الإخوان المسلمون في معارك فلسطين للدكتور مصطفى السباعي

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتبنيها لقضية فلسطين.. بدأ الناس جميعاً يكتشفون البعد الإسلامي لهذه القضية المقدسة.

نقول: أخذوا يكتشفون، وهذا يعني أن مشكلة فلسطين قضية إسلامية، عرف الناس ذلك أو لم يعرفوه، وقد جرب أصحاب القضية مختلف السبل والحلول، وما زالوا، فانسدت تلك السبل، وعقمت تلك الحلول: من إقليمية وقومية وبلشفية وعلمانية، ولم تفلح، ولن يفلح إلا البعد بل العمق الإسلامي لهذه القضية.. حلاً ومصيراً.

إن المتتبعين يعلمون أن صلة مسلمي إيران بقضية فلسطين تمتد جذورها إلى عام 1946م يوم حضر المجاهد الشهيد نواب صفوي (رئيس منظمة فدائيان إسلام) المؤتمر الإسلامي الشعبي المنعقد بالقدس قبل احتلالها، وبايع – مع ممثلي الهيئات والمنظمات الإسلامية- على تحرير الربوع المقدسة من رجس يهود، وكان في طليعة تلك المنظمات ممثلو جماعة (الإخوان المسلمين) في العالم العربي. وتدور الأيام، وتقع أحداث سنة 1948، ويخوض الإخوان المسلمين الحرب إلى جانب الجيوش العربية النظامية بمختلف تنظيماتهم (في مصر وسورية والأردن وفلسطين..) فكان لهم مواقف مشهودة، ومعارك مظفرة، كما كان لهم ضحايا وشهداء، قتلوا على أيدي يهود المعتدين، أو اعتقلوا بعد فرض الهدنة، ثم أعدموا علناً وفي غياهب السجون العربية.

ولما كان (الإخوان المسلمون) – في العالم العربي ودول المواجهة خاصة- هم طليعة التحرير الحقيقي لفلسطين المقدسة: فكراً وتنظيماً وعمقاً شعبياً، وأثبتوا جدارتهم الفذة في ساح القتال.. لم يكن مستغرباً أن تتجه المؤامرات الداخلية والخارجية لحربهم وتصفيتهم، تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية بالذات، فكانت محنة (الإخوان المسلمون) الأولى بمصر في الخمسينات، والثانية في الستينات، كما أنزلت محن أخرى بهم خارج مصر لاسيما (إخوان سورية).

ولم يكن من المصادفات أن يعتقل (الإخوان المسلمون) أو يضطهدوا قبيل كل حرب خاسرة مع إسرائيل. ففي سورية افتعلت السلطة فتنة مقال (إبراهيم خلاص) الذي استفز المشاعر الإسلامية، ثم زحت بمئات المسلمين في السجون عام 1967 وخسرت حرباً وجبهة الجولان الحصينة. وقس على ذلك تلك الحروب التي سميت زوراً انتصارات، وما هي إلا هزائم منكرة، مثل حرب 1973 (التحريكية).. وضياع 30 قرية سورية حدودية.

إن المراقبين السياسيين، والمهتمين بقضية فلسطين ليعلمون كل هذه الحقائق، حتى العدو اليهودي الذي قال بلسان وزير خارجية العدو – تعليقاً على نجاح الثورة الإسلامية بإيران-: "إن ما حدث في إيران زلزال ضخم، ستصلنا هزاته بعد حين".

هذا في عام 1979، وقد قال العدو اليهودي مثل هذا القول عام 1948 على لسان الكاتبة اليهودية (روث فاريف) العاملة في جريدة (الصنداي مبرور) البريطانية إذ قالت: "والآن – وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة- فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومنتيكي الجذاب- اسم الإخوان المسلمين".

وتضيف هذه الكاتبة اليهودية حرفياً: "... وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب، فإن أوربة ستشهد ما شهدت في العقد الماضي من القرن الحالي إذ واجهتها حركة فاشية نازية، فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي إفريقية إلى الباكستان، ومن تركيا إلى المحيط الهندي" (انظر كتاب الإخوان المسلمون في حرب فلسطين – ط2 – ص49).

وعلى كل حال فقد دون (الإخوان المسلمون) طرفاً من جهادهم مثل كتاب (الإخوان المسلمون في حرب فلسطين) الذي خصصه مؤلفه للحديث عن جهاد (إخوان) مصر، لأنه شهد تلك الوقائع والعمليات بنفسه، ثم طبع الكتاب عدة طبعات منذ صدوره.

كما سجل المرحوم الدكتور مصطفى السباعي مقالاً مستفيضاً في مجلته (حضارة الإسلام) عام 961/963 في العدد المزدوج /6و7/ تحت عنوان (الإخوان المسلمون في معارك.. فلسطين) خصصه للحديث عن دور التنظيم السوري للإخوان في حرب 1948 باعتباره رئيس التنظيم آنذاك، وقائد كتائب الإخوان على بطاح فلسطين المقدسة.. وسوف ننشر هذا المقال على حلقات متسلسلة في (النذير)، كما نصدره في كتيب خاص إن شاء الله تعالى.

الدكتور السباعي غني عن التعريف، فهو من مواليد مدينة حمص عام 1915 ومؤسس كلية الشريعة وعميدها وحامل شهادة دكتوراه بالشريعة الإسلامية، وأستاذ سابق في كلية الحقوق ونائب في المجلس النيابي التأسيسي الذي صاغ أول دستور سوري، وهو المجاهد الذي قارع الاستعمار الفرنسي في سورية والاستعمار الإنكليزي في مصر واليهودي في فلسطين.

من مؤلفاته: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي. المرأة بين الفقه والقانون. الدين والدولة.

تناول المرحوم السباعي في مقاله المذكور بدايات اهتمام الإخوان – أول هيئة شعبية- بالقضية الفلسطينية منذ أواسط الحرب العالمية الثانية 942/943 على أثر مقابلته للشيخ نمر الخطيب القادم من فلسطين وهو يحمل نذر الكارثة، ثم تحرك السباعي للعمل على الصعيد الرسمي (بتقديم المذكرات والاتصالات/ والصعيد الشعبي (بالمحاضرات والندوات العامة) فلما وقعت كارثة التقسيم 1948 خرج الإخوان من تعبئتهم العامة للشعب بتنظيم كتائب التطوع والقتال في فلسطين على الرغم من رفض الحكومات العربية والعراقيل التي وضعت أمامهم، واختار شباب الإخوان (تنظيم سورية) أن يكون تمركزهم في (القدس): أشرف المواقع وأصعبها، بعد تدريبهم على القتال في معسكرات (قطنا)، فخاضوا معارك القدس كلها: (محاصرة الحي اليهودي حتى إسقاطه، معركة القطمون، نسف الكنيس اليهودي، معركة القدس الكبرى إلى أن اضطروا للعودة إلى دمشق على أثر فرض الهدن، ثم أن يتسللوا خفية إلى القدس مرة ثانية واستشهاد العشرات.

هناك سطور لم تكتب عن جهادهم مع المنظمات الفدائية منذ 1965، ويكفي أن نشير الآن إلى المجاهد السوري الشهيد عبد الستار الزعيم الذي دوخ المستعمرات الإسرائيلية يومذاك.

وسوم: العدد 830