أزْمَةُ أخْلاقٍ .. وَ رُعْبٌ مُدَمِّرٌ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

المَادةُ والإنْسَانُ : مَخلوقان مُكلفان بالنهوض بِمَهمة الاستخلاف في الأرض .. من أجل عمارتِها وإقامةِ الحيَاةِ في ربوعِها.. المادة: مُسخرة للإنْسَانِ لأداء مهمة الاستخلاف.. أودع فيها ربُّها من المكنونات والقدرات والفعاليَّات .. ما يجعلها قادرة على الاستجابة لمتطلبات الاستخلاف من غير إرادة منها ولا اختيار .. أما الإنْسَانُ : فهو المكلف والمُشرَّفُ بأمر رَبِّه لإنجاز مهمة الاستخلاف .. وأهلَّه سبحانه وعلَّمه وأودع فيه إمكانية الابتكار والإبداع .. ومنحه نعمة الإرادة وحريَّة الاختيار ..والتِقانَةُ (التكنولوجيا) هي ثمرة التكامل بين أداءِ المَادةِ وأداءِ الإنْسَانِ .. ويوم يكون هذا التكامل في الأداء راشداً تكون التقانَةُ وملحقاتُها راشدةً آمنةً .. ويوم يكون التكامل ضَالاً تكون التِقانَةُ في ضلال وخطر .. ولكن من المسؤول عن حالة الرشد أو حالة الضلال في التكامل بين أداء المادة وأداء الإنسان ..؟ بِكُلِّ تأكيد المسؤول هو من يملك الإرادة وحريَّة القرار .. إنَّه الإنسَانُ لأن المادة لا تملك الإرادة ولا تملك القرار .. فهي غريزية الأداء وفق ما أهلها ربُّها وجبلها عليه  من غير إرادة ولا اختيار .. فهي مُسخرةٌ للإنسان مِطواعةٌ بين يديه تأتمر بأمره : إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ .. والبشريَّةُ اليوم - للأسف - تعاني وتقاسي من خطرٍ وشرٍ مرعبٍ مدمرٍ .. بسبب عُدوانيَّة الإنْسِانِ وشُرورهِ المُتناميَّة في ميادين الانتاج التقني(التكنولوجي). ولكن لِمَ هذه العدوانية يا ترى ..؟؟؟ لأن مشيئة الله تعالى وإرادته أودعت في النفس البشريَّةِ نزعتين : الخيرُ والشرُ ..ولكن لِمَ ..؟ لأن مشيئته وإرادته جلَّ جلالهُ اقتضت أن يكون هناك ثوابٌ وعقابٌ ..وذلك ليكون أداء مسيرة الاستخلاف مسؤولٌ أمامه سبحانه .. وليعرف الإنْسَانُ أن سيره في الأرض وفي الأكوان خاضع لمعايير قيم وتعاليم رَبُّ النَّاس ورَبَّ الأرض والأكوان.. لقوله تعالى :" أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ". وليس كما هو جارٍ اليوم - وللأسف - وفق معايير وقيم ما يسمونه: (الفُوضى الخَلَّاقة بل الحرَّاقة).أجل.. إنَّ أزمة الأخلاق المدمرة التي تجتاح المجتمعات البشريَّة .. لهي أساسُ مصدرِ الرعبِ المدمرِ ..الذي يحيق بالأجيال البشريَّة ويئد آمالهم وطموحاتهم ..والله المستعان.

وسوم: العدد 806