لا خوفَ على سورية، وإنما الخوفُ على السوريين

ستبقى سورية عزيزة كريمة .. وضاءة الجبين .. منتصبة الهامة .. تناطح النجوم الزاهرات .. وتتسامى محلقة في أجواز الفضاء ..

ستبقى شامخة برأسها .. تعانق السحاب .. مرفوعة الرأس .. تجاوز قمم الجبال السامقات ..

ستبقى حرة أبية .. رغم المحتلين والغاصبين .. والأعادي الجبناء ..

ستبقى مهد الحضارة الإنسانية والإسلامية .. ومشعل النور .. ينير للسالكين طريق الحرية .. والتحرر من الطواغيت المستبدين .. دربهم الوضاء ..

ستبقى حصينة بدينها القويم الحنيف .. منيعة على محاولات المفسدين .. لتشييعها أو تنصيرها .. أو تهويدها أو تمجيسها .. وستبوء محاولاتهم بالفشل .. والخذلان المشين ..

ستبقى عاصمة الدنيا .. وعرين المجد .. وشآم العز .. ومنبع العرفان .. ومنهل العلم .. تشع النور في أرجاء المعمورة .. رغم كيد الكائدين .. ورغم أنف الكافرين المارقين ..

ستبقى موئل الأحرار .. ومُلهمة الأجيال .. وحادية الركبان في طلب الحرية .. والتحرر من الظلمات إلى النور ..

ستبقى مهد الثورات على الطغيان .. والظلم والفساد .. وينبوعها الفياض .. ونهرها الدفاق الرقراق ..

ستبقى أرض البطولات .. والمعارك الفاصلات .. والملاحم المزمجرات .. وتسطر على أرضها المصبغة بدماءالشهداء .. آيات المجد .. والعز والفَخَار .. وستعيد معارك اليرموك وحطين وعين جالوت ..

ستبقى أم الدنيا .. ترعى أطفالها الصغار .. وتحنو على من يلوذ بها .. وتحتضن من يلجأ إليها .. وتسمو على آلامها .. وتتعالى على عذاباتها .. وتضمد جراحاتها .. وتنهض كالهِزَبرِ الهَصورِ .. يلتقم كل أفاك أثيم ..  وكل خوان معتد مريب ..

ستبقى سورية الوئام .. والحب والسلام للمسلمين المؤمنين .. والبأس والشدة والقوة .. على الطغاة المتجبرين ..

وستبقى يرعاها الله .. وترفرف في سمائها أجنحة الملائكة الكرام .. وسيهبط على أرضها الغناء .. المسيح عيسى بن مريم الموعود .. ليقيم شرع الله الديان .. ويكسر الصليب الكذاب .. ويقتل المسيح الدجال ..

نعم هذه هي سورية الوضاءة الزاهرة .. لا خوف عليها ولا وجل .. فهي في حفظ الله ورعايته وفي قبضته والكون كله في قبضته ..

ولكن ..

الخوف على السوريين الذين يضيعون أعمارهم .. في سفاسف الأمور وترهاتها ..

الذين ينشغلون بالصغائر والتوافه .. ويتركون جلائل الأمور وعظيمها ..

الذين يركزون همهم على اهتمامات متدنية .. سفلية أرضية ترابية .. وينسون الأمور السماوية العالية الرفيعة ..

الذين يتناطحون ويتزاحمون على المناصب الوهمية .. والكراسي المزيفة .. ويتقاتلون على فتات الدنيا وحطامها الفاني !!!

الذين يجعلون الأنا محور الكون .. يدورون حوله .. وليذهب الآخرون إلى الجحيم !!!

الذين لا يؤمنون بالآخرة .. ولا يفكرون بويلاتها وخطوبها المدلهمة .. وأهوالها المطبقة .. وأجوائها المخيفة المرعبة .. وحرها الحارق .. وقيظها اللافح .. وعطشها اللاهب ..

فما الأحداث التي تجري على أرض سورية الشماء .. إلا امتحان واختبار من العزيز الجبار .. ليبتلي السوريين .. ويمحصهم ويغربلهم .. ويفرز الصالح من الطالح .. ويعرف الخيِر ( بتشديد الياء المكسورة ) من الشرير ..

( وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ) آل عمران 154

( وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ )  محمد 31

والله تعالى وعد بالنصر .. ولن يخلف الله وعده .. وسيأتي عاجلا أم آجلا ..

سيتحقق النصر بالتأكيد قريبا أم بعيدا ..

ولكن ..

على يد فئة مؤمنة صادقة .. مخلصة .. منقادة لأمر الله تعالى .. وخاضعة لنظامه وقانونه .. في الضمير والوجدان .. وفي السلوك والمعاملات .. وفي إدارة شؤون الحياة .. بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..

( وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ) النور 55

وأما الضحايا الذين قُتلوا غدرا وخيانة .. وهم آمنون في بيوتهم ..

والنساء اللاتي ترملن . . والأطفال الذين يُتموا .. والمصابون بعاهات وفقدان لبعض أطرافهم .. أو أجزاء من أجسادهم .. لن يترهم الله أعمالهم .. وسيصلح بالهم .. ويدخلهم الجنة إن شاء الله بكرمه ورحمته ..

( وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴿٤﴾ سَيَهۡدِيهِمۡ وَيُصۡلِحُ بَالَهُمۡ ﴿٥﴾ وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ ) محمد ..

وأما الذين اختلفوا وتنازعوا بينهم .. فقد ذهبت ريحهم .. وأصبحوا هباء منثورا .. وحطاما تالفا .. وغدوا كالريشة تتقاذفها الرياح العاصفة .. في جو السماء ما لها من قرار..

 خسروا الدنيا والآخرة .. وذلك هو الخسران المبين ..

وكذلك الذين ركبوا موجة الثورة .. وهم لا يؤمنون بها .. ولكن ليثروا ويغنموا على حسابها .. وحساب المستضعفين واليتامى .. والأرامل والمشردين والنازحين .. فاؤلئك لهم عذاب شديد .. وخزي وهوان .. وذلة وصغار في الدنيا والآخرة ..

وأما الذين سالت دماؤهم الزكية .. على تراب سورية الطاهر .. وهم يدافعون عن حياضها .. وينتصرون لأهلها .. وفي سبيل الله ماتوا .. فلن تضيع سدى .. وسيحشر أصحابها يوم القيامة .. ريحها ريح المسك ..

كما ورد في الحديث الشريف .. في مسند أحمد ..

( عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ يَأْتِي الْجُرْحُ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ ) ..

وأما الذين ماتوا وضحوا بأرواحهم ودمائهم .. في سبيل الطواغيت .. وفي سبيل المال .. وطاعة للممولين .. وفي سبيل السمعة والجاه .. والسلطان .. وفي سبيل التراب .. فاؤلئك عند الله من الخاسرين .. ولن يكون قتالهم وقتلهم في سبيل الله .. ولن يكون لهم ثواب عند الله ولا جزاء .. وتذهب دماؤهم وأرواحهم سدى في سبيل الهوى والشيطان .. حسبما ورد في الحديث الشريف بإسناد جيد:

( جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ ؟ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ : لَا شَيْءَ لَهُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ ) ..

وهكذا يتبين لنا .. أن الخسارة كل الخسارة .. على السوريين الغافلين .. المنهمكين في متاع الحياة الرخيص .. ولا خسارة على سورية الأبية الشامخة ..

والخوف كل الخوف .. على السوريين التائهين الضائعين .. ولا خوف على سورية فخار العز .. وشآم المجد ..

وسوم: العدد 822