التغريدة

فأبى عليّ إلا أن أكتفي منها بهذا المقدار:

وَإِذَا الشُّمُوسُ تَرَحَّلَتْ

وإلا لم ينشرها! ولو كنت حاولت ذلك منذ ثلاثة أعوام لأبى عليّ إلا أن أكتفي بهذا المقدار:

سَمِعَتْ بِمَكْرِ خَوَاطِرِي خَطَرَاتِي فَدَعَتْ كَوَاذِبَهَا إِلَى عَثَرَاتِي

مَا أَضْيَقَ الرُّؤْيَا الْفَسِيحَةَ وَالْقُوَى الْغَضْبَى ال

لقد نشأ هذا البرنامج عام 2006 الميلادي، ليستوعب الخواطر الطارئة، ولم يقبل أن تزيد الخاطرة الواحدة على 140 حرف، والفصلة الترقيمية عنده بمنزلة الحرف، وكذلك الشكلة على الحرف، ومسافة الفراغ بين الكلمتين؛ فإذا شُكلت حروف الخاطرة العربية كلها كما سبق وجب الاستغناء عن نصف المقدار المتاح!

ثم عام 2016 خاف القائمون على البرنامج عزوف الناس عنه؛ فأغروهم بتحديثات كثيرة تزيد من نشاطهم التواصلي، كانت منها مضاعفة المساحة المتاحة لتصير 280 حرف، على نظام الزيادات الرقمية عموما، المبني على التشقيق والمضاعفة، ولم يكن أَثَرُ ما تعوّده الناس في عشرة أعوام ليزول بأَثَر ما جرّبوه في ثلاثة؛ فظلَّ بعضهم يكتفي بحروف أقرب إلى 140 منها إلى 280!

لقد صار برنامج "تويتر"، أحد أكثر برامج التواصل الاجتماعي استعمالا في العالم، واحتشدت فيه خواطر الناس حتى صارت تُعدّ في الثانية الواحدة بعشرات الآلاف، واتسعت كلمة "تَغْرِيدة" المصطلح بها على الخاطرة التي يتيح البرنامجُ للناس "تَغْرِيدَها" (كتابتَها على فضائه)، لتشمل ما أشبهها -وإن لم يكتب على هذا الفضاء- فتميز بها نمط من النصوص القصيرة، استحق أن يسلِّط عليه الدكتور علي الفارسي تلميذنا الباحث العُماني النجيب الواعد، مبادئ تصنيف النصوص وَظيفيًّا وسِياقيًّا وإِجرائيًّا، التي تبناها "فولفجانج هاينه من" و"ديتر فيهفيجر"، في كتابهما المهم "مدخل إلى علم اللغة النصي"، الذي ترجمه الدكتور فالح العجمي أستاذه الجليل وصديقنا الجميل، ليصل في مقاله الطريف "أنماط النص: قراءة في إشكالية التصنيف (التغريدة نموذجا)"، إلى أنه "لا ينبغي أن نصنف التغريدة على أساس نمطي معين منفردًا، كذلك نلاحظ تداخل هذه الأنماط معًا بشكل يصعب فصل التغريدات بعضها عن بعض بوضوح، كذلك لا يكون التصنيف على أساس نظري، بل لا بد من التجريب على كم من التغريدات، والفيصل في ذلك عنصر "التغليب"، ولعل حدود حجم النص وانعدام الاشتراك في سياق المحيط المكاني والزمني، هما المدخل إلى تصنيف التغريدة".

لم يتح البرنامجُ "التَّغْرِيد" بالعربية إلا في مارس من عام 2012، وهو العام الذي شاركتُ به فيه من أواخره، ولكن بعد أن سبقني إليه من أوائله "مُغَرِّدُون" كثيرون ولاسيما في الخليج العربي -فقد كنا في مصر وما زلنا أَمْيَلَ في تواصلنا الاجتماعي إلى برنامج "فيسبوك"، منا إلى برنامج "تويتر"- حتى نَجَمَتْ نُجومُ كتاب لولا برنامج "تويتر" ما نَجَمَتْ، فدُعي بذلك إلى جامعة السلطان قابوس أوائل هذا العام (24/2/2019)، علي عكور (@alakOOrali)، الشاب السعودي ذو الأربعمئة والاثني عشر ألف (12400) تغريدة والثمانمئة والأربعة والعشرين ألف متابع (24800)، الذي وجدت الشباب يتناقلون تغريداته معلقين عليها أو مكتفين بالإعجاب بها، فرأيت أن أنظر فيها.

وسوم: العدد 835