نحن أمة ميتة !!

رسالة المنبر

المحاور

???? هذا العنوان المستفز مقصود لذاته؛ لأنني أردت من خلاله تفنيد تلك العبارة التي أصبحت دارجة على ألسنة العوام، بل حتى على ألسنة (بعض) الخطباء والدعاة والعلماء.

???? ‏نحن أمة ميتة .. جملة يطلقها البعض أو هي زفرة من زفرات الأنين على حال الأمة وما وصلت إليه، في المستوى الفردي والجماعي، وعلى صعيد الحاكم والمحكوم، وفي مناحي الحياة كلها (السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية).

???? نحن أمة ميتة .. جملة يطلقها الخطيب المكلوم، وقد أبيضت عيناه من الحزن فلم يعد يرى بصيص أمل، وهو يستشعر مؤشر حركة الأمة، فيراها تنحدر من سيء إلى أسوأ.

???? ‏نحن أمة ميتة .. جملة يطلقها الحليم وقد أصابته الحيرة .. والحكيم وقد صار يطيش في شبر ماء، وهو يفكر في مخارج وحلول فلا يرى سوى الأزمات والمشكلات.

???? نحن أمة ميتة .. جملة يطلقها متشائم ومحبط ومكتئب نتيجة ما يرى من خسائر حقيقية في معارك وهمية يخوضها أعداؤنا بين بعضهم بالنيابة عنا.

???? نحن أمة ميتة .. جملة يطلقها كل من أفلح الأعداء في تشكيكهم بوعد الله ووعيده.

???? نحن أمة ميتة .. جملة يطلقها أولئك الذين لا يحسنون قراءة التاريخ، فيعتقدون أن الأمة في أسوأ أحوالها، ولو قرأوا ما حل بأرض الشام والقدس ومصر والعراق زمن المغول والصليبيين والفاطميين، وزمن تكالب الولاة على كراسي جعلتهم يذلون أنفسهم وشعوبهم وهم يستعينون بأعداء الأمة على بعضهم، فكم من عرض انتهك وروح أزهقت ودم سال ومكتبة أحرقت، حتى استشعر القاصي والداني بأنه (ليس لها من دون الله كاشفة) .. عندئذ يستدرك ذاك المحبط المنكفئ على نفسه، ويدرك بأن أمة الإسلام تصاب وتبتلى، لكنها لا تموت. 

???? إن جملة كهذه يقولها المرء لا يلقي لها بالاً فتهوي به في جهنم سبعين خريفاً .. كيف لا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم) رواه مسلم، قال الإمام النووي: روي (أهلكَُهم) على وجهين مشهورين: رفع الكاف وفتحها، والرفع أشهر.

???? إن ثمة الكثير الكثير من الأسباب التي تدعو البعض لإطلاق هذه الجملة الثقيلة المؤلمة، ولكن هل يجوز للطبيب من الناحية الأخلاقية أن يقول للمريض أو لأهل المريض مهما كانت حالته مستعصية بأنه مريض ميت أو لا أمل مطلقاً في شفائه؟! 

???? ‏إننا لو افترضنا جدلاً بأن أمتنا قد ماتت وانتهى أمرها وتلاشت، فإننا نثق وثوقاً تاماً بقدرة الله على إحياء الموتى، وإحياء العظام وهي رميم، وفي ذلك ما يدهش العدو الذي اطمأن إلى وفاتها، والصديق الذي حزن على انتهاء مفعولها، وصدق الله القائل: (‏يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ) (النور: 19).

???? ‏إن جملة: نحن أمة ميتة .. فيها من التعميم القبيح ما يجعل حتى الأحياء المتحركون الفاعلون يتوقف نبضهم وتتراجع خطواتهم، ونكون قد أسهمنا في هدم ما تبقى لنا من أمل، وما يمكن أن يبنى عليه من العمل.

???? ‏إن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) رواه أبو داود، وصححه السخاوي في المقاصد الحسنة، والألباني في السلسلة الصحيحة، ما يؤكد أن ثمة ضعف سيعتري علاقة الأمة بدينها وعقيدتها في كل فترة زمنية، فلا تكاد تنتهي هذه الفترة حتى يبعث الله من يجدد تلك العلاقة بدين الله، لتعود إلى صورة أجمل وأصلب وأثبت من ذي قبل. 

???? نحن أمة ميتة .. جملة يكررها من يرى تتابع موت الثقات من العلماء والدعاة والمصلحين، فتضيق الدنيا عليه بما رحبت، ولا يرى حينها سوى الضعفاء والمجهولين والمدلسين. 

???? إن ما جرى على الأمم الأخرى من تحريف لعقيدتها، ومسخ وتشويه لكتبها، وتيه وضلال عن طريق ربها؛ هو الموت بعينه، وإن كنت ترى أناساً يذهبون ويجيئون ويتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم. 

???? إن سوء قراءتنا لحياة الصحابة الكرام باعتبارهم الجيل المثالي الكامل، وأنهم لا يعصون ولا يخطئون جعلنا نرى أنفسنا وكأننا من عالم الشياطين قياساً على ذاك العالم الملائكي الرفيع، وفي الحقيقة ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - على فضلهم وشرفهم - ملائكة، ولسنا نحن شياطين، ولو شهد بعض المتشائمين اليوم ما جرى للمسلمين يوم أحد من ضعف وفرار ووهن ومخالفة وتيه وقتل ونزاع لظن أن الساعة قامت، أو أن الأمة ماتت، ولك أن تقرأ قول الله تعالى في وصف حال الصحابة في تلك الغزوة لتعلم أن الأمة نهضت من تلك الكبوة على ما فيها من جراح قاتلة، يقول سبحانه: ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 152). 

???? لو عاش المتشائمون اليوم بعض الظروف التي عاشها الصحابة الكرام لقالوا: هلكنا، وإلا فكيف هو حال الصحابة يوم غزوة الأحزاب وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر؟، أو كيف حالهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتد الناس عن الإسلام وصاروا كقطيع الغنم في الليلة الشاتية، أو كيف حالهم يوم تآمر المتآمرون على الخليفة الثاني (عمر رضي الله عنه) وقتلوه بخنجر مسموم وهو يصلي في محراب الفجر؟ أو كيف حالهم يوم دبت الفتنة بينهم وصاروا إلى مقتلة عظيمة يوم صفين والجمل، ومع ذلك نهضت الأمة من جديد ولم تمت، ولو ماتت ما اخترق نور الإسلام الجغرافيا والتاريخ، حتى وصل إلينا بعد أكثر من ١٤٠٠ عام. 

???? إن تصدُّر بعض الزعامات الدنيئة الوضيعة المستبدة حياة المسلمين اليوم جعلت بعضنا يعيش حالة إغلاق تام، وهنا نسأل: هل خلا التاريخ من الأمراء الضعفاء والمأجورين الخبثاء؟! .. ولكنهم سادوا ثم بادوا، وملكوا ثم هلكوا ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) (الدخان: 29)، واستلم الراية بعدهم أمراء سوء باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فقطع الله طرفاً منهم والباقي على طريق الاندثار، فالأمة أكبر من هؤلاء المجرمين الصغار. 

???? إنك إذا أردت أن تعرف حقيقة الموت والوفاة للأمم؛ فعليك أن تنظر حال أولئك الذين أصبحت حياتهم بلا روح وإن تقدموا في المجالات المادية كلها، وإلا فما قيمة مجتمعات الغرب التي ابتليت بالجفاف الروحي (قطعوا صلتهم بربهم) والجفاء الاجتماعي (قطعوا صلتهم ببعضهم) .. وصدق الله: (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل: 21). 

???????? إن بين أيدينا من الأدلة الواقعية على حياة هذه الأمة وفاعليتها على الرغم مما أصابها من لأواء وبلاء، ومن هذه الأدلة:

١. أن أعداء الأمة لا يزالون يضربون بأقصى طاقتهم، وهل الميت وهو ميت يُضرب؟!، وينفقون من الجهود والأوقات والأموال في سبيل خنق هذه الأمة، وهل الموتى وهم موتى يُخنقون؟!، فلا جدوى لضرب الميت أو خنقه، ولو أن أعداء الأمة تأكدوا من موتها لأقاموا الأعراس على قبرها، ولكنها لا تزال ترعبهم وتخيفهم، بل إنهم لا ينامون الليل من فزعهم، وهذا ليس دليلاً على حياة الأمة فحسب؛ بل على فاعليتها كذلك.

٢. أننا لا زلنا نرى إقبالاً على الإسلام من غير المسلمين، وتفاعلاً كبيراً مع مواسم الطاعة من المسلمين (رمضان والحج والعمرة وصلاة الجماعة وغيرها).

٣. أن حجم الذين يدورون في رحى القرآن من مختلف الأعمار والأجناس والجنسيات تلاوة وحفظاً وفهماً وتبليغاً في زيادة مطردة لا يمكن إحصاؤها.

٤. أن بيوت الله ومراكز التوعية والجامعات والكليات والمعاهد الدينية التي يرتادها الناس في زيادة ونماء.

٥. أن حجم المواقع والإذاعات والفضائيات والصحف والمجلات والبرامج الدينية في تصاعد وازدياد.

٦. أن عدد الدعاة والخطباء والعلماء والحفاظ والمدربين على القيم الدينية في ازدياد.

٧. أن إفلاس الأعداء بالأمس في مواجهة الإسلام بشكل خفي مستتر جعلهم يجاهرون اليوم في العداوة، وهذا دليل حياة وفاعلية هذا الدين، وفي المقابل هو دليل إفلاس خصومه، فها هم يظهرون على حقيقتهم، وكم من دولة وجماعة وشخصية تلبست بالدين وحب الإسلام، إذ بها اليوم تُكشف وتتعرى وتُفضح (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

٨. أن عدد الدعاة والمجاهدين في ثغور الدعوة والجهاد في زيادة، على الرغم مما يتعرض له الدعاة والمجاهدون من خنق وتضييق وملاحقة وقتل.

٩. أنه لا يزال في الأمة من يبذل ماله في مصالح الخير كلها، سواء أكان ذلك على سبيل النفقة الواجبة (الزكاة) أو على سبيل التطوع احتساباً لوجه الله تعالى. 

١٠. أننا لا زلنا نجد على الحق أعواناً في كل أرض وتحت كل سماء، فلا يصح الاستشهاد بتلك الأحاديث التي تدعو إلى العزلة وترك العمل والأحجام عن الإصلاح والتغيير. 

١١. أننا لا زلنا نستأنس بحديث الطائفة المنصورة، ذاك الحديث الذي وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بالتواتر، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين (وفي رواية على الحق) ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم ما أصابهم من لأواء (وفي رواية لا يضرهم من خذلهم) حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك)، وهنالك زيادات لا ترقى إلى درجة الصحة فيها تحديد لمكان هؤلاء بأنهم في الشام أو ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس .. فكيف يقال بأن الأمة ماتت وفيها تلك الطائفة المنصورة الغالبة؟!. 

١٢. أنه لا يقاس موت الفكرة أو حياتها بعدد أفرادها أو المتمسكين بها، هذا لأن المتمسكين بالحق والخير قلة على امتداد التاريخ، يقول سبحانه: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، ومن أعجب المشاهد مشهد قوم لوط عليه السلام الذين قال الله فيهم: (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ) (الذاريات: 36). 

١٣. أن هناك رغبة لدى الآخرين بتطبيق منظومة الفكر الاجتماعي أو الاقتصادي الإسلامي وقد بدأوا في ذلك وإن كان كبرهم وعنادهم لا يسمح لهم بالاعتراف في فضل الإسلام وسبقه في هذه الأبواب، قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً). 

١٤.أنه لو ماتت أمة الإسلام لما بقينا نتسمى بأسماء الأنبياء والصحابة ونتذاكر ذكريات السيرة العطرة في كل عام. 

١٥. لدى مطالعتنا لأحاديث الفتن وعلامات الساعة الصغرى والكبرى نجد أننا لا زلنا بخير وأننا لم نصل إلى ذاك القاع ففي المستوى السياسي لم يوسد كل الأمر لغير أهله، وفي المستوى الاجتماعي لا يزال التكافل موجودا، ولم يظهر الدجال وإن كثر الدجل، ولا زالت الدماء محترمة وإن كثر الهرج. 

١٦. أن عرى الإسلام لم تُنقض، وإن أصيبت بعوارض صعبة،  فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن النبي ﷺ أنه قال: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)، ولم نصل بعد إلى تمام غربة الدين كما في قوله ﷺ: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ؛ فطوبى للغرباء) أخرجه مسلم.

١٧. أنه لن يزال في الأمة بقية خير .. كيف لا وهي أمة الخيرية، يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي كمثل الغيث لا يدري أوله خير أو آخره" فهذا قد رواه أحمد في المسند، وقد ضعفه بعض الناس وبعضهم لم يضعفه، لكن معناه أنه يكون في آخر الأمة من يقارب أولهم في الفضل، وإن لم يكن منهم حتى يشتبه على الناظر أيهما أفضل، وإن كان الله يعلم أن الأول أفضل كما يقال في الثوب المتشابه الطرفين : هذا الثوب لا يدري أي طرفيه خير مع العلم بأن أحد طرفيه خير من الآخر). 

١٨. أن الله تعالى يجعل لتأييد دينه وبعثه ونصره وإحيائه أسباباً لا تخطر على البال، فهو الذي أيد المؤمنين بجنود لم يروها، وهو الذي نصر المؤمنين بالرعب، وهو الذي يؤيد دينه (بالرجل الفاجر) رواه البخاري، والرجل الفاجر إما أن يتوب في لحظة فارقة فينصر الله به دينه، أو أنه يسلك مسالك الحمقى وهو على فجوره فيورد أتباعه المهالك كما حل بفرعون، وكما جرى لأبي جهل، إذ لولا حماقتهما ما هلكا .. ولولا أنهما هلكا ما انتصر دين الله جل وعلا. 

١٩. إن تصاعد حالة الوعي والفهم والإدراك في زماننا مبشر بالخير، لاسيما بعد الجهود المضنية في تبسيط مسائل الفقه والإيمان، وتيسير التفسير، وتحقيق السيرة والسنة، ومحاربة البدعة، والأمة الواعية يُكتب لها الحياة وإن أصابها الضعف والوهن. 

٢٠. إن في امتلاء السجون بمعتقلي الرأي والكلمة الصادقة في كل مكان، دليل على أنه لا يزال في الأمة من يقول للظالم: يا ظالم، وهذا مؤشر من مؤشرات عافية الأمة وحياتها، وإلا فهي ميتة، لأنه: (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودّع منهم" رواه الحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي في تصحيحه. 

وختاماً

صحيح أننا ابتلينا بسوء المُدارسة وقبح الممارسة لديننا العظيم، لكن ذلك لم ينقص من رسوخ المنهج وثباته، وإن انحرف بعض أهله وصاروا يشرعنون الخطيئة ويستقبحون السُّنة والفضيلة. 

ونحن ندرك أن الله تعالى أودع في هذه الأمة روحاً عظيمة ليس من أجل استمداد حياتها فحسب؛ بل من أجل نفخ الروح في البشرية كلها، (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52)، ‏ففي اللحظة التي يقال فيها بأن أمة الإسلام قد ماتت فهذا يعني بأن البشرية كلها قد ساقت نفسها إلى مقصلة الموت بأبشع صورة، وأظن أن ذلك من آخر علامات الساعة الكبرى؛ فقد روى مسلم عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ، قَالَ: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ).

وسوم: العدد 824