لا يحسّن أن تظل خلافاتنا في السياسات المستحقة معلقة

حين أطرح بعض القضايا العامة المهمة من قضايانا الأساسية ويختلف علي في تقديرها رجال ثقات من الذين يعتد الإنسان  بعقلهم وحسن تقديرهم ؛ لا يصعب عليًّ تقبل هذا الخلاف بل يحفزني أكثر لإعادة التأمل والتفكير وتقليب الأمر على وجوهه لإدراك الراجح من وجه الحق فيه .

الذي يصعب عليّ ويزيد من قلقي وتوجسي هو السؤال : لماذا لم نحسم مثل هذه القضايا على أهميتها بتفكير جمعي كل قضية في إطارها دينية أو سياسية أو اجتماعية ؟! ولماذا لم نحسم القول فيها بشكل مسبق وقد فُرضت علينا  منذ بضع سنين ؟!

حين كتبت ما كتبت منذ أيام عن تحبيذي بقاء غير المضطر للهجرة من وطننا سورية في سورية ، جاءتني اعتراضات وجيهة من أشخاص اعتد باعتراضهم ، وإذا كنّا جميعا في حال الباحثين عن الحق والحقيقة فلماذا لم نبادر إلى حسم القول فيها أو ترجيحه وذاك هو المهم الأكبر .

أفتى بعض العلماء في مرحلة ما منذ عقود بأنه يجب على الإخوة الفلسطينيين أن يغادروا فلسطين التاريخية وان لا يعيشوا في دار الكفر ، حسب تعبيره ، في ظل الكيان الصهيوني !! وكانت الفتوى موضع رفض واستهجان عند جمهور العلماء من المسلمين..

ومع أنني أعتبر أن  مصطلح دار إسلام ودار كفر  من المصطلحات الفقهية التاريخية التي تجاوزها العصر بمعطيات جديدةً ؛ أعود فأسأل : ما هو حكم هجرة السوريين الذين يعيشون تحت سطوة بشار الأسد ؟! بل ما هو حكم بقاء السوريين في أرضهم وديارهم تحت سطوة بشار الأسد ؟ والسؤالان متلازمان والجواب عليهما واحد .

فهل الهجرة من سورية الأسيرة واجبة ، كما كانت الهجرة من مكة إلى المدينة ؟!

رغم انه بقي في مكة مؤمنون لم يهاجروا وفيهم نزل قوله تعالى ( وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ ..)

ونزل ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ) فأثبت الإيمان وأسقط حق النصرة .

والسؤال الأكثر استراتيجية اليوم  أيهما أقوى لسورية أن يبقى فيها رجال صالحون ونساء صالحات ،  أو أن تفرغ من كل هؤلاء ؟! ولمصلحة من سيكون هذا أليس لمصلحة مشروع المجتمع المتجانس الذي يعمل عليه بشار  الأسد ؟!

أيهما أقوى لسورية أن يبقى في مساجدها أئمة يصلون بالناس بوضوء، ويفتونهم بالحق في أمر دينهم وعباداتهم  أو يكون أئمتهم ممن يصلون بالناس يحدثهم الأكبر كما يفعل شبيحة الأسد ؟!.

أسئلة كثيرة تفرض نفسها على عقولنا وقلوبنا ونحن نتابع أحيانا الضجيج المفتعل حول مصالح ومفاسد لا يريد البعض أن يستبين وجه الحق في مقاربتها .

ودائما أقول لا بد لكلمة الحق من حامل . ولا بد لحامل الكتاب أن يأخذه بقوة..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 833