وقفة بين: "على أيّ أساس نقاتل؟" و "على أيّ أساس نتعايش؟" 1

(الحلقة 1 من 2)

باستعراض تاريخ العالم الإسلامي، خلال القرنين الأخيرين، ومتابعة بروز زعامات وتكتلات، في جو يكون فيه المجرمون المعتدون هم المسيطرين في الديار سيطرة احتلال عسكري طاغ أو سيطرة انتداب ماكر، أو سيطرة نفوذ وتسلُّل. ولا تقف سيطرة هؤلاء المجرمين عند مجرد الاحتلال، ولكنها تمتد إلى الإدارة والاقتصاد والإعلام والاجتماع والتربية وسائر نواحي الحياة، حتى تسيطر عليها أو تمد فيها شباكها الناعمة، أو حبالها الغليظة، أو سلاحها الفتاك.

جاءت هذه الكلمة: "على أيّ أساسٍ نتعايش" ردّاً على الورقة التي أعدّها مركز القيم بالولايات المتحدة بعنوان: "على أي أساس نُقاتل" وقّع عليها ستّون مفكراً أمريكياً. وكانت تتمحور حول قضايا من أهمّها: وصف أخلاقيات الحرب الأمريكية ضد ما يسمى الإرهاب، ودعوة المسلمين للوقوف معهم، ودعوة المسلمين لتبنّي القيم الأمريكية، والدعوة إلى حرب ما وصفوه بالتطرّف الإسلامي.

وقّع على هذا الردّ: "على أي أساس نتعايش" مئة وثلاثة وخمسون أستاذاً من مختلف الجامعات والقطاعات. وقد أحسنوا حين بيّنوا بعض ملامح الإسلام وبعض جرائم الغرب، واضطراب الموازين لديهم. ولكن ذلك أثار في النفس بعض القضايا.

1- نتعايش أم نُقاتَل؟!.

إن اللفتة الأولى هي اختلاف العنوانين لكلمة مركز القيم الأمريكية، وكلمة الإخوة الأساتذة. فالأولى: "على أي أساس نقاتل" توحي بالعزيمة والتصميم على القتال. ويوحي هذا بأن لديهم قضية خطيرة تستوجب أن يخوضوا من أجلها حرباً واسعة. وهم جريئون واضحون في دعواهم، مصمّمون، يبحثون عن القيم التي تسوّغ لهم الحرب، فأعلَوا من شأن قيمهم التي لم نرَها في الواقع، ورأينا حرب الإبادة والحقد والخداع، ولم نرَ مبادئ ولا قيماً.

وحين وصفوا القيم الأمريكية، تجاهلوا وصف الإرهاب، وكادوا يلصقونه كلّيةً بما أسموه: "التطرّف الإسلامي". وزادوا على ذلك كله أن دَعَوا المسلمين ليقفوا معهم ويحاربوا المسلمين بكل صفاقة واستغفال.

للولايات المتحدة إذن قضية يريدون أن يقاتلوا من أجلها! وأتساءل هنا: أليس لنا قضية تستحق أن نقاتل من أجلها؟! أليس الله أمرنا أن نجاهد لحماية دين الإسلام وأرضه؟! أليس لنا ديار اعتُدي عليها واغتُصبت وطُرد أهلها منها؟! ألا نرى العدوان بعد العدوان، على المسلمين قتلاً وذبحاً وتدميراً في معظم ديار المسلمين؟!.

قضية أمريكا الحقيقية التي يريدون أن يقاتلوا من أجلها هي مصالحهم المادية ونهب الشعوب وإذلالهم، وتسويغ امتداد سلطانهم عدواناً وظلماً. إن لهم قضية يأمرهم الشيطان ليقاتلوا من أجلها!. ونحن لنا قضية أمرنا الله أن نقاتل من أجلها!. إنها هذا الدين الذي أمرنا أن نبلّغه للناس كافة وننشره في الأرض كلها، ونقاتل كل من يصدّ عن سبيل الله، ومن يفسد في الأرض وينشر فساده.

فلماذا تتمسّك أمريكا بقضيّتها الباطلة الظالمة، ثم تلبسها ثوب الديمقراطية المزيّفة حيناً، وحيناً آخر تلبسها ثوب "النظام العالمي"، وحيناً ثوب العولمة. أثواباً متعددة لتخفي عورتها ومساوئها، ولكن تظل العورات مكشوفة، فالثياب رقيقة جداً.

لماذا تتمسك أمريكا بباطلها وتدعو إلى القتال من أجله، ونحن نُخفي قضيّتنا ونتنازل عنها، ونستجدي السلام الذي لن يُعطى؟!.

كيف نتوقع السلام منهم وقد حدّد "نيكسون" مفهومهم للسلام بقوله: "لا نعني بالسلام حل المشكلة وتسويتها، ولكن نقصد معايشتها".

فهم يريدون استمرار المشكلة حتى تبقى مصانعهم تعمل، ويريدون استمرار ساحة الحروب حتى يُباع إنتاج مصانع الأسلحة ونهبها! ليس لهم غيرها: هي الديمقراطية، وهي النظام العالمي، وهي العولمة!!.

هم يريدون القتال ونحن نريد التعايش! عجباً كل العجب! ونودّ أن نؤكد أنهم سيقاتلونك مهما أردت التعايش معهم، إلا أن تقف معهم في ظلمهم وعدوانهم ظالماً معتدياً تعينهم على نشر الفتنة والفساد في الأرض.

(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبعَ ملّتهم. قل: إن هدى الله هو الهدى. ولئن اتّبعتَ أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لكَ مِن اللهِ مِن وليٍّ ولا نصير). {سورة البقرة: 120}.

نعم! لئن اتبعتَ أهواءهم ما لك من الله من ولي ولا نصير!.

وسوم: العدد 812