التافهون البائسون

التافهون البائسون

محمد فريد الرياحي

[email protected]

انظروا إليهم. إنهم يهرولون في حال من حب الدنيا، وكراهية الموت، تركبهم وتستحوذ عليهم، فلا تترك لهم منفذا ينفذون منه إلى شهود الحق بما فيه من الحق الذي يثبت عند احتداد الأمر، واحتدام العسر.انظروا إليهم. إنهم يلهثون وراء ما يظنون أنه باق، بل الباقي الذي لا يفنى في الخضم الوجودي، وما هذا الباقي ،في ظنهم الآفل ، إلا الحرص على الجاه والسلطان،وهو الحرص الذي به يعلون في الأرض فإذا هم يسيطرون على الناس، بما يمكنهم من القوة القادرة، ويمكن لهم في القدرة القاهرة. وهم في هذا الذي هم فيه من الظهور وعليه من السفور، يفعلون من الوسائل والأساليب، ما به يرسخون في مواقفهم، ويثبتون في مواضعهم، من غير التفات منهم إلى المبادئ التي يعرفونها، ويشهدونها، ولا يحرصون عليها حرصهم على الدنيا التي هم لها عاكفون وعليها قائمون مقيمون.انظروا إليهم. إنهم يتخذون لكل حال لبوسها، ويسلكون إلى كل هيئة سبيلها،وهم على ما انعقدت عليه ميولهم،واستمسكت به نفوسهم من  الإصرار على الإثم ماضون لا يرتدون عما رسموه لذواتهم، أو رسمته لهم ذواتهم من وجوب الوصول إلى أقصى الغايات، وبلوغ أبعد النهايات من فعل المنكر، في اعوجاج من الطريق، وإظلام من الرؤيا، حتى إذا حققوا ما أرادوه من الظهور، في دوامة من الغرور، أتاهم من البأس ما به يزعزعون، وفيه يزلزلون، فلا نصير لهم فيما هم فيه من الخبط، ولا معين فيما هم عليه من الخلط، وذلك جزاء من ضل وغوى، ولم ينه النفس عن الهوى. انظروا إليهم.إنهم يسرون غير ما يعلنون، ويعلنون غير ما يسرون، وهم في حالهم هذه  من التخبط ماضون على طريقتهم من الارتجاج وطبيعتهم من الاعوجاج، لا يقيمون وزنا لما استقر عليه الرأي القويم، من رسوخ الفكر، ولزوم الذكر، ولا يبدون ميلا إلى ما وقر في

 الحس السليم من سلامة الطوية،ونقاء الهوية، ووضوح الرؤيا، واستقامة المبدأ، على طريقة الهدى. انظروا إليهم. إنهم يفرحون إذا حققوا مطمعا من مطامعهم، ويحزنون إذا لم يسعفهم ما هم عليه من الحيلة،وما هم فيه من الوسيلة في قضاء حاجة من حوائجهم، فتراهم يتوسلون بكل حبل إلى تحقيق الذي في أنفسهم من الرغبات الآثمة، والميول القاتمة، وترى منهم عجلة تعجل بهم إلى ما استقر في قلوبهم من حب الدنيا، فلا نكوص عن هذا الحب، ولا ردة عما يوحي به إليهم من فعل الإثم، في كل خطوة يخطونها، وكلمة ينطقونها ، وموقف يصدرون عنه،ورأي ينطلقون منه. تلك هويتهم التي لبسوها وتلبسوا بها، وتلبست بهم فهم لا يستطيعون عنها فكاكا، ولا يجدون منها خلاصا، في الذي تشربوه من السلوك، وتعودوه من العادة. وكيف يجدون سبيلهم إلى الرشاد وقد ختم على قلوبهم، فهم غاوون بل هم الغاوون الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، ولهم في الآخرة، ما أعد لهم من الأصفاد هم فيها مقرنون يشهدون من العذاب ما لا يستطيعون له دفعا، ولا منه مخرجا.وذاك جزاء من أصر على ما فعل، ونسي يوما تشخص فيه الأبصار، فليذق، إذن وكان عزيزا، ما بشر به من سوء المصير وسوء المنقلب. انظروا إليهم. إنهم في هذه الدنيا، يملكون الدنيا، فإذا حضرهم الموت قالوا يا ويلنا إنا كنا نكذب ونلعب، وإلى المنكر نميل ونطرب، ولا وزر اليوم من العذاب، ولا مفر من العقاب. انظروا إليهم. إنهم يسعون بأيديهم وأرجلهم إلى النار، بل إلى الدرك الأسفل من النار، فما أصبرهم، إذن، على النار.