عصا الشيخ

بدأت حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة على يد شيخ "صعيدي" لا يعرف إلا العصا. وعندما بلغت العاشرة كنت أُضرب على الصلاة أحيانا، وأُجبر عليها في المسجد خمس مرات كل يوم، بما فيها صلاة الفجر في برد الشتاء، وكان من المعتاد أن يدفعني العجائز إلى أطراف الصفوف وآخرها.

كان درس حلقة تحفيظ القرآن يتعارض يوميا مع موعد برامج الأطفال على القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة، فكنت لا أشاهد أفلام الكرتون إلا في العطلات.

في سن المراهقة كانت كل مظاهر الاضطهاد والتنفير متوفرة في المسجد، وحتى عندما وصلت إلى سن الجامعة وما بعدها تعرضت لمواقف صدامية عدة مع بعض العجائز المتقاعدين الذين ينظرون شزرا لكل شاب يقترب من حماهم ويخالف قواعدهم السلوكية في المساجد التي يعتبرونها ملكية خاصة.

النتيجة المتوقعة طبعا هي أني هربت من المسجد بعد أول عصا.. ولكن تخيلوا أني لم أكره الإسلام يوماً، ولم يخطر ببالي -حتى وأنا طفل- أن الإسلام والشيخ والمصلين والمجتمع كلهم شيء واحد، مع أني كنت شديد الحساسية وسريع الغضب.

هذا الكلام ليس مبررا لمواصلة الممارسات السيئة تجاه الأطفال في المساجد، فالتربية التي تلقيتها لم تكن مثالية ولا ينبغي أن أثني عليها بالمجمل. ولكن الأسوأ منها هو طغيان ثقافة التساهل في هذا العصر العجيب، وتحول مواقع التواصل (التي يسيطر عليها الشباب) إلى ساحة لتبرير كل أخطائهم، وإلى درجة إقناع الآخرين بأن #الإلحاد نفسه صار مبررا إذا كان الفتى قد تعرض لموقف تافه في أحد المساجد قبل عشر سنوات!

الأحمق سيجد ألف مبرر ليقنع نفسه الضعيفة بما يوافق هواه، أما العاقل فيخرج بعد كل تجربة سيئة أكثر وعيا وصلابة. فالحياة أصلا امتحان.

وسوم: العدد 836