موقف العقل بين الكفر والإيمان

د. محمد رفعت زنجير

د. محمد رفعت زنجير

[email protected]

1

منذ القدم

حاول المؤمنون إثبات  معتقداتهم بواسطة العقل

وحاول الملحدون إنكار الإيمان متكئين على العقل

فأين يقف العقل بين الفريقين؟

2

المؤمنون رأوا كونا منظما بديعا

يجري وفق سنن طبيعية ثابتة

فاستدلوا بقانون السببية على صانع الكون

ويكاد يجمع كل العقلاء والفلاسفة على مسألة وجود خالق لهذا الكون

وهي قضية فطرية مسلمة لدى عامة الناس والشعوب

ولكنهم يختلفون في حقيقة ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله

و يختلفون فيما بعد ذلك في مسائل الرسل والقيامة..

ولم يكن كفار قريش ينكرون وجود الله

وإنما أنكروا وحدانيته سبحانه!

كما أنكروا الرسالة والبعث!

3

اعتمد الكافرون في إنكارهم للرسالة والبعث على تصور مادي بحت

وهو استحالة عودة الأبدان للحياة بعد تفككها وتحللها

وأنكروا الرسول لأنه بشر وليس من الملائكة

وفسروا الرسالة بأنها لغرض التميز عليهم

وأنكروا عالم الغيب

ناسين أو متناسين أن كثيرا من القوى كالجاذبية والمغنطيسية والكهربائية...

نحس بها ولا نراها

فحواسنا ضعيفة ومحدودة

ولا نملك كل أدوات المعرفة

وهم يتكئون في ذلك كله على عقل جامد وتصورات متخشبة

فلا يرون جديدا في الحياة!

وأن التطور والتغيير سنة ثابتة في هذا الكون

فيصرون على ممارسة الحياة كأسلافهم

روتين يتكرر

ويرفضون أي تغيير

4

والمؤمنون اعتمدوا على العقل أيضا

فهم رأوا في خطاب الدين غذاء للعقل والقلب

ورأوا في معجزاته حقيقة وليست بابا من السحر والشعوذة

فمن أوجد الأسباب قادر على تغييرها

ووجدوا في الخطاب الديني حلاوة وطلاوة

واعتقدوا أن الرسول ينبغي أن يكون بشرا مثلهم حتى يقتدوا به

وآمنوا بالبعث بعد الموت

متكئين على فكرة النشأة الأولى!

5

نعى القرآن على الكافرين تعطيل حواسهم وعقولهم

(صم بكم عمي فهم لا يرجعون)

ورأى الكافرون المعارضون في القرآن حديثا مفترى وأساطير الأولين

فأين يقف العقل بين الفريقين؟

6

العقل هو أداة والعلم هو البرامج التي تركب عليه

ونظرة سريعة إلى القرآن تجده يحث على العلم والمعرفة بكل اتجاه

(قل انظروا ماذا في السماوات والأرض)

وقد فتح الدين أبواب العقل مشرعة للعلم في كل اتجاه

بينما كان المشركون جامدي العقول متكلسي الأفكار

رأوا في الدين ماردا جبارا يريد تحطيم أفكارهم البالية

ويريد كسر قيودهم الاجتماعية

فوقفوا منه وقفة عداء

ولجأوا إلى السيف

لما عجزوا في ميدان الحجة والحوار

7

وصفوة القول: إن المشركين اعتمدوا على العقل البدائي الجامد

والذي قد حشي بالمحسوسات والتقاليد الاجتماعية والخرافات الساذجة

بينما اعتمد المؤمنون على العقل الحر العلمي المنبهر بجمال الكون

فقاده هذا إلى جمال الخالق

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحــد

فعقل الملحد هو كعقل الصبي في ميعة الصبا

عقل بدائي غرزي في تعامله مع الكون من حوله

وعقل المؤمن هو كعقل العالم المبدع

فهو يستوعب ما لا يستوعبه عقل القاصر المحدود

8

وفي قضية الكفر والإيمان

نجد أن العقل هو أقرب منزعا للإيمان

بل تجده يسجد في محراب الإيمان

وهو حجة الله على خلقه

ولذلك قال الفقهاء: (إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب)

وأما الملاحدة فهم يتذرعون بالعقل

وهم كاذبون دجالون

لأنهم أهل هوى وجهالة

يشربون الخمور ليتحرروا من سطوة العقل!

ولو سلمنا لهم فرضا بما يقولون عن الدين

فما هو تفسير وجود الكون والحياة لديهم؟

إنهم لا يملكون تفسيرا مقنعا

ويزعمون أن المخلوقات انحدرت من خلية واحدة

وهي طورت نفسها بنفسها

أي كل مخلوق خلق نفسه بنفسه!

فهم أنكروا الخالق الواحد

وأثبتوا خالقين لا نهاية لهم!

وهذا لعمري هو الضلال المبين!

فالإلحاد خرافة الخرافة!

ناهيك أنه ليس لدى الملاحدة تفسير مقبول

لسبب وجودنا في الحياة والغرض منه

9

آخر الكلام

لو اصطف الناس فريقين

لكان العقل الواعي الحاذق المبدع المتوثب في فريق المؤمنين

ولكان العقل الجامد المتحجر في صف الكافرين

فالإيمان هو أقرب الطرق إلى العقل السليم

ولجعله يمارس دوره في الحياة بشكل مستقيم

والكفر هو أقرب الطرق إلى العقل المريض

الذي يحصر اهتماماته في داخل الجسد فقط

ولا ينطلق بعيدا لينعجن في طينة الكون وخميرة الحياة

10

اللهم زين عقولنا بنور الإيمان

وكحل عيوننا برؤيتك في أعالي الجنان

ولا تجعلنا ممن يقولون متندمين: (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير)

برحمتك يا أرحم الراحمين!