مرسي ضحى بنفسه ثمناً للحرية و الكرامة

clip_image002_81b2d.jpg

يوم الاثنين 17 حزيران 2019 غادر هذه الدنيا رئيس مصر الشرعي محمد مرسي عقب تعرضه لجريمة اغتيال مكتملة الأركان، كان وراءها السلطات المصرية التي تجاهلت كل طلباته في الحصول على حقه في العلاج داخل محبسه الانفرادي لنحو ست سنوات. وحتى نكون منصفين فإن المسؤول الأول عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة هو عبد الفتاح السيسي الذي انقلب عليه وعلى المصريين الذين انتخبوا مرسي رئيساً لهم، عبر صناديق الانتخاب النزيهة والشفافة، بحضور الهيئات العالمية التي أشرفت على الانتخابات، وأن هذه الجريمة والكشف عن حقيقتها سيكون في ذمة التاريخ وفي ذمة الثورة المصرية وفي ذمة الشعب المصري، وفي ذمة كل الأحرار في العالم، وفي ذمة كل الهيئات المهتمة بحقوق الإنسان. وقد أثارت الوفاة المفاجئة للرئيس الشرعي محمد مرسي بعد جلسة محاكمته يوم أمس الاثنين العديد من الشكوك بشأن ملابسات الوفاة، وما إذا كانت طبيعية أم أنها جريمة اغتيال مدبرة وعملية قتل مخطط لها سلفا، وقد طلب خلالها من القاضي الحديث، بما يدل بشكل قاطع أن الرجل لم يكن يعاني من تدهور في صحته بتلك اللحظة، ولم يكن يعاني من أزمة صحية سبقت الجلسة، وإلا لما انعقدت الجلسة بحضوره. وهناك ثمة علامتين تزيدان الشكوك بأن يكون الرئيس مرسي قد تعرض للتصفية بشكل متعمد، أي أن وفاته كانت عملية اغتيال مدبرة سلفاً، أما العلامة الأولى فهي أنه قال في جلسة محاكمته السابقة التي انعقدت يوم السابع من أيار الماضي إن “حياته في خطر”، أما في جلسة وفاته يوم أمس فطلب من القاضي الحديث للإفصاح عن شيء ما يريد أن يكشفه أمام هيئة المحكمة، لكن لم يُسمح له ذلك حتى فارق الحياة. أما العلامة الثانية التي تعزز التكهنات بأن الرجل مات اغتيالا كون مرسي لم يفارق الحياة داخل قاعة المحكمة وإنما أغمي عليه هناك، ثم نقل إلى المستشفى ليعلن عن وفاته لاحقاً، وهو ما يزيد من احتمالات أن تكون تصفيته قد تمت داخل المستشفى بشكل متعمد. والذي يزيد في إثارة الشكوك حول وفاة مرسي أن السلطات المصرية لم تعلن عن أسباب وماهية الظروف الصحية التي أدت إلى وفاته، ولا أسباب الإغماء، ولا ما الذي حدث معه في المستشفى. استشهاد الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي في السجن بعد محاكمته من صغار الجلادين بلا جرم سوى كونه رئيس منتخب، حدث جلل ستكون له رمزية كبرى في مسيرة الشعب المصري والشعوب العربية من أجل الحرية والكرامة. لقد أثبتت مصر السيسي مراراً وتكراراً أنها لا تعير الديمقراطية أدنى اهتمام، بل وتنتهك بشكل سافر حرية الكلام والتعبير، ولعل جريمة قتل الإيطالي “ريجيني” ما كان لها أن تحظى بتغطية إعلامية كبيرة لولا ارتباط الرجل بالغرب، وإن كانت مثل هذه الجرائم شائعة في مصر. وعلى ما يبدوا فإن القوى الغربية التي تتسامح مع مثل هذا السلوك، أو تتجاهله، كون هؤلاء الحكام باعتقادها يلعبون دوراً في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة بحسب المقاييس والشروط التي تضعها لهؤلاء الحكام، وبذلك تمر جرائمهم التي تكاد تكون يومية دون أن يتصدى لها أحد، بينما تتردى المنطقة نحو مزيد من الفوضى. لقد عرّت الثورات العربية موقف الغرب المنافق وهو يركز جلّ اهتمامه على الشرق الأوسط، من حيث ما يملك من ثروات ومواقع استراتيجية، وقد بدأت الشعوب العربية تعي الحقيقة وتتفهم مقاصد الغرب المنافق، وحتى أولئك الذين كانوا ينخدعون بهذا الغرب ولم يكونوا يعون أهمية المنطقة بدأوا يفهمونها الآن، وأن من كانوا يوماً يعتقدون بأن النظام العالمي الليبرالي سيبقى متماسكاً وقادراً على الحفاظ على سلطته المعنوية بينما يمضي في ممالأة أو دعم الطغاة، قد افتضح أمرهم وانكشف نفاقهم. الغرب دعّم جنرالات الجزائر في انقلابهم على انتخابات عام 1992 التي أشادت بنزاهتها منظمات وهيئات دولية مرموقة، وأدى هذا الانقلاب إلى حرب أهلية قذرة سقط فيها حوالي ربع مليون مواطن، وقتل وعذّب وخطف الجيش والمخابرات والجماعات المتطرفة عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء والعزّل. وظلت التقارير التي تصدرها منظمات دولية، أو حتى الخارجية الأمريكية، تتحدث عن انتهاكات جسيمة في الجزائر، بل روجت فرنسا لنظرية “من يقتل من؟” للضغط على العسكر لحماية مصالح محددة. هل من المعقول أن الغرب الذي نصّب نفسه “حامي الديمقراطية” يدعّم ديكتاتورية العسكر في الجزائر الذين ينقلبون عليها ويقتلون الشعب المتمسّك بها؟ ومثال آخر لنفاق الغرب وكذبه في ادعائه أنه حامي الديمقراطية والمبشر بها ما حدث في فلسطين، فقد جرت عام 2004 انتخابات ديمقراطية نزيهة باعتراف دولي، غير أن الغرب المنافق وقف ضدها ودعم “إسرائيل” في الحرب على هذه الانتخابات الشفافة والحكومة المنبثقة عنها، ومنذ ذلك الحين لم تتكرر انتخابات أخرى. فهل من السذاجة أن نصدق الغرب الديمقراطي وهو يدعم “إسرائيل” في نسف الديمقراطية بفلسطين عموماً وغزّة بصفة أخص، وبمجازر وصلت حد استعمال الفسفور الأبيض؟ والمثال الثالث كان نفاق الغرب حيال ثورة 25 كانون الثاني 2011 على نظام حسني مبارك الذي كان يهيئ مصر لوراثة ابنه للحكم تماهياً مع ما حدث في سورية بتنصيب بشار رئيساً لها، ونحن نعيش الآن الفظاعات التي يرتكبها بحق سورية والسوريين، وقد شهدت عدة مناسبات انتخابية جرت في مصر، واعترف العالم بنزاهتها وشفافيتها، وقد أدت هذه الديمقراطية التي أشاد بها الغرب إلى فوز الرئيس محمد مرسي وتولى منصبه رسمياً في 30 حزيران 2012، وكان بذلك أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ مصر منذ العهد الفرعوني. غير أن هذا لم يدم طويلاً، وتدخّل الغرب وبالتحالف مع بعض العربان، من أجل إسقاط هذه الديمقراطية الفتية والحكم المدني، فدعموا وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على رئيسه مرسي وزجّ به في السجون. وسبق أن حذر كثيرون من تعرض حياة مرسي للخطر داخل سجون السيسي، كما طالب كثيرون بمعاملته على الأقل أسوة بالمعاملة التي يحظى بها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، لكن السلطات في القاهرة لم تستجب لهذه المطالبات. وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على الرئيس الشرعي محمد مرسي اقترف المجزرة تلو الأخرى في رابعة وميدان النهضة وغيرهما، وسجن عشرات الآلاف من المواطنين المناهضين للانقلاب والداعمين للشرعية، وتواصلت الإعدامات التي يناهضها الغرب، حيث تم- باسم القانون- إعدام بعض المتهمين، وآخرون تجري تصفيتهم ميدانياً خارج القضاء، ويوجد من قتل تحت التعذيب في أقبية المخابرات، لم يتحرّك الغرب المنافق لها، لأنه هو من يقف وراء الانقلاب برمته، بل صار السيسي رئيساً في مسرحية انتخابية رعتها أجهزة المخابرات الأجنبية، وصار يستقبل في دول ديمقراطية تزعم أنها حامية حقوق الإنسان. في حين أن الرئيس الشرعي المنقلب عليه، محمد مرسي، حُكم عليه بالإعدام وصار ينتظر دوره بمشانق العسكر، ولن أستبعد قتله بأوامر من السيسي، لأنه لن يهنأ بالحكم نهائياً كما يخيّل له، ما دام يرى مرسي على قيد الحياة فستبقى الشرعية تؤرقه وهو الفاقد لها. أخيراً هل من السذاجة تصديق الغرب الذي يطالب بالديمقراطية وهو يدعّم الجنرالات كي ينقلبوا على الحكام المنتخبين ديمقراطياً؟ لقد صدّع الغرب رؤوسنا بالحديث عن الحكم المدني في الدول العربية، خاصة تلك التي تدعي أنها تطبق الشريعة الإسلامية، ولكنه في الممارسة مع دول أخرى يدعم العسكر في الهيمنة على أنظمة الحكم، لأنهم يحقّقون له ما يريد من مصالح استراتيجية على حساب الأوطان والشعوب. ولمن لا يعرف مسيرة الرئيس الشرعي محمد مرسي العلمية والسياسية فهذه سيرته: درس الدكتور محمد مرسي دراسته العليا بجامعة “سوثرن” كاليفورنيا العريقة بالولايات المتحدة بكلية الهندسة. تخرج من نفس الكلية “نيل آرمسترونج” (أول إنسان يمشي على القمر) ورئيس ناسا الأسبق “شارلز بودن”. وعمل مرسي كأستاذ مساعد بجامعة ولاية كاليفورنيا في “نورث ريدج” قبل ان يعود لمصر في عام ١٩٨٦. ضحى دكتور مرسي بنجاحه المتميز في أمريكا وعاد لمصر، ليقدم ما تعلمه لأبناء بلده. وقد يختلف معه البعض أو يتفقون معه، وبعيدا عن المشهد العبثي للإعلام المأجور والسياسة الأراجوزية في مصر، هناك حقيقة أكيدة أن مرسي امتلك الشجاعة والنية الصادقة في العودة للبناء في أرض الوطن، شجاعة يفتقدها كل من وصلوا لما وصل إليه، وأثبت أنه الرئيس الأمين والعادل والمنصف والنزيه، وغير المرتبط بأي شكل مع أي جهة أجنبية أو معادية.

وسوم: العدد 829