد عن 200 مليون دولار، مسجلا ارتفاعا بنسبة أكثر من 20 بالمائة، مقارنة بالفترة نفسها من 2017.

ويبلغ حجم استثمارات الشركات التركية في قطر 16 مليار دولار، موزعة على 205 شركات، هي: 186 شركة قطرية تركية مشتركة، ونحو 19 شركة مملوكة بالكامل لرأس المال التركي، وفقا لغرفة تجارة قطر.

وتحتل قطر المرتبة الثانية في حجم الاستثمارات الخارجية في تركيا، إذ تبلغ 20 مليار دولار في قطاعات الزراعة والسياحة والعقارات والمصارف.

وتجد قطر في تركيا الشريك الاقتصادي والتجاري الأكثر ثقة وقدرة على التخفيف من وطأة تأثير العامل الاقتصادي وتداعياته في أزمة قطع العلاقات مع "الرباعي".

*4 اجتماعات و15 قمة* 

عقدت اللجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا ثلاثة اجتماعات منذ الإعلان عنها.

وقال مسؤولون أتراك، في تصريحات سابقة، إن عدد الاتفاقيات الموقعة، خلال اجتماعات اللجنة السابقة، بلغ 40 اتفاقية، ومن المرجح أن يرتفع إلى 50 اتفاقية بعد ختام الدورة الرابعة من اجتماعات اللجنة.

في 2 ديسمبر/ كانون أول 2015، عقدت اللجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا أول اجتماعاتها في الدوحة، برئاسة الرئيس أردوغان والأمير تميم.

ونتج عنها توقيع 15 اتفاقية في مجالات التعليم والبيئة والعلوم والتكنولوجيا والملاحة البحرية والطاقة، للارتقاء بالعلاقات الثنائية في مجالات الطاقة والاستثمار، بشراء تركيا الغاز القطري وتوسيع حجم الاستثمارات القطرية في تركيا.

واستضافت ولاية طرابزون التركية، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، الاجتماع الثاني للجنة، التي عقدت اجتماعها الثالث بالدوحة، في نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2017.

ترتبط قطر مع تركيا بعلاقات عميقة وشراكة استراتيجية عززتها اجتماعات القمة بين الرئيس التركي وأمير قطر، التي تجاوزت 15 قمة منذ عام 2014.

تتعدى الطموحات التركية الخليجية عموما، والقطرية خصوصا، العلاقات ذات الطابع النفعي المؤقت إلى علاقات شراكة استراتيجية تكاملية.

وتعد السوق الخليجية سوقا مهمة لتسويق المنتجات التركية، كما أن تركيا بحاجة إلى نفط الدول الخليجية لتغطية حاجتها المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد من بلدان أخرى.

وبعيدا عن المساعدات التركية للدول العربية، تنتهج أنقرة سياسة الدعم السياسي لدول عربية عدة تعاني من أزمات سياسية، مُغلّبة ذلك على مصالحها الاقتصادية مع دول أخرى لاعتبارات استراتيجية.

وتعد أنقرة شريكا استراتيجيا للدوحة، وترتبطان باتفاقية تعاون موقعة في 2014، فرضت على تركيا الوقوف إلى جانب قطر في أزمتها الراهنة، إضافة إلى "رد الجميل" للموقف القطري الذي بادر إلى إدانة المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016.

على الدوام، تسعى تركيا إلى تعزيز الجهود الثنائية ومتعددة الأطراف لتطوير وتنويع علاقاتها مع الدول العربية.

وتحقق أنقرة ذلك عبر الزيارات المتبادلة وتوقيع اتفاقيات التعاون المشترك واتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، ضمن آليات التشاور المتواصلة مع الدول العربية، إلى جانب ما تقدمه المنظمات الإغاثية التركية (حكومية وغير حكومية) من مساعدات إنسانية لشعوب الدول العربية ذات الحاجة.

وسوم: العدد 800