لقد اجتمعت الأكلة علينا

لقد اجتمعت الأكلة علينا من كل حدب وصوب "هندوس وسيخ وبوذيين ومجوس وفرس وصليبيين وعلوج وروافض وعبريين، ومتصهينين عرب"، الكل يريد أن ينهش من أجسادنا، والكل يعمل على استئصالنا وتغيير معتقدنا، واحتلال أرضنا وتهجيرنا وتقاسم ثرواتنا، وصدق ذنب الكلب وهو الكذوب بقوله: "إن هناك مؤامرة كونية على سورية"، نعم هناك مؤامرة كونية على سورية، التي انطلقت من عاصمتها دمشق الأموية الفتوحات شرقاً وغرباً وغيرت وجه العالم في نحو ربع قرن، حيث تم القضاء على أكبر امبراطوريتين عرفهما التاريخ في حينه "امبراطورية فارس وإمبراطورية الرومان".

لقد صنع أجدادنا أعظم حضارة إنسانية في التاريخ، وجاء هؤلاء المتجردون من أي معالم للإنسانية، والمنسلخون عن كل معاني الوفاء والقيم والأخلاق، يريدون أن يعيدونا إلى ما قبل التاريخ، وقد دمروا مدننا وبلداتنا وقرانا وبنيتها التحتية، من أماكن عبادة ودور ثقافة ومدارس وجامعات ومستشفيات، وحاصرونا ومنعوا عنا الماء والغذاء والدواء، وصبوا علينا حمم الكيماوي، جزاء ما قدمناه لهم من علم ومعرفة، وانعتاق من الظلمة إلى النور، وذنبنا أننا طالبنا حكامنا الساديين الطغاة بالحرية والكرامة.

ولابد لنا ونحن نعيش حمأة هذا الظلم الذي يصبه الشرق والغرب علينا كمسلمين سنة؛ أن نسمي الأمور بمسمياتها بكل صراحة ووضوح، ونبدأ بالقوى الكبرى ذات اليد الطولى والإمكانيات الكبرى وما تملكه من ترسانة عسكرية مدمرة تستعملها في بقر أحشاء نسائنا وأطفالنا وذرارينا وتحرق وتدمر كل ما في البلاد من حجر وشجر وحيوان وبشر.

وفي مقدمة هؤلاء البغاة والظلمة والمجرمين أمريكا البروتستانتية وأوروبا الكاثوليكية وروسيا الأرثوذكسية وإيران المجوسية والدولة العبرية اليهودية والمتصهينين العرب، وكل هؤلاء يريدون استئصال المسلمين السنة، ويعملون مجتمعين علناً فوق الطاولة أو من تحتها ضد الإسلام السُني بكل ضراوة وبلا هوادة.

إن الغرب والشرق - رغم ما يطبع علاقاتهما أحيانا من خلافات وتباينات - هم على قلب رجل واحد في محاربة المسلمين السنة.

المدير السابق لوكالة المخابرات الأميركية جيمس وولسي صرح بما يشير لتبني مثل هذه المخططات والقناعات، حيث أكد عام 2013 - في مؤتمر "هيرتزيليا" الذي يعقد سنويا في الدولة العبرية-أنه: "لا توجد أي ذرة شك في أن الغرب عليه العمل على إفلاس وإضعاف جميع المسلمين لكي يربح الحرب العالمية الثالثة".

ولعل مقولات "هنري كيسنجر" وزير خارجية أمريكا السابق ومهندس اتفاقية "كامب ديفيد" و"اتفاق أوسلو" تؤكد على ذلك بقوله: "‘السُّنة السياسية؛ تمثل خطراً كبيراً يجب أن نعمل على تقليص مداه".

فهل فعلاً سيحقق الشرق أو الغرب من وراء هذه الحروب مصلحة خاصة به؟ وماذا سيستفيد من فتح حروب دائمة ومواجهات مع أكثر من مليار ونصف مليار مسلم سُني يغطون الكرة الأرضية، ولا تكاد تخلوا بقعة في العالم من تواجدهم.

صحيح أن الدولة العبرية هي المستفيد الأول من مثل هذه الحروب، ولكن الصحيح أيضاً أن إيران حصدت مغانم كبيرة من هذه الحروب، وتمكنت من بسط نفوذها على أربع عواصم عربية "بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء".

ولو ذهبنا بعيداً في عمق التفكير الإسرائيلي ما بعد ثورات الربيع العربي، نراها هي من يحدد المسارات وتحصد الثمار بسبب حالة الفوضى الحالية التي نتجت عن فشل الثورات في عدة بلدان. وما اهتمام الغرب وروسيا بالمنطقة؛ والعمل على احتواء الأنظمة والنفط ببعديهما السُني والشيعي، وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالاستسلام، يؤكد على النوايا الشريرة لهذه القوى.

ومن المؤكد أن هناك تفاهمات بين الغرب وروسيا وإيران وإسرائيل تقوم على رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، يكفل للجميع مكاسب لكل طرف من هذه الأطراف يتساوى مع حجمه على الأرض السورية، هدفه النهائي تفكيك العالم الإسلامي السني، ولعل ما يحدث الآن على الحدود الهندية الباكستانية بعد إلغاء الهند لقانون منح كشمير نوعاً من الحكم الذاتي، بعض ما يهدف إليه هذا التحالف الغير معلن عنه بين دول الشر والبغي (الدولة العبرية وإيران وروسيا وأمريكا).  

ومن المؤسف أن دولة المملكة العربية السعودية التي كانت تتزعم، بحكم تواجد المقدسات الإسلامية على أرضها، تتزعم العالم الإسلامي السني، من المؤسف أنها لم تدرك أن الغرب -وعلى رأسه أمريكا- يعمل على إضعاف السُنة خدمة لنفسه وللدولة العبرية، وخدمة لإيران، وبذلك تثبت السعودية والمتحالفين معها من دول الخليج أنها لا تملك رؤية استراتيجية خاصة بها، ولا اقتصادا حقيقيا، فهي تفتقر إلى آليات قيادة العالم الإسلامي، وأكثر الدول الإسلامية والعربية تدرك ذلك.

وعلى العكس فإن الاستراتيجية الإيرانية قد استخدمت كل أساليب الذكاء والدهاء والرياء والتقية والمال ضمن دوائر حلفائها (النظام السوري وحزب الله والقوى الشيعية الأخرى في العراق واليمن وعدد كبير من الخلايا النائمة في دول الخليج)، وساعدها أن المسلمين السُّنة متفرقون ويكيد بعضهم لبعض، وليست لديهم أي خطط استراتيجية دفاعية مناسبة، وإنما تُسجل لهم فقط مجرد مواقف وبيانات شجب واستنكار، ولعل ما يحدث في اليمن الدليل الصارخ للحال التي آلت إليه السعودية، وقد ينتظرها الأسوأ إن لم تتدارك أمرها، وتعيد النظر في علاقاتها الإقليمية والعالمية بما يكفل لها بقاءها وديمومة وجودها وحضورها الفعال.

فإذا ما فعلت ذلك السعودية، وتمكنت من تحقيق تحالف إسلامي إقليمي ودولي، تهابه الدول الأخرى وتحسب له ألف حساب، عندها قد يتحقق ما قاله بعض منصفي علماء الغرب أمثال "ألكسيس دو توكفيل" و"أرنولد توينبي" و"شيشرون"، الذين يؤكدون أن "مؤامرات الغرب ستؤول إلى الفشل لأن المجتمعات السُّنية تمتلك عوامل بقائها وضمان عودتها لأزمان المجد والانتصار".

وسوم: العدد 839