أحضارةٌ .. أمْ حضاراتُ ..؟

د. حامد بن أحمد الرفاعي

بل حضارات.. فالحضارةُ بفهمي تقوم على مرتكزين اثنين: مرتكزٌ ثقافي ومرتكزٌ مادي.. وحيث أنَّ لكلِّ أمة ثقافتها وكفاءاتها ومهاراتها وإبداعاتها الماديَّة الخاصة بها في سيرها في الحياة.. فنحن لا شك أمام وحدات حضاريَّة متنوعة.. حيث أنَّ الثقافة هي المصدر الأساس لمهارة أي أمة في إبداعها المادي.. مثلما هو المصدر أساس لممارسات أدائها الحضَاريِّ الأخلاقيِّ.. ولمزيد من التوضيح أطرح سؤالين أحسبهما بغاية الأهمية:

1.     هل نحن أمام وحدات حضاريَّة إبداعيَّة ماديَّة مُتكاملةٌ..؟2.     أم أنَّنا أمام وحدات حضاريَّة إبداعيَّة ماديَّة مُتضادةٌ..؟

في إطار رؤيتي عن مفهوم الحضارة.. التي جاءت عبر رحلة طويلة في مراجعة ما يزيد عن مائة تعريف للحضارة لدى الثقافات الأخرى.. حيث انتهيت إلى تعريف شامل للحضارة فقلت: الحضارةُ هي ثَمرةُ كُلِّ جَهْدٍ يُبْذلُ لِعمارة الأرضِ وِفقَ ثقافة ما .. وعلى هذا الأساس يمكنني الإجابة عن السؤالين أعلاه فأقول:

أنَّ الحضارةَ من حيث شقُها المادي هي نتاجٌ بشريٌّ تراكمي.. فلكل أمة إضافتها الحضاريَّة المادية في عملية البناء الحضاري.وأنَّ البناء الحضاري تكتنفه وحدات إبداعيَّة تمثل البصمات الحضاريَّة الماديَّة لكل أمة من الأمم.. مثلما تكتنفه وحدات أداءٍ حضاريٍّ قيميٍّ أخلاقيٍّ يعكسُ هويَّةَ ثقافةِ كلِّ أمةٍ ومنهجها وسلوكها.

وهذا يؤكد أنَّنا أمام بناءٍ حضاريٍّ بشريٍّ مادي تراكمي.. تكتنفه بصمات وحدات حضاريّة إبداعية أخلاقية تشهد لكل أمة عن أثرها الحضاريِّ في حياة الإنسان والبيئة إيجاباً وسلباً.. وباختصار نحنُ في النهاية أمام تَكاملٍ و تَمايزٍ حضاريٍّ.

v         تَكاملٌ في البناءِ الحضاريِّ الماديِّ.

v         وتَمايزٌ في الإبداعِ والأداءِ الأخلاقيِ.

وبهذا التصور لمفهوم الحضارة ولمفهوم العلاقة بين الحضارات.. أحسب أنَّنا نُقدم للنَّاس مفهوماً موضوعياً منصفاً للعلاقة بين الحضارات.. ربما ينهي حالة التعصب لحضارة بعينها.. وربما يُلغي الثقافة القبيحةِ الكريهةِ لمقولة حتمية الصراع بين الحضارات..!

وسوم: العدد 817