مبارك على العرس الديمقراطي الذي شهدته تركيا

عذراً سيدي الرئيس رجب طيب أردوغان، عذراً مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم السيد بن علي يلدريم، عذراً مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض السيد أكرم إمام أوغلو، فأنا قادم من بلد لا يعترف بالديمقراطية كمنهج حياة للفرد والمجتمع، ولا بتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر والشفاف والنزيه، فديمقراطية بلدي سورية تقوم على نظرية (الأسد أو نحرق البلد، الأسد أو ندمر البلد)، فقد طويت احداثيات الديمقراطية التي عشنا خريفها الذابل في بلدي منذ العام 1963، عندما أفقنا على قرع طبول صاخبة، وبيانات عسكرية مرعبة، تصك الآذان وتزكم الأنوف، تعلن عن إمساك حزب البعث بمقاليد السلطة والحكم في دمشق، ولتدخل البلاد في فوضى خلاقة بين شد وجذب، أطرافها كلهم ينتمون لحزب البعث الحاكم، في عمليات تصفيات دامية بين الرفاق، إلى أن آل الأمر إلى وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي سلم مرتفعات الجولان للعدو الصهيوني دون دفع أو مدافعة، ليصبح عبر أبواق وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة "بطل الصمود والتصدي وقائد محور المقاومة"، ولتدخل البلاد في عصر ظلامي مرعب ومخيف، وليتحول مع الأيام إلى حكم طائفي بغيض، يقصي ويستأصل الآخرين في عمليات تصفية دموية ما عرفتها سورية في عهودها الحديثة أو الغابرة، إلى أن طوى الموت صفحة الأسد الكبير، ليحل مكانه الأسد الصغير ليفعل في سورية كل الذي نراه عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، موت يلاحق السوريين في بيوتهم ولا يستثني الأجنة في بطون أمهاتهم، وحكايات الألم والعذابات والجراحات تبكي الصخر لو كان لها عيون.

عذراً يا سادة ففي النفس الكثير مما يمكن أن أقصه أو أحكيه عن بلدي وجراحاته النازفة لنحو ثماني سنوات، ولكن عليًّ أن أقف باحترام، رافعاً القبعة تقديراً لتركيا ولشعبها المضياف الكريم، الذي احتضنني وساوى  بيني وبين كل مواطنيه في كل مناحي الحياة، تركيا العظيمة التي آمنت بحرية الإنسان وكرامته وإنسانيته، وارتقت بالإنسان التركي ونزعت عنه ثوب التخلف والعبودية لتجعل من إنسانها مواطناً حراً بكل المقاييس، له الحق في الاختيار بدون وصاية أو ضغوط أو إقصاء أو تقريب، وقد كانت انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول حدثاً يعلي من شأن الحزب الحاكم، الذي قبل بالنتائج بأريحية قل نظيرها حتى في الدول المتقدمة؛ والتي سبقت تركيا بسنين طويلة في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لتكون كلمة المواطن التركي الحكم الفصل في الاختيار والقرار، وقد أقر مرشح الحزب، رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلديريم بالهزيمة، ومهنئاً خصمه إمام أوغلو بالفوز، في حين كتب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على تويتر يقول: "أهنئ أكرم إمام أوغلو، الذي فاز في الانتخابات، بناء على النتائج الأولية".

ومن جهته أعلن أكرم أوغلو أنه مستعد للعمل مع أردوغان، قائلا: "سيدي الرئيس، أنا مستعد للعمل في انسجام معك".

وحول هذه النتائج ذهب بعض المحللين إلى ظهور انقسامات في صف حزب العدالة والتنمية، مشيرين إلى أنها قد تتفاقم بسبب هذه الخسارة، وذهب البعض إلى المغالاة في تحليل هذه النتائج، معتبرين أن هذه الانتخابات ستكون نهاية نهوض أردوغان السياسي المطرد على مدار ربع القرن الماضي.

وبكل موضوعية فإن هزيمة الحزب الحاكم في هذه الانتخابات وعلى أهميتها هي كبوة فارس، ما يلبث أن ينهض في اندفاعة أقوى إلى الأمام، مستفيداً من الأخطاء، وساعيا إلى استدراكها وتجاوزها بتصميم وإرادة، لا يقلان عن تمسكه بنهضة تركيا ورقي المواطن التركي، وهذا كل رصيده الذي حمله إلى الحكم وقيادة تركيا، التي جعل منها في سنوات قليلة إحدى الدول التي يشار لها بالبنان، ولتكون إحدى الدول العشرين الأهم في العالم، مكانة واقتصاداً ونموا.

مبارك لتركيا وللحزب الحاكم وكل الأحزاب المتحالفة معه أو المعارضة، على نجاح العرس الديمقراطي الذي شهدناه بالأمس، بفوز مرشح المعارضة بمنصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، حالمين بأن يتحقق لنا مثل ذلك في بلدي سورية، وقد دفعنا ضريبة باهظة الثمن لنيل الحرية والفوز بالكرامة؛ ولا نزال ندفع، حتى يحكم الله بيننا وبين نمرود الشام المتسلط علينا، بقوة حلفائه "مجرم الحرب بوتين، ومجرم الحرب خامنئي، ومجرم الحرب نصر اللات، وميليشيات الحقد الطائفية التي جندتها إيران الباغية وسلطتها علينا".

وسوم: العدد 830