هذه قصة لقائي مرتين بالرئيس الراحل محمد مرسي

هذه قصة لقائي مرتين بالرئيس الراحل محمد مرسي.. الأولى في انقرة والثانية في قصر الاتحادية في القاهرة.. انها شهادة اوثقها للتاريخ دون أي رتوش.. واعرف انها ستغضب الكثيرين

clip_image002_9702f.jpg

اعترف انني كنت وما زلت من محبي الرئيس المصري الراحل المنتخب محمد مرسي، وشعرت بحالة من الصدمة عندما تابعت مساء اليوم نبأ وفاته في قاعة المحكمة، وهو يرتدي ملابس السجن الزرقاء، وبعد مرافعة استمرت لأكثر من عشرين دقيقة، فنذ فيها كل الاتهامات الموجهة اليه التي اعتبرها من “فبركات” الخصوم والمدعي العام.التقيت الرئيس مرسي مرتين، الأولى كانت بمحض الصدفة، عندما كنت مدعوا لحضور مؤتمر العدالة والتنمية الذي انعقد في انقرة في ايلول (سبتمبر) عام 2012، وهو آخر مؤتمر يتزعمه رجب طيب اردوغان بحكم انتهاء فترتي ولايته، اما الثانية فكانت في قصر الاتحادية في القاهرة في الثالث من حزيران (يونيو) عام 2013، أي قبل الإطاحة به بشهر واحد تقريبا.

كنت اجلس في مقهى فندق “ماريوت” في العاصمة التركية، حيث كنت أقيم مع حشد ضخم من المدعوين، وكان الرئيس مرسي ابرزهم، وحظي بحفاوة خاصة من قبل رئيس الوزراء التركي، وفجأة حصلت ربكة في البهو ليظهر الرئيس المصري وسط مجموعة من الحراس والمرافقين، فالتقيت اعيننا، فاذا به يغير مساره ويتقدم نحوي هاشا باشا، ويعانقني معاتبا لأنني ازوره في مصر ولم اهنئه بفوزه بالرئاسة، ويصطحبني الى جناحه عبر المصعد بفترة قصيرة، حيث كان يستعد للمغادرة الى المطار للعودة الى القاهرة، حيث لم تدم اقامته في انقرة الا سبع ساعات.

الرئيس مرسي سألني عن اسباب عدم زيارتي للقاهرة، قلت له ان السبب بسيط، وهو ان الرئيس حسني مبارك شرفني بإحتلال مكان بارز على قائمة الممنوعين من دخول مصر السوداء، فضحك، وقال الآن سنمزق هذه القائمة، وانا أوجه لك دعوة للزيارة فمصر بلدك، ومحبيك كثر فيها، لا قوائم منع بعد الآن لاي عربي ومسلم، نحن امام مرحلة جديدة، ومصر أخرى، فشكرته وودعته على امل اللقاء على ارض الكنانة.

***

تأخرت في تلبية الدعوة لان مصر لم تشهد الاستقرار مطلقا، وكانت تخرج من اعتصام لتدخل في آخر، ولكن في مطلع حزيران (يونيو) قررت ان اشد الرحال الى قاهرة المعز التي كانت تعج بالزوار من مختلف انحاء الوطن العربي، وتشهد نهضة إعلامية غير مسبوقة في تاريخها، حيث برامج “التوك شو” تستمر لساعات، وتعكس حالة من الانفتاح والحريات التعبيرية لم تعرفها مصر، ولا أي دولة عربية من قبل.

فاتحت الصديق حسنين كروم الذي كان يدير مكتب صحيفة “القدس العربي” عندما كنت اتولى رئاسة تحريرها، بأنني اريد مقابلة الرئيس مرسي تلبية لدعوة تلقيتها منه، فأصفر وجهه، ولم يرحب بهذا الطلب، لانه ناصري عتيق ولا يكن أي ود لحركة الاخوان المسلمين، ويجاهر بموقفه بكل شجاعة، وقال لي انه سيتصل بالرئاسة ويطرح عليهم الطلب، فجاءه الرد بعد ساعة تقريبا، وابلغوه بأن الموعد مع الرئيس تحدد الساعة 12 ظهرا في قصر الاتحادية وسيكون في انتظارنا.الزميل والصديق كروم رفض ان يصاحبني في اللقاء، وقال اذهب لوحدك، فانا لا اريد مقابلة الرئيس ولا اعترف به، وأعاد تأكيد معارضته لحركة “الاخوان المسلمين”، وقال ساخرا “يا سيدي مبروكين عليك”.

وصلت الى قصر الاتحادية على متن سيارة أرسلها البروتوكول، ولم تجر لي أي عملية تفتيش، باستثناء مروري عبر حاجز الكتروني وبصحبتي احد المرافقين، وفجأة استوقفني رجل انيق يحمل حقيبة مليئة بالملفات فيما يبدو، عرفني وقدم لي نفسه على انه اللواء مراد موافي، رئيس جهاز المخابرات المصري العامة، الذي خلف الشهير عمر سليمان، ورحب بي قائلا بلكنته المصرية المحببة، اهلا بك “عباري باشا” في بلدك مصر، فقلت له سيادة اللواء انا قادم للقاء الرئيس، قال اعرف، فمازحته قائلا لي طلب واحد فقط، وهو ان لا يضايقني “جماعتك” في مطار القاهرة عند المغادرة، فضحك وقال اطمئن لن يعترضك احد، وهذا ما حدث.

مكتب الرئيس مرسي كان متواضعا جدا، وجلسنا على اريكة قبالته، ولم يحضر اللقاء الا الدكتور ياسر علي، مدير مكتبه على ما اذكر، وكان الرئيس ودودا طيبا مثل الغالبية الساحقة من اهل مصر الكرماء البسطاء، واستمر اللقاء ما يقرب الساعة، وكان يتحدث طوال الوقت عن طموحاته في اصلاح الاقتصاد المصري، وإعادة عهد التصنيع الثقيل وتحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في القمح، واكد لي انه سيشتري الطن منه من الفلاح المصري بـ 300 دولار كبديل للقمح الأمريكي الذي كان اقل بخمسين دولارا للطن، الى جانب قضايا أخرى لا يتسع هذا المجال للتطرق اليها لضيق المساحة.

بمجرد مغادرتي قصر الاتحادية لم يتوقف هاتفي النقال عن الرنين، ولأنني لا اجيب على الأرقام التي لا اعراف أصحابها، تجاهلت الامر حتى اتصل بي احد الزملاء من لندن وقال لي ان الفريق ركن عبد العزيز سيف الدين، عضو المجلس العسكري، ورئيس هيئة التصنيع الحربي، هو الذي كان يتصل بي ويتمنى علي الرد، وفعلا كان الفريق هو الذي يبادر بالاتصال، ووجه لي دعوة للعشاء مع مجموعة من زملائه في نادي الضباط في مصر الجديدة، وكان من المفترض ان يكون الفريق اول عبد الفتاح السيسي حاضرا، ولكنه تغيب لارتباطات رسمية للمشاركة في اجتماع طارئ لبحث “ازمة” سد النهضة دعا اليه الرئيس مرسي، مثلما قيل لي، وغادرت في اليوم التالي الى لندن ولم اعد الى العاصمة المصرية الاثيرة على قلبي، والتي عشت فيها اجمل سنوات شبابي (في الجامعة) حتى الآن***

كان الفريق عبد العزيز سيف وزملائه في قمة الود والادب واللياقة، وحسن الضيافة، واذكر ان الأستاذ أسامة هيكل، وزير الاعلام السابق، كان المدني الوحيد الحاضر، وادركت من خلال الحديث ان هناك خطة للإطاحة بالرئيس مرسي يجري الاعداد لها على “نار حامية”، وهذه قصة أخرى.لم لكن عضوا في حركة “الاخوان المسلمين” ولكني ما زلت اعتقد ان الرئيس مرسي والكثير من زملائه، تعرض لظلم كبير باعتقاله، واهانته امام القضاء بملابس السجن، بينما من نهبوا مصر واموالها، وارتكبوا الجرائم، وبطشوا بالشعب طلقاء، الرجل اجتهد واخطأ وأصاب، ولا اتفق معه في الكثير من سياساته، ولكنه لا يستحق هذه المعاملة القاسية التي تتعارض مع كل قيم العدالة وحقوق الانسان.

ادرك جيدا ان هذا الكلام لن يرضي الكثيرين، وربما يعزز مكانتي على قائمة الممنوعين من دخول مصر، ولكن كلمة الحق يجب ان تقال، ومهما كان الثمن.رحم الله الفقيد وادخله نعيم جناته، وكل العزاء لأسرته ومحبيه، وانا لله وانا اليه راجعون.

وسوم: العدد 829