من أحاديث الضعف "كما تكونوا يولى عليكم"، لا يصح لغة، ولا حديثا، ولا فقها، ولا واقعا..

ويظل بعض الناس يتداولونه إدانة للضحايا ودفاعا عن الجلادين ، وهو لا يصح ..

لا يصح لغة لأن سياق الكلام العربي أن يقال : كما تكونون ولا وجه لحذف النون من فعل من الأفعال الخمسة بدون نصب ولا جزم ..

ولا يصح حديثا ...

وخلاصة حكم المحدثين عليه من طرقه المتداعية أن في أحد طرقه كذاب وفي الآخر ضعيف جدا فهل يقوي الكذاب الضعيف . وخلاصة حكم أصحاب الشأن فيه الضعف الشديد على تجوز منهم في منحه رتبة الضعف .

وللفائدة في السياق قولنا عن الحديث لا " يصح " ينفي عنه الصحة الاصطلاحية ، وليس الصحة المطلقة ، فيقال لا يصح عن الحديث الحسن مثلا . ولكن الكلام الذي نقضي فيه في رتبة بين الضعف  والوضع  ...وأحسن ما قيل فيه : ضعيف جدا .

ولا يصح فقها ..

لأن أمر الولايات في الشريعة الإسلامية موكول للأمة . ونقل الجويني في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم ، الإجماع عند أهل السنة والجماعة على أن الأمة مصدر الولايات . ومن هنا فلا معنى لبناء الفعل المجهول . ولو قال : كما تكونون تولون على أنفسكم لكان بحكم الشريعة أشبه ، هذا عندما تملك الأمة خيارها ، وليس عندما يكون حكامها جبريين ( عسكرا طغاما ) لا رأي للأمة فيهم من قبيل ولا من دبير. وما زالت الانتخابات في صورها المقاربة والحمد لله تثبت أن خيارات الأمة لنفسها تجنح نحو الحق والخير مما يدل على أن رأيها العام ما يزال بخير . وهذا ما يدفع أعداءها والمتنفذين بالباطل في قرارها  إلى تولية الأشرار والسفهاء والعاجزين عليها ..

ولا يصح واقعا ..

ففي مسيرة التاريخ الطويل كم رأينا من وقائع تكذب هذا القول المهترئ ؟! وهذا الراشد عمر بن عبد العزيز يحكم بين سليمان وهشام الأمويين ولم يتغير قبل ولايته حال الناس ، وكم رأينا من حاكم صالح يصلح بصلاحه الناس ، وكم رأينا من مستبد فاجر يضطر المسلمون لرفضه والثورة  عليه فيكون من أمرهم وأمره ما يكون ..

" كما تكونوا يولى عليكم " مدخل من مداخل أهل الباطل لتسويق الحكام الظلمة ، والطغاة الفاسدين .

فائدة ..

أحيانا يصف المؤرخ بالظلم والفساد حكام بني أمية أو بني العباس أو من يليهم وإنما يصح ذلك الوصف بالنسبة للمثال الأول الذي يجب عليه صاحب الأمر من خيار المسلمين ، وبالنسبة لمن سبقهم من الخلفاء والراشدين ,, أما حين يقايس حكام بني أمية وبني العباس وبني عثمان بسفهاء حكام عصرنا ممن يسمون القادة والزعماء فلا والله ما بلغ أحدهم تراب نعل أموي ولا عباسي ولا عثماني ..

وقوام أمر الحاكم ..

دين يعصم ويقوّم ..ونخوة تمنع وتنصر ..

وهؤلاء كما نرى وترون

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 813