أيُّها الحالمون، أعطى مرسي السّكين لأعدائه ليذبَحوه، فلا تُعطوا أردوغان خنجراً فينتحر

في تركيا، ديمقراطية تتفوق على أيّة زريبة عربية، هذه حقيقة. والفضل في ذلك، بعد الله، يعود لحزب العدالة والتنمية، بما فيه أردوغان، هذه أيضاً حقيقة. لذلك، فكلّ شامت بأردوغان، متكئٍ على ديموقراطية هزمت حزبه ومرشحه في اسطنبول، إنَّما "يخصي نفسه لإغاظة زوجته". 

لم يكن أردوغان خيرَ مَنْ في تركيا عندما حكم، بل كان خيراً لها. واليوم، فأردوغان هو خيرُ من حكم تركيا الحديثة، لكنه لم يعد خيراً لها.

مثّل أردوغان مرحلة تركية زاهرة زاهية، لكن تركيا والإسلام السياسي يجب ألا تُختَزل في أردوغان.

أردوغان أعطى ما عنده، ولم يعد رجل المرحلة القادمة، فإن استمر في الحكم، ستكون الخسارة إسلامية، لا أردوغانية.

وكعادتنا، نحن الحماسيون العاطفيون المندفعون، وربما الغيورون، نحاول أن نبرر للقائد الفذ كل خطأ، بل ونسمي الخطأ صواباً أحياناً، فتكون النتيجة أن صنعنا آلهة. وبانفراط عِقد الآلهة، ينكسر الدين، ويضيع المعتقد، فتكون رقابنا ومبادؤنا ومستقبلنا مع أولادنا، قرابين على مذبح "التطبيل والتزمير".

لنا في رسولنا صلى الله عليه وَسَلَّم قدوة. لم تكن في أبي ذرّ ملكة القيادة، فلم يؤمّره على جيش ولا ولاية، رغم أنه كان أمة وحدَه، ﻭﻣﺎﺕ أمة وحده، وسيُبعثُ أمة وحدَه. وكذلك، قال يوم فتح مكة: مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، وليس لأبي سفيان سبق ولا فضل في الإسلام يومها، ولم يقل مَن دخل دار العباس بن عبد المطلب، فهو آمن، والعباس عمّه، عليه الصلاة والسلام. ﻭفي جيش زيد، كان من كان من كبار الصحابة، بينما زيد لم يبلغ العشرين.

هناك رجال مرحلة وقضية، وأردوغان منهم. أما المتألّهون ومُؤَلِّهيهم، فمصيرهم مزابل الأصنام ومكبّات نفايات العبودية.

الإسلام ونهجه باقيان، شاء من شاء، وأبَى من أبى. فلا حزب العدالة بدين، ولا أردوغان بنبيّ. لذلك فليس من الحصافة ولا من الدين تضخيم الشخص، ولا تزيين خطئه، فتكون النتيجة انتحار الزعيم، وضياع الرعية.

يجب أن يبقى نهج حزب العدالة، ولو غاب أردوغان، لأنه ليس حزب الأردوغانيين، كما لم يكن التحريريون نبهانيين، ولا الإخوان بنّائين، ولا التبليغيين ندويين. ولنترك البعث للعفلقيين، والإشتراكية للماركسيين، والحمير لأبي عبدو الجحش، والبغال للسيسي، والبقر لترمب.

الشهيد، بإذن الله، مرسي، لم يكن رجل دولة ولا زعيم مرحلة، فأعطى الخسيسي سكيناً ثلماءَ، ذبحه  بها. واليوم، وما أشبهه بالأمس، يحاول البعض إعطاء خنجر مسموم لأردوغان لينتحر، عن علم موغلٍ في الجهل، وعن جهل مكسوٍّ بقشور فهم. شاهدنا وسمعنا بعض الناعين وكثيراً من الناعقين، وكأننا نستنسخ عبيد الحكام الظالمين.

اسطنبول وأنقرة، وغيرها من كبريات المدن التركية، لم "تهتف" لأردوغان في الإنتخابات الأخيرة، بل "تراقصت" مع خصمه. ﻭفي ذلك عبرة يا مُدمني الألعاب.

نعم، اعترف أردوغان ويلدريم، بالهزيمة، وهنّآ منافسهما بالفوز، لكن لم يكن بوسعهما غير ذلك، لا أخلاقياً ولا قانونياً. وأيضاً، نعم، فقد أرسل المنتصر رسالة "بادرة حسن نية" لأردوغان، وهذه سياسة، ولكنه لم يكن مضطراً لذلك.

لو كنت ناصحاً لأردوغان، لقلت له: ترجّل كفارس. ولك في داوود أوغلو خلفٌ حسن. ودع عنك عبد الله غُل، فهو طبل أجوَف.

والله من وراء القصد

وسوم: العدد 831