قراءةٌ في تداعيات التصعيد العسكري الأخير على إدلب

يبدو أنّ التصعيد العسكريّ الأخير على إدلب، لن يكون كأيّ تصعيد آخر سبقه؛ نظرًا لما رافقه من هالة إعلامية، و لما عوَّلت عليه روسيا من مكاسب ميدانية، و لما نتج عنه من انكشاف غير متوقّع لمقاتلي الفصائل في شمال حماة.

و لولا التدخّل التركيّ الحاسم، في حمل هيئة تحرير الشام، على السماح للفصائل التي لجأت إلى منطقتي عفرين و غصن الزيتون، عقب تسع جولات من الاقتتال البينيّ معها؛ لكانت الأمور قد أخذت مسالك أخرى، ربما جعلت أجزاءً كبيرة من المنطقة تؤول إلى عهدة النظام، وصولاً إلى الطرق الدولية: M4، M5.

صحيحٌ أنّ هذه الحملة التي امتدّت على مدى تسعين يومًا، كانت نتائجها هزيلة لدى المخطط الروسي، و لكنها في المقابل أتت على كثير من الأرواح و المقدرات في الجانبين، و جعلت الأطراف المنخرطة في الملف السوري ترضى و لو بالحدود الدنيا، ممثلة بوقف هش لإطلاق النار، برهنت عليه المسارعة في الإعلان عن القبول به منها جميعها، ولاسيّما المحلية منها، بغض النظر عن الحملة الإعلامية التي كيلت للأطراف المشاركة في أستانا 13، و عن حملات التراشق التي عادة ما تتبادلها الفصائل فيما بينها عندما يحين استحقاق سياسي من نوع ما.

إنّ الأطراف المحلية في الملف السوري، لتدرك بالتساوي أنّ التفاهمات الروسية ـ التركية، حول الملف السوريّ قد تجاوزها النقاش، و هي تحظى برضا دولي، و أمريكيّ على وجه الخصوص، و لن تسمح كلتا الدولتين بالتشويش عليها، بعدما أصبحت صفقة S400 في طور التنفيذ.

و إنّها لتدرك أيضًا أنّ ثمة أثمانٍ سياسية، ستضطر جهات لدفعها على المديين: المتوسط، و البعيد، و على وجه الخصوص: النظام بشخص الرئيس الأسد، و هيئة تحرير الشام بشخص الشيخ أبي محمد الجولاني؛ إذْ من المعلوم بداهة أنّه عقب أية تحرّكات لم تحقق أهدافها، يكون هناك استحقاقات أليمة تطال شخوصًا بعينها، يُشار إليها بالتعنت و عرقلة الحلول، على غرار ما كان للرئيس مبارك، و علي صالح، و حتى بن عليّ، و من بعده البشير، و بو تفليقة، و محمد ولد عبد العزيز.

و ما استئناف حملة التصعيد العسكري على إدلب ثانية يوم الاثنين: 5/ 8 الجاري، إلاّ نوع من الهروب من الاستحقاق المترتب على الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، و هو الأمر الذي لا يريد النظام مجرد التفكير فيه، مثلما هي الحال مع المؤتمر الصحفي للشيخ أبي محمد الجولاني، الذي أخذ يهيّأ نفسه لمرحلة قادمة، تتطلّب منه الابتعاد عن موقع الصدارة في الهيئة أو إدلب.

و ليس أمر التسريبات عن خلافة الشيخ حسن صوفان له، بغض النظر عن الشكل الذي ستظهر فيه الهيئة، إلاّ نوع من تقبّل أمرٍ لا مفرّ منه بالنسبة لتركيا، كنتيجة من نتائج تفاهماتها مع روسيا، و كبرهان على سيرها في تطبيق بنود أستانا، يوضع على طاولة القمة الثلاثية المرتقبة في استنبول، لقادة هذا الاتفاق.

إنّ النظام، كما المعارضة، كما قادة الفصائل المسلحة؛ ليدركون و يعلمون أنّ إدلب بداية مرحلة، و ليست ختام مرحلة تغيرت فيها المعطيات الميدانية نوعًا لصالح أحد الأطراف، و من غير المسموح إحداث خرقٍ آخر لصالحٍ أيّ منهم بعد الآن.

و إلاّ فإنّ سيل صواريخ الغراد التي تأتي إلى جبهة حماة، يمكن أن تصوّب نحو حلب، التي لا يفصل أحياءها عن خطوط التماس سوى مئات قليلة من الأمتار، و هو أمر تدرك إيران خطورته، بحكم أن حلب قد باتت تحت يدها إلى حدٍّ ما، مثلما لا تمانع فيه روسيا بعد جملة المواجهات التي كانت مع مليشيات إيران مؤخرًا، مثلما تدرك قيادة الهيئة أنّ الإرادة التركية لا يثنيها شيء عن المضي في اِلتزاماتها تجاه روسيا في إدلب، إذا ما قُدِّم لها من الضمانات ما يكفي لطمأنتها بتبادل الثقة بينها و بين شريكيها في أستانا.

وسوم: العدد 836