ما علاقة حصار عكا وفيينا بمجزرة نيوزيلندا؟

clip_image002_982f0.jpg

clip_image003_13776.jpg 

الكتابات التي وجدت على أسلحة منفذ الهجوم على مسجد نيوزيلندا، تؤكد وجود تيارات متطرفة دينية مسيحية، تستلهم أدبياتها من تاريخ الحروب الإسلامية المسيحية، تماما كما يفعل الإسلاميون الجهاديون .

قيام منفذ المجزرة بتصوير عمليته وبثها على الهواء مباشرة، يعني أن هناك جمهورا كان يتابع ويشجع مثل تيار كهذا، ولا يبدو الأمر غريبا عندما نعلم أن عدد الاعتداءات على المسلمين في ألمانيا بلغ 950 اعتداء عام 2017 بحسب إحصائيات الحكومة الألمانية التي نشرتها صحيفة «بوليتيكو» مؤخرا، تشمل هذه الاعتداءات، تخريب المساجد والتهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومهاجمة المحجبات. ويمكن للمراقب مراجعة صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ليجد حملة ترحيب كبيرة من جمهور متطرف مؤيد للعملية.

الكراهية الدينية والحروب التي جرت في القرون الوسطى بين الشرق والغرب ما زالت تؤثر على الأحداث

الحديث عن أن الهجوم هو ردة فعل على التطرف الإسلامي، هو نصف حقيقة، فطبعا هناك خطاب إسلامي متشدد يعج بالكراهية ضد الغربيين، ويحرض حتى على مهاجمة المدنيين، لكن يمكن بسهولة القول أيضا إن هذا الخطاب هو أيضا مشحون بردة فعل على بعض السياسات الغربية كغزو العراق مثلا، التي وصفها بوش بأنها حملة صليبية، قبل أن توثق عبارته تلك بزلة لسان. هذه الترميزات التاريخية يتم ربطها من قبل الجهاديين بالأحداث والنزاعات السياسية الجارية في زمننا الراهن، تماما كما فعل منفذ الهجوم الأسترالي !لافت حقا، مدى تأثير ذاكرة الكراهية الدينية والحروب التي جرت في القرون الوسطى بين الشرق والغرب على الاحداث حتى يومنا هذا، ودعونا نستعرض أولا بعض الكتابات التي وجدت على أسلحة منفذ الهجوم :

1 – حصار عكا 1189 كان من بين الكتابات، حصار عامين انتهى بدخول الحملة الصليبية الثالثة لعكا وإعدام الحامية الأيوبية بالكامل.

2 – معركة فيينا 1683 التي نجحت بفك حصار العثمانيين عن فيينا، وأذنت ببدء تراجع العثمانيين في أوروبا الشرقية وخسارتهم المجر والبلقان لاحقا.

3 – معركة بلاط الشهداء، أو توزر جنوب فرنسا 732، أوقفت الزحف الإسلامي لأوروبا، الغافقي ضد تشارلز مارتل قائد الفرنجة.

4 – قسطنطين الثاني كان آخر ملك مسيحي لبلغاريا قبل أن يستولي عليها العثمانيون، خلال حياته، حاول تنظيم ثورة ضد حكم المسلمين الأتراك على بلغاريا.

5- مايكل شيلجي جنرال هنغاري قاتل العثمانيين خلال حصار بلغراد

6 – بوهيمون الأول في أنطاكية، الذي قاد الحملة الصليبية الأولى ضد المسلمين الأتراك.

7 – المنفذ كان يستمع إلى أغنية صربية تمجد الزعيم الصربي كارديتش منفذ مجازر الصرب ضد المسلمين في البوسنة، الذي صدرت بحقه أحكام دولية بتنفيذ إبادة جماعية في البوسنة بداية التسعينيات، وتقول كلمات الأغنية (الذئاب قادمون من كاراجينا يقودهم كارديتش)

وقد ادعى (الإرهابي) أنه تمت المباركة لهذا الهجوم من قبل «مجلس فرسان الهيكل». كان (Knights Templar ) نظامًا عسكريًا مسيحيًا من العصور الوسطى في أوروبا، قاتل في حملات صليبية ضد الحملات الإسلامية.

هذا الاستحضار لتاريخ النزاع الإسلامي المسيحي، سواء عند الأصوليين الإسلاميين ونظرائهم المسيحيين، يعني أن آثار هذا النزاعات الغائرة في القدم، ما زالت باقية ومؤثرة كقوة دافعة ومحرضة في مجرى الأحداث، رغم اندثار زمانها، والأهم انها لا تزال تشكل جزءا من التكوين الهوياتي للمجتمعات وتكوين وجهات النظر والموقف ضد الآخر المختلف، ولعل هذا أيضا ما يفسر صعود التيارات القومية في الولايات المتحدة، وفي بعض بلدان أوروبا الغربية ايضا، حيث يزداد العداء للمهاجرين والتنمر ضدهم، رغم القوانين الغربية الصارمة التي تجرم مثل أنماط من الكراهية كهذه، ورغم وجود تيارات اجتماعية مقابلة في الغرب ترفض ثقافة الكراهية ضد العرب والمسلمين .

نقطة اخرى لافتة، وهي حضور تاريخ العداء العثماني المسيحي في كتابات المتطرفين المسيحيين، وهذا تأتى بعد قرون من الحروب العثمانية في شرق أوروبا، التي حاولت الوصول لقلب القارة الأوروبية قبل أن ترد في فيينا، وتبدأ إمبراطوريتها الإسلامية بالتراجع في المجر والبلقان، بعد الفشل بدخول فيينا بنهاية القرن السابع عشر، اذ يبدو أن جزءا كبيرا من الحساسية التي يكنها الأوربيون نحو المظاهر الإسلامية يعود للموقف المتوجس من الإسلام العثماني تحديدا، الذي حاول غزو القارة الأوروبية المسيحية، وتجدر الإشارة إلى أن عبارة (التركي الفج ) وجدت أيضا على سلاح منفذ الهجوم.. لذلك تجد كثيرا من الأوروبيين وبالذات في أوروبا الشرقية التي عاشت تحت الحكم العثماني لسنوات طويلة، لديهم كراهية وتحسس كبير ضد الإسلام عموما، وقد يبدو انعكاس هذا واضحا في موقف حكوماتها التي رفضت علنا استقبال لاجئين مسلمين من سوريا والعراق، بينما قبلت اللاجئين المسيحيين وبررت ذلك علنا بدافع الخوف على الهوية المسيحية للبلاد.

نقطة أخرى مهمة تثير التساؤل، وهي أن المناهج التركية والثقافة التركية الشعبية ما زالت تضع اللوم على الثورة العربية في انهيار السيطرة العثمانية، رغم أن هذه الدولة كانت شبه منهارة خارجيا قبل الثورة لسنوات، وفقدت أهم ولاياتها الأوروبية الشرقية قبل قرن من الثورة العربية، فالفشل في السيطرة على فيينا وخسارة المجر والبلقان لم يكن نتيجة لتآمر الثورة العربية في الحجاز.

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

وسوم: العدد 816