من مذكرات رجل ميّت مؤقتا 2

clip_image002_b8386.jpg

 {لم يبقى من العمر سوى جرعة من كأس القضا... ثم يكون الرحيل الذي لاعودة بعده}

وقفت امام قبر أمي استرجعت تفاصيل ذاك المحيا وتضاريسه حيث كنت اقيم

في بسمتها و دمعتها ... وعميق رضاها بقدر الله تعالى.. بحلاوة الايمان الذي كان يبزغ فجرا على محياها وكتيمّم الصبح من ثغرها المسبّح للخالق لايفتر عن ذكره وحمده واستغفاره وشكره واحسان الظن به

لا أدري لم قفزت إلى مخيالي تلك اللحظة الفارقة للإعتقال الاول..

 من خمسة وعشرين سنة

ودعتني ببسمة مشرقة ودمعة دفينة لا تكاد ترى..أو تبين من محجريها

رحمك الله يا أماه وسلام عليك في الخالدين

2

في لحظة فارقة.. وجدتهم يقتحمون منزلنا.. لقد جاؤوا لإقتيادي إلى المجهول كان عناصر الدرك الملكي في وضعية الغضب... الممزوج بالحنق .. لحظتها اجتمع في قلبي حزنان عندما رأيت وجه امي يكاد يصبح كليمونة .من الهلع وزاد حزني عندما رأيت وجه قمر لفتاة كانت خطيبتي وقتذاك وبعينيها حزمة من دموع ... لحظتها كدت أن أضعف. وأخور ..لولا ابتسامة واثقة منهما معا اشرقت في لحظة فاصلة..

دنت مني قالت {كل اوراقك ستظل معي..انها في امان}

كان هاجسي الأكبر في حفلة الاعتقال القاسية مصير اوراقي وكتبي في مخفر الدرك الملكي عرفت انني سأظل ضيفا في اقبيتهم والتهمة نشر ديوان شعر

{{التجليات أشعار ضد الرصاص }}

رمضان 1993م

3

درس عظيم في اجلال الله وتعظيمه.. ساقه لنا الشيخ محمد الغزالي.. قال{{ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻣﺪﺭﺱ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻭﺃﻧﺎ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻ‌ﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ: ﺃﻋﺮﺏ "ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ"،

ﻓﻘﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ: ﺭﺃﻳﺖُ ﻓﻌﻞ ماض والتاء تاء الفاﻋﻞ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﻨﺼﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﻈﻴﻢ،

ﻭﺣﺪﺛﺖ ﺿﺠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ، ﻭﻧﻈﺮﺕ ﻣﺬﻋﻮﺭًا ﺇﻟﻰ ﺍﻷ‌ﺳﺘﺎﺫ، ﻓﺮﺃﻳﺖُ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺗﺬﺭﻓﺎﻥ ...

ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞُ ﻣﻦ أصحاب ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺨﺎﺷﻌﺔ، ﻭﻗﺪ ﻫﺰّﻩ ﺃﻧﻲ ﺍﻟﺘﺰﻣﺖ ﺍﻻ‌ﺣﺘﺮﺍﻡ ﻣﻊ ﻟﻔﻆ ﺍﻟﺠﻼ‌ﻟﺔ -ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮﻧﻲ- ﻓﻠﻢ ﺃﻗﻞ ﺇﻧﻪ ﻣﻔﻌﻮﻝ به ﺃﻭﻝ، ﻭﺩﻣﻌﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﺗﺄﺩُّبا ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ "}}

اين المتأدبون مع الله... العارفون بقدره... في زمن نطق فيه الرويبضات وتكلم الاقزام....

4

من أين أبدء

هذا هاجسي من زمن... فقدت القدرة على التركيز .. على حمل القلم على الكتابة على اقتراف فعل التفكير... لازلت كمن قيد بأسلاك من البلاستيك اشد سوءا وقهرا من كل قيد حديدي..

5

يا اخي وصاحبي بالجنب لاتقل انك في منجى عن شرر يتطاير من نيران الطغاة  وان لنت لهم شيئا كثيرا أو يسيرا...

خذلانك لمن هو في حاجة للنصرة  ميل للطغاة..

ومما نقل عن سعيد بن المسيب رحمه الله  في تبرؤه من الظالمين حيث

قال:{{{ "لا تملَئُوا أعينَكُم من أعوان الظلَمَةِ إلّا بإنكارٍ من قلوبِكُمْ لكي لا تُحبَطَ أعمَالكم الصَّالِحَةُ"}}

رحمه الله سعيدا..

 رحمه الله سعيدا.

6

قال {{ يا للألم.. ضاع هذا الدين بين الغلاة والجفاة...}}

 قلت {{ ان دين هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم باق ما بقي الليل والنهار

 لا تدفعنا  خيباتنا المتتاليات الى ان نفقد ولو شيئا قليلا من ثقتنا بالله ثم بهذا الدين}}

تأمل معي قوله جل وعلا{{ من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم.. يحبهم ويحبونه}}...

الوارثون  على الأبواب.. يصلحهم الله في يوم وليلة

7

تذكرة لمن ماتت قلوبهم وقد بنوا فيها جدارات عالية  قاسية...كالحجارة بل   أشد قسوة..

 جاء  في الحلية"عنﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺤﻮاﺭﻱ

 ﻗﻠﺖ ﻷﺑﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ: ﺇﻥ ﻓﻼﻧﺎ ﻭﻓﻼﻧﺎ ﻻ ﻳﻘﻌﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲﻗﺎﻝ: ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻌﻠﻨﺎ ﺃﺗﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﻗﻠﺒﻚ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻨﺎ ﺧﻴﺮ، ﻭﻟﻴﺲ ﻧﺤﺐ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ

8

أحيانا يعتريني إحساس باللاجدوى من الكتابة..

 منعطف { التجحيش } صار قويا جداا.. أرى كل ما حولنا أشبه بالأخدود

و كأننا ندخل في نفق ليس له نهاية

كأنه مكتوب علينا ان نبقى في هذا التيه قرنا آخر حتى نمتك زمام أمورنا

إن بقي لنا زمام

مشكلة الكاتب هي الكتابة الحرة.. وكيفية الوصول بالكلمةالى الشحن الكاملة أو الطاقة القصوى

وطالما ان الكلمات خاوية الرصيد بلا تعبئة فلاطائل منها

هناك عين تراقب ومتلصص يحصي الأنفاس وقانون كسيف مسرور سياف الرشيد

الآن فقط أتوقف

  انها لحظة استطلاع للأمل للحظة الفارقة...

9

إخوة قالوا .. و لكن

 في الرخاء

إن أصابتك البلايا

سوف تصلى .. بالجفاء

10

رحلت عن دنيانا يا اخي وصاحبي بالجنب ورفيق رحلة ملآى بالوجع.. وبقيت انا ذلك انه لايبقى في الحظائر الا شرار البقر

رحلت واهريق منك دمك القاني حتى علمت اليوم فقط برحيلك من عهد قريب

كيف لا اكتب عنك كلمات وانت انت..صاحب فرحي واحزاني.. ورفيق دربي

رحمك الله.. وغفر لك.. ورفع قدرك ...{{ الى الله في الخالدين}}

اذكرك وانت لازلت فتى تسعى لان تلتحق بقافلة الصالحين.. كنت لاتفوت مناسبة لزيارتي.. كان شغفك بهذا الطريق ملتهبا في ذروة عنفوانه... كم قلت لك بلسان مشفق يا اخي ان الرحلة شاقة ملأى بالقذى والأذى والدغل..}} كنت تبتسم تبتسم فقط

فيضيء منك الوجه بإشراقة عجيبة

كنت معي في ايام ومحن.. الى ان اعتقلت فلم يمكثوا الا قليلا وجاؤوا بك من وجدة.. لتلتحق بقافلة الأسرى.. كم تألمت لك عندما بلغني خبر اعتقالك وانك اعتقلت لصلتك بي وقربك مني

يومها تأملت مليا حديث نافخ الكير وصاحب المسك

أتراني يا اخي وانا ادلك على الطريق ذات يوم كنت نافخ كير ام صاحب مسك..؟؟؟

ان صاحب المسك اليوم انت.. وان لريح الشهيد لعبقا وشذى تجد ريحه من مسيرة كذا وكذا

ذات يوم التقينا في ساحة السجن عانقتني بحب وجدتك صابرا.. نعم العبد.. لربه.. في السراء والضراء

ظللت في مدرسة يوسف سنتين ثم تخرجت منها ..فانقطعت عني اخبارك

بعد زمن وانا في اخر ايام السجن وصلتني منك رسالة تحمل مشاعر الطهر التي تعلو عندما تكون لله تعالى

انقطعت اخبارك عني فقد خرجت من سجن صغير لسجن اكبر بكل حمولات القهر ولم البث ان عدت اليه... لكنك اخترت ان ترحل بعيدا تطلب الذي كنت ترجو

ومن محنة لمحنة والجمر بين ايدينا... ظللت اذكرك .. فقد كنت يا اخي من القلة التي ظلت شاخصة في الحس والذاكرة

اليوم فقط علمت انك رحلت الرحيل الاخير

كم كنت ارجو ان اكون في مجلس العزاء الذي اقيم لك ارد قليلا من العرفان بالجميل والوفاءلاخ احببته في الله كما احبني فيه

رحلت يا اخي.. وبقيت انا نعم ذلك ان الحظائر لا يبقى فيها الا شرار البقر

تحجرت الدموع بمحجري وحشى نزيف الدم لي احشائي

لازالت الدموع متحجرة كالصخر لاتتزحزح

مثلك ايها الغريب لاتبكيه عين.. ولا قلب

فقد نلت الذي كنت ترجو بعد رحلة لا اشك انها كانت رائعة حتى النهاية التي افسحت لك الطريق لتحط رحالك في الجنة باذن الله تعالى

أخي{{ حسن... }} لله انت في بداياتك ونهاياتك.. لله انت في ارادتك وعزمتك لله انت

رحمك الله

رحمك الله

رحمك الله

وسوم: العدد 832