أحمد وهدان ذاك الشبل من ذاك الأسد

لم اعرفه يوميا او التقي به رحمه الله و تقبله في الشهداء مع باقي رفاقه ، لكن من عرفته و عايشته بحق هو والده البطل الأسير د محمد وهدان الاستاذ الجامعي المحترم و القيادي الاخواني البارز و المربي الجليل .

كنت وقتها - ٢٠٠٨ - قد خرجت من أقبية امن الدولة بعد تعذيب شديد لعدة اسابيع و انتقلت الى سجن وادي النطرون في حالة صحية يرثى لها حيث كنت اصاب بتشنجات و شلل مؤقت من شدة التعذيب بالكهرباء فكان الدكتور وهدان  والد شهيدنا يرعاني نفسيا و صحيا ، كان يربي فقط بعينيه قبل ان يتحرك لسانه .

بسمته الرقيقة التي تحمل خلفها تعبا و ارهاقا يحاول ان يخفيهما  كانت دائما بشرة خير و مصدر تفاؤل لمن في المعتقل جميعا .

كان العنبر وقتها به مئات المعتقلين و خرجوا جميعا و بقيت انا و هو و بضعة افراد لا يتجاوزوا  العشرة لعدة شهور في هذا العنبر الضخم الذي كان يمتلأ بالمئات منذ ايام قلائل فأصبح موحشا .

فضلا عن الشعور بأن الجميع يعود الى منزله و انت باقي في مكانك مع تهديدات من زبانية جهنم بالبقاء مدى الحياة في المعتقل اذا لم اتراجع عن موقفي  .

في اثناء زيارة الوالدين كان يأتي دكتور وهدان فكّ الله اسره  الى والديّ للسلام  عليهما و التسرية عنهما  لاعتقال ابنهما و يربط على قلبهما بكلامه الجميل الذي يخرج من قلبه مباشرة .

لم تكن محاضراته و نصائحه و تثبيته لمن حوله يتوقف يوما واحدا ، مشغول بخدمة اخوانه فتجده يمسح ارضية العنبر و يطهو الطعام و يشارك الجميع في اعمال الخدمة و غيرها .

حين خرجت من مصر أخذت ابحث عن من يربي فقط بعينيه قابلت كثير من الشرفاء و الوجهاء و لكني كنت دائما ابحث في عيونهم عن هذه النظرة التي يخشع لها القلب و يرق لها الفؤاد لكن نادرا ما رأيتها ، فهي فضل من الله لا يمكن اصطناعها و لا تمثيلها و لا ادعائها .

حين خرجنا و طالت بنا المسافات و المشاغل لم ينقطع تواصله معي فقد كنت استحي مهاتفته لمعرفتي بكثرة اشغاله ، لكنه كان دائم المفاجأة لي حين اجده هو من يبادر بالسؤال و الاطمئنان .

و كانت المفاجأة الأكبر لي بعد الانقلاب و سفري لخارج مصر و انقطاع صلتي بالداخل و اختفاء د وهدان خشية الاعتقال نتيجة الملاحقات الأمنية .

لأفاجئ برسائل تأتيني  من حساب وهمي عدة مرات  خلال السنوات الماضية  لأجد من يخبرني ان دكتور  وهدان يرسل لك السلامة و التحية و يدعو لك ، فكان تأتيني هذه الرسالة وسط لحظة ضعف او وهن  لتزيد المرء  ثباتا و عنادا لاستكمال الطريق .

هذا البطل الأسير المربي هو من استشهد ابنه المهندس احمد اليوم ، ان اختيار هؤلاء لهذه المنزلة العالية من المحن و الابتلاءات ليس محض صدفة و لكنها تدبير من عزيز حكيم يصطفي بها اولياءه ليرفع درجاتهم و يجعل قصصهم عبرة و عظة  للأجيال القادمة فالاصطفاء على قدر البلاء و الثبات .

وسوم: العدد 812