الاستبداد واجهة الاستعمار

في مستهلّ هذا القرن؛ بدأت الشعوب العربية تتحرّر شيئًا فشيئًا من الاستعمار المباشر، وبدأت تحتفل الدول العربية تباعًا بجلاء المستعمر عن أراضيها!

ولكن هل تحرّرت الشعوب من الاستعمار حقا؟ أم بقيت تحت ظلّه من خلال وكلائه وأجنداته؟!!!

مختصر القول: إن الاستبداد والاستعمار في خندق واحد؛ والدليل على ذلك ما يحصل هذه الأيام! فرأينا كيف تخنّدق المستبدون والمستعمرون في خندق واحد للقضاء على ثورات الربيع العربي؛ تحت شعار محاربة التطرف والإرهاب؟!!

هناك خطة ينفّذها المستبدّون في البلدان العربية بكلّ إتقان وهي: السعي الدؤوب لتفجير الصراع القومي، والمذهبي، والطائفي، والعرقي في كل بلد عربي، وهي جزء من مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تحدثت عنه “كونداليزا رايس” وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة.

فبدأ الصراع في العراق، ثم انتقل إلى سورية، ولبنان، واليمن، وليبيا، والبحرين… وغيرها.

ولن يقف عند هذا الحدّ، ولن يكتف بهذه الدول!!!

ولن ننسَ دور نظام الملالي في تنفيذ هذا المخطط الخبيث! حيث استولى على أربع عواصم عربية هي الأبرز والأقوى والأعرق خلال التاريخ القريب والبعيد، والحبل على الجرار… كل ذلك بمباركة غربية!!

لم نقرأ في التاريخ القريب ولا البعيد أن الأنظمة الحاكمة تنسق مع الأعداء ضدّ شعوبها!!! كما هو حاصل في طول الوطن العربي وعرضه دون خجل أو حياء!! بل يفتخرون بعمالتهم!!!

ولذلك فإن طريق الشعوب لنيل حريتها وكرامتها وحقوقها لا يكون إلا من خلال محاربة هؤلاء العملاء والخونة أولا؛ فلا نهضة ولا استقرار ولا كرامة إلا بأسقاطهم جميعًا. بل بإسقاط كل المؤسسات، والشخصيات، والرموز التي كانت تساهم في بقائهم وتشرعن لهم استبدادهم وظلمهم وبغيهم…

فهؤلاء الإعلاميون والمثقفون والدجالون… الذين يساندون المستبدين ويدعمونهم ويشرعنون لهم ظلمهم وبغيهم…؛ إرضاء لهم وتزلفًا لديهم وطمعا فيما عندهم!!! فهم في خندق واحد معهم.

وأخبث هذه المخلوقات البشرية وأسوأهم طوية أولئك: “الكهنة” وقل إن شئت “علماء البلاط” أو “وعاظ السلاطين” الذين يقلبون الباطل حقًا، والحق باطلا فيزينون لهم الباطل، وينشرون ثقافة الزيف والخداع… همّهم الوحيد تحقيق الأجر والحظوة عن أسيادهم مثلما كان يفعل سحرة فرعون قبل أن يؤمنوا!! إذ كان همّهم الأكبر هو تحصيل الأجر، والقرب من السلطان. (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113الأعراف

فأولئك هم: (عَبَدَ الطاغوت) حسب التسمية القرءانية. قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) المائدة

فمن أمثال هؤلاء ولن أجد حرجا أو غضاضة من تسميتهم بأعيانهم ك (يحيى ابو زكريا، وعبد الجليل سعيد، وأحمد بدر الدين حسون، ومحمد حسان عوض، وتوفيق البوطي…) وأشياعهم في بلادي كثير.

وأما الصنف الآخر وهم: الساكتون عن الحق، المتخاذلون عن نصرة إخوانهم ولو بمجرّد الكلام، وهم يرون الأشلاء والدماء!!!

الأزمات بالذات خير ما يعرفك بالذات، إما أن تكون مع المظلوم، وإما أن تكون مع الظالم، وأما الحياد فهو أنانية وخذلان وعار…

فهؤلاء الانتهازيين الانهزاميين الجبناء… وما أكثرهم يجب أن يحجموا، وبخاصّة بعدما افتضح أمرهم، وكشفت سوءتهم، وظهرت عورتهم…

وهنا يأتي دور المفكر يبن بطلان مسلكهم، وسوء عاقبة السالكين به، ويعمل على تعريتهم أمام الجميع، ثم يجلّي الحقائق، ويعرّف الناس بالحق وأصحابه ليلتفوا حوله وينضموا تحت لوائه.

عند ذلك تتحقق سنة الله في إظهار الحق وأهله وإزهاق الباطل والمبطلين. قال تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) الإسراء.

وأريد أن أنبه على فئة تدّعي الرهبنة في مثل هذه الظروف، ولكنها تحقق مصالحها وتنتظر أيّة فرصة فتقفز إلى المقدمة لتحقيقها!!! وفي الثورة السورية كثير من هذه الأشكال، غيرهم يقدّم التضحيات وهم يقبضون الثمن! فمتى يأخذ أصحاب المبادئ دورهم في تحجيم هؤلاء الانتهازيين “تجار الحروب”؟!

وثَمّة فئة أخرى، كلامهم رماديّ لا لون، ولا طعم، ولا رائحة له، يمسكون العصا من الوسط ينتظرون رجحان الكفة لأحد الطرفين. قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ!

ولأجل تغيير هذه الثقافة نحتاج إلى إحياء منهج: “سيد قطب، والمودودي، ومحمد قطب، والنورسي، والسباعي، والندوي، والغزالي” رحمهم الله، فهؤلاء الذين واجهوا ثقافة الباطل في القرن العشرين بكل جرأة! وساهموا إلى حدّ بعيد في إحداث هذه الصحوة المباركة.

وتبقى إزالة الاستبداد أولى الأولويات، لأن سلامة البناء الداخلي، هو البداية الحقيقة في كل تغيير منشود وفق الآية القرآنية: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد.11.

وسوم: العدد 838