"اللجوء الإنساني" ومشاريع التهجير، الجماعي للاجئين الفلسطينيين

1/2

تقديم

تتغير وسائل الحروب باختلاف أجيالها، ويشكل عامل السيطرة على المجتمعات وهدمها من الداخل احدى اهم هذه الوسائل من خلال استبدال قيم ومفاهيم متوارثة بأخرى مستحدثة. وتلعب ثورة الاتصال والمعلوماتية دورا هاما في الترويج لمثل هذه المفاهيم، بحيث تنقلب المسلمات والثوابت لتتحول الى نقيضها، فتصبح الثورة على العدو لغة خشبية لا تتفق ومنطق العصر، ويتحول الجلاد والمجرم الى حليف، ومحو ادلة قانونية والعبث بساحة الجريمة تصبح بطولة، وعمليات التهجير الجماعي تغدو خشبة الخلاص، بعد ان كانت حتى وقت قريب خطوطا حمراء لا يجوز اللعب بها بل كانت جزءا من مشروع مشبوه، خاصة اذا ما اقترنت مثل هذه السياسات مع حروب عسكرية وامنية وضغوط اقتصادية واجتماعية عادة ما تنتج تيارات وفئات اجتماعية تربط مستقبلها بهذه السياسة، وقد تتحول الى تيارات فاعلة وكبيرة اذا لم يحسن المجتمع وتياراته المختلفة كيفية التعاطي معها..

يعتمد هذا النوع من الحروب على إذكاء وتظهير التناقضات الهامشية في المجتمع لصالح صراعات عبثية بين فئات معينة من المجتمع واحيانا بين المجتمع والدولة (التيارات السياسية)، فيتم التركيز على بعض الكفاءات لزرعها بين الفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا من أجل تحريضها ليل نهار وتسليحها بشعارات ومطالب تكون في الغالب صحيحة ومتبناة من قبل كل فئات الشعب، بينما استراتيجية التغيير النهائي تبقى بيد الاطراف الرئيسية التي ترسم وتخطط وتمول، فيما تبقى لها الكلمة الفصل في طريقة واسلوب وساعة "التغيير". لذلك، فان هدفها الاساسي هو اشعار افراد المجتمع انهم مكشوفون سياسيا واقتصاديا وان لا مستقبل لهم، وهذا ما يقود بدوره الى تهيئة الارضية لإستقبال اي مشروع سياسي وتقديمه بإعتباره حلا لازمات المجتمع، مقرونا بمعطيات تفصيلية عن الظواهر السلبية التي يشكو منها المجتمع..

ان الهدف النهائي لهذا الشكل من الحروب هو الوصول بالمجتمع الى حالة من اليأس والاحباط لاضعاف ثقته بنفسه وجعل الروح الفردية تتغلب وتتقدم على الروح الجماعية وهو ما يبعث برسالة سلبية ترفع منسوب الخوف والتشكيك في كل شيء. حصل مثل هذا الامر في المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وفي دول اخرى. لكن شتان ما بين مجتمعات محصنة وطنيا يجمعها اهداف مشتركة وتعمل على تحقيقها في ظل قيادة التحمت بشعبها لتقوده الى بر الامان، وبين مجتمعات تفتقد الى الحد الادنى من الحصانة والمنعة الداخلية التي تمكنها من مواجهة المشاريع الخارجية، وهو ما يعرف فلسطينيا بمصطلح " الوحدة الوطنية".

في علم السياسة تعبير يختصر الكثير من الظواهر من حولنا وهو "لا مكان للصدفة"، وكل حدث، مهما كان صغيرا فله تفسيره ومحركه وله تداعياته وانعكاساته على اطراف اللعبة السياسية والمجتمع برمته. فكل خاسر ومهزوم يقابله رابح ومنتصر، واذا كان ما هو متفق عليه ان لا مكان للعواطف في اطار السياسة، فالاولى ان لا مكان لحسن النوايا، وكل تفصيل، مهما كان بسيطا ومتواضعا فيمكن ان نجد له تفسيرا منطقيا من فعل هذا او ذاك..

مثل هذا المنطق قد نصادفه ونتلمسه في ادق تفاصيل عملنا اليومي كفلسطينيين. وبمقدار ما يتمتع مجتمعنا بصلابة داخلية، بمقدار ما تنكفأ الظواهر والتدخلات الخارجية، والعكس صحيح.. فقوة المجتمعات تكمن اولا في تماسكها الداخلي والتفافها حول هدف وطني يكون محل اجماع او توافق عام والاستعداد من اجل تحقيقه بشكل جماعي.. واذا كانت البنى المؤسساتية هي الضامن لتوحيد الجهد المجتمعي، فان الاستنتاج السابق يصبح اكثر صحة في مجتمعات ودول تفتقر الى الديمقراطية والمؤسساتية وتتحكم بها النزعات القبلية والعشائرية والمذهبية وغير ذلك من صيغ تجد مسارها في الفراغ السياسي والاجتماعي الناتج عن هشاشة هذه المجتمعات وبناها المختلفة..

مناسبة الاستفاضة في هذا التقديم هو بعض الظواهر الغريبة التي لم يعتد عليها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية عبر تاريخها، خاصة الجزء المقيم منه في لبنان، وربما غيره، والتي تتمثل بدعوات صريحة وعلنية الى التهجير الجماعي وجدت اصداءها لدى عدد كبير من الافراد الذين يرزحون تحت وطأة اوضاع اقتصادية صعبة وقاتلة، نجحت اطراف وتيارات تتقن اساليب الخداع والتضليل من استخدام هذا الواقع الصعب لتلعب على وتر الوجع الحقيقي لبعض الفئات الاجتماعية المهمشة والجاهزة لاستقبال دعاية محمولة بمعطيات بيانية وتفصيلية عن الواقع الصعب الذي تعيشه هذه الفئات وعن الوضع الذي وصلت اليه القضية الفلسطينية بشكل عام.

فبعضهم يحدثك عن الواقع السياسي الصعب لجهة ازدياد حدة الانقسام وما سببه من غياب المرجعية الوطنية وانعكاس ذلك على كل التجمعات الفلسطينية، وبعضهم الآخر يشير الى تجاهل القيادة الفلسطينية لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين الذين اصبحوا مكشوفين تتقاذفهم رياح العنصرية والصراعات الاقليمية، وثالثهم يتحدث عن صعوبة الاوضاع الاقتصادية وعجز الحالة السياسية بجميع مكوناتها، منظمة تحرير وسلطة فلسطينية وفصائل ولجان شعبية ومؤسسات، عن تقديم النموذج الامثل في طريقة ادارة العلاقات الداخلية، بحيث كلما ازدادت المخاطر على القضية الفلسطينية كلما ازدادت الاوضاع الداخلية انقساما وشرذمة، ورابعهم يتحدث عن مضايقات هنا وسياسات من هذه الدولة او تلك تفتقد الى الحد الادنى من التعامل الاخوي والانساني.. كل هذه العناوين تعتبر بنظر البعض اسبابا كافية لترك ساحات النضال والهروب الى منافي الارض البعيدة، رغم ان كثيرين من اصحاب هذا الرأي، بل ربما الاغلبية الساحقة منهم، لا يحبذون هذا النوع من الحلول الفردية ويعلمون مخاطرها كما يعلمون جيدا تداعيات هذا المسار بانعكاساته السلبية على القضية الفلسطينية برمتها..

اوضاع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين منهم في لبنان والمهجرين القادمين من سوريا الصعبة ليست بالشئ الجديد، وقد سبق للعديد من المؤسسات ان دقت ناقوس خطر قبل بضع سنوات داعية الهيئات والمرجعيات المعنية بسرعة التحرك، الا ان احدا لم يحرك ساكنا لمعالجة عشرات المعضلات التي تعيشها الكثير من العائلات. ففي دراسة اطلقتها الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع وكالة الغوث حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان والمهجرين من سوريا عام 2015 ونشرت على موقع وكالة الغوث الالكتروني جاء ان معدلات الفقر المدقع لدى اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بلغت 3.1%، فيما بلغت نسبة معدلات الفقر العام  65%. ولعل الاخطر في هذا الجانب اشارة الدراسة الى ان فئة الشباب كانت أكثر الفئات تأثرا بالفقر لدى اللاجئين إذ يرزح 74% من المراهقين تحت خط الفقر، في حين يعيش 5% منهم في فقر مدقع. اما بالنسبة للمهجرين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى لبنان فقد بلغت نسبة من يعيش منهم في فقر مدقع 9.2% وأن 89.1% منهم هم من الفقراء. وهي ارقام مخيفة وذات دلالات وكانت تؤشر الى ان الواقع الاقتصادي للفلسطينيين في لبنان مقبل على انفجار حتمي.

كما اشارت الدراسة الى ان 38% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتمتعون بالأمن الغذائي وان 38% يعانون من انعدام الأمن الغذائي المتوسط و24% من انعدام الأمن الغذائي الحاد. فيما بلغت نسبة الذين يتمتعون بالامن الغذائي بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا 6%، ويعاني 63% منهم من انعدام الامن الغذائي الحاد. ويخضع اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا إلى لبنان لقيود قانونية وقيود على حركة تنقلهم، ويعتبر وصولهم إلى سوق العمل أمرا غير آمن وان تمكن بعضهم من ايجاد فرصة عمل فهو يخضع لظروف عمل استغلالية.

لا نقلل من خطورة الاوضاع الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان سواء كانوا من اللاجئين او من المهجرين من سوريا، حيث تعاني هذه الفئة من اوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة وتتطلب بالحد الادنى حالة طوارئ جدية من قبل جميع المرجعيات السياسية والخدماتية المعنية خاصة منظمة التحرير الفلسطينية ووكالة الغوث ومؤسسات الدولة اللبنانية ومؤسسات المجتمع المدني.. ولا ينفع هنا رمي المسؤولية وتقاذفها بين هذه المرجعية او تلك، فالمسؤوليات واضحة وكل مرجعية تتحمل مسؤولية بدرجة او اخرى والجميع معني بايجاد المعالجات الصحيحة التي توقف حالة النزف الوطني التي تشهدها المخيمات في لبنان.

(1)

التهجير الجماعي واستهداف حق العودة

يتردد على السنة البعض، عن حسن او سوء نية، ان الهجرة امرا عاديا تشهده كل دول العالم، وتعقيدات الحياة تفرض هذا النوع من الهجرات التي عادة ما تحركها الدوافع الاقتصادية بحثا عن الامن والامان الاجتماعي والاقتصادي. مثل هذا الكلام قد يكون صحيحا في جانب منه، لكن في الحالة الفلسطينية فالمقارنة ليست في مكانها وتتعدى حدود الجوانب الاقتصادية والانسانية لأكثر من سبب:

اولا: اذا كانت الهجرة في الحالات العادية تفرضها طبيعة الحياة، فان واقعها مختلف عن الحالة الفلسطينية. فالاولى هي هجرة طوعية فردية من بلد ودولة ونظام سياسي موجود، وبامكان طالب الهجرة ان يعود اليه ساعة يشاء، بينما في الحالة الفلسطينية فالمطروح هو تهجير جماعي يرغم عليه اللاجئ الفلسطيني نتيجة ضغوط سياسية واقتصادية ومفتعلة من اطراف سياسية ومن كيانات لها مصلحة فعلية في تهجير الشعب الفلسطيني.. والتهجير الجماعي هنا، ووفقا للتوصيفات القانونية، هو جريمة بعرف القوانين المحلية والدولية يفترض ان يحاسب كل من عمل وشجع عليه..

ثانيا: في الهجرة العادية قد يحتفظ طالب الهجرة بجنسيته الاصلية الى جانب الجنسية المكتسبة. وحتى لو تخلى عن جنسيته فهناك دول تعمل على ربط مواطنيها ببلدها الام من خلال استعادة جنسيتهم الاصلية. بينما في الحالة الفلسطينة فالامر مختلف تماما، والمطروح هو مقايضة الامن والامان الاقتصادي مقابل تنازل طالب الهجرة واللجوء الفلسطيني عن الحقوق الوطنية خاصة حق العودة وفقدان صفته كلاجئ..

ثالثا: ان الحقوق الوطنية الفلسطينية هي حقوق جماعية وليست فردية فقط ولا يمكن لشخص او مجموعة اشخاص ان تقرر مصير الشعب كله، لذلك يقال مثلا ان حق العودة هو فردي فقط لارتباطه بحقوق مدنية كالمواطنة والاملاك وغير ذلك، لكنه ايضا حق جماعي لارتباطه ايضا بحق تقرير المصير لكل الشعب في اطار ارض ودولة..

ويمكن القول ان هجرات فلسطينية كثيرة حصلت في سنوات سابقة ومنذ ما قبل النكبة. فكان التهجير الاكبر ذلك الذي حدث عام 1948، وزاد عدد الذين اجبروا على الهجرة نتيجة عمليات الارهاب الصهيوني عن ثلاثة ارباع المليون. وخلال كل الحروب التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في مختلف اماكن تواجده، كانت تحصل عمليات هجرة وتهجير شأننا في ذلك شأن كل الشعوب التي تعيد رسم حياتها من جديد نتيجة هذه الحروب. لكن هذه الهجرات بقيت في الحدود المقبولة والمعقولة، بحيث لم تشكل، بنظر الكثيرين، ظاهرة تستحق النقاش الجدي في خلفياتها ومسبباتها.. بينما الفارق اليوم هو ان الهجرة تحولت من ظاهرة فردية يمكن ان تحدث في اي مجتمع، الى ظاهرة جماعية تهدد بافراغ التجمعات والمخيمات الفلسطينية من لاجئيها.. وهنا نطرح التساؤل حول النتيجة التي يمكن ان نصل اليها على المستوى الوطني، اذا ما استفحلت ظاهرة التهجير بشكل اكبر..

في فلسطين كان التهجير يحدث بشكل مدروس من قبل اسرائيل، حيث تعمدت تهجير الفلسطينيين من الطوائف المسيحية، والاسلامية ايضا، بغية القضاء على صيغة التعايش التي كانت ولا زالت موجودة في فلسطين ولتبرير وجودها كدولة دينية في المنطقة.. وايضا في محاولة لتفريغ فلسطين من مكوناتها الحضارية وتنوعها والغاء ظاهرة التعدد السياسي والثقافي والحضاري. وهو امر يتكرر اليوم في الكثير من البلدان العربية لجهة تهجير الطوائف المسيحية والاقليات الطائفية والعرقية..

لكن الهجرات الجماعية، بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، والتي اخذت ابعادا سياسية باسبابها، كانت خلال فترات الحرب الاهلية اللبنانية. وقد يندر ان يتعرض شعب في العالم الى مسلسل لا ينتهي من القهر والمعاناة، بحيث ما ان يخرج من حرب الا ويزّج بغيرها، ولما يخرج من تهجير الا ويجد تهجيرا آخرا بانتظاره. فمن النكبة الكبرى عام 1948.. الى الحرب الاهلية اللبنانية بدءا من نهاية الخمسينات وصولا الى منتصف السبعينات وانفجار الحرب بشكلها الاكثر بشاعة.. الى الاجتياح الاسرائيلي للبنان عامي 1978 و 1982 .. الى مجزرة صبرا وشاتيلا.. الى حرب المخيمات عام 1986 فتدمير مخيم نهر البارد، الى حروب غزه المتعددة والمتكررة، الى الحرب التي شنت على سوريا وما ولدته من تدمير للمخيمات الفلسطينية وتهجير سكانها، الى عشرات القصص التي يمكن ان تشكل كل واحدة منها نكبة شخصية بالنسبة لأصحابها..

اما اليوم فلا يمكن مناقشة ظاهرة التهجير الجماعي الا في اطار المشروع السياسي الذي تطرحه الادارة الامريكية واسرائيل والمعروف اصطلاحا بـ "صفقة القرن"، حيث تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من اهم المرتكزات التي يستند عليها هذا المشروع. ورغم المخاطر الكبيرة التي تعرضت لها قضية اللاجئين منذ التوقيع على اتفاقية اوسلو التي فتحت الباب واسعا لطرح العديد من المشاريع والسيناريوهات التي كان قاسمها المشترك التنازل عن حق العودة والغاء وكالة الغوث باعتبارها احدى المرتكزات الاساسية لحق العودة، فان كل هذه المشاريع ظلت مجرد افكار معلقة، ولم يتوفر لها ظروف دولية وفلسطينية لطرحها كمشاريع سياسية باجراءات تنفيذية تحدث اختراقات معينة. اما المشروع الامريكي الراهن فهو يكاد يتجاوز في مخاطره كل ما طرح سابقا لجهة بدء الاجراءات العملية لتطبيقه ومحاولة فرضه واقعا على الارض، ما يجعله مشروعا مختلفا عما سبقه من مشاريع. ويمكن التعرف على بعض من هذه المخاطر من خلال استعراض المساعي المبذولة من قبل الادارة الامريكية واسرائيل لتصفية حق العودة والغاء المكانة القانونية للاجئين سواء عبر استهداف وكالة الغوث او غير ذلك من عناوين:

- سعى الادارة الامريكية، بشكل مباشر، الى إلغاء صفة اللاجىء عن أبناء الجيل الثاني والثالث من اللاجئين الفلسطينيين والتحريض الدائم على تهجير العدد الاكبر من اللاجئين من مناطق عمليات الوكالة الخمسة (الاردن، لبنان، سوريا، الضفة الغربية وقطاع غزه)..

- تفعل قانون قديم سبق لمجلس النواب الأمريكي ان اصدره عام 2013 تحت عنوان "تعديل تمويل المساعدات الخارجية لعام 2013"، حيث الزم هذا القانون وزارة الخارجية بالتدقيق في اعداد اللاجئين الفلسطينيين لمعرفة من منهم يستحق المساعدات من قبل وكالة الغوث ثم شطب الذين لا يستحقون هذه المساعدة. انطلاقا من ذلك، يمكن فهم خلفيات الاصرار الامريكي على اعطاء تعريف جديد للاجيء بحصر اللاجئين في اطار من هجر منهم من فلسطين عام 1948، واسقاط صفة اللجوء عن ابناءهم واحفادهم.

- الاكثار من الحديث عن تسييس الاونروا وتحرك بعض ملفات الفساد واطلاق حملة شعواء من مراكز بحثية واعلامية، تحت شعار "حيادية المنظمات الدولية"، وصولا الى تسييس المساعدات، ما يفتح الباب امام امكانية المس بالتفويض الممنوح لوكالة الغوث..

- دعوة رئيس وزراء العدو بنيامين نتن ياهو الى حل وكالة الغوث وتحويل قضايا اللاجئين الفلسطينيين الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لأن وجود الوكالة وانشطتها، من وجهة نظره، يساهمان في تخليد مشكلة اللاجئين.. وفي هذا الاطار من المفيد الاشارة نصا الى هذا التصريح الذي ورد بالتفصيل في صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 8 كانون الثاني 2018، وفيه رؤية واضحة وعلنية لكيفية تطبيق الرؤية الامريكية الاسرائيلية بشأن قضية اللاجئين، وهو برسم كل من يعمل ويشارك في دعوات نقل ملفات اللاجئين من وكالة الغوث الى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

يقول نتنياهو: "الأونروا منظمة تخلد قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتخلد كذلك رواية ما يسمى حق العودة. لذا فيجب على الأونروا أن تتلاشى وتزول. إنها عبارة عن هيئة تم إنشاؤها منفردة قبل 70 عاماً فقط لصالح اللاجئين الفلسطينيين، وذلك على الرغم من وجود المفوضية السامية للأمم المتحدة المعنية بمعالجة قضايا بقية اللاجئين، مما يخلق بطبيعة الحال ذلك الوضع الهزلي، حيث تعالج الأونروا أبناء أحفاد اللاجئين الذين هم أنفسهم ليسوا بلاجئين. إنني قدمت اقتراحاً بسيطاً مفاده تحويل أموال الدعم المنقولة حالياً للأونروا إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك تدريجياً وبشروط ومعايير واضحة، بغية دعم اللاجئين الحقيقيين، بدلاً من اللاجئين الصوريين الوهميين كما يحدث اليوم لدى الأونروا".

رغم وضوح هذا الموقف بمضامينه ومفرداته ومصلحاته التي لا تحتاج الى تفسير، الا ان هناك من لا زال يناقش ويجادل بأن موقفه وتحركه الداعي الى نقل التفويض من الاونروا الى المفوضية انما هو بخلفية انسانية وانه سيبقى متمسكا بحق العودة، او انه يهرب الى نقاش مكرر حول اوضاع الفصائل والحالة السياسية الفلسطينية، وكأن واقع الشرذمة الذي تعيشه كل الحالة الفصائلية والرسمية يبرر الاقدام على خطوات تتناقض في ادق تفاصيلها مع الموقف الوطني العام وتصب بالنهاية، شاء البعض ام لم يشأ، في خانة الاطراف التي تدعو وتعمل على افراغ حق العودة من اي مضمون فعلي.

(2)

التهجير بقوالب "اللجوء الانساني"

انطلاقا مما سبق، هل يمكن تبديل ونقل الحماية السياسية او غيرها من منظمة دولية الى اخرى؟ ليست هناك من نماذج شبيهة يمكن الاستشهاد بها، لكن العامل الحاسم هو ان مسألة الحماية وانتقالها من منظمة الى اخرى امر يتعلق بطبيعة التفويض الممنوح لهذه المنظمات والصلاحيات التي تتحرك في اطارها. وفي الحالة الفلسطينية فان التفويض المتعلق بوكالة الغوث محصور في اطار الخدمات التي تقدمها وهو ما يصطلح على تسميته بـ "الحماية الاجتماعية" التي تختلف عن الحماية السياسية التي هي صلب عمل ومحور صلاحيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

ان مطالبة البعض من مؤيدي التهجير الجماعي بنقل ملفاتهم من منظمة وكالة الغوث الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مسألة خطرة ويجب التوقف عندها ليس لأنه كلاما فارغا لا يعني شيئا من الناحية القانونية، وليس لأن هذا المقترح او المشروع المقترح يتخطى صلاحيات المنظمتين (الاونروا والمفوضية)، بل لأن هكذا طروحات تعتبر مسا مباشرا ليس بصلاحيات وتفويض وكالة الغوث بل وبالمكانات القانونية والسياسية لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة. وحتى لو سلمنا بامكانيات انتقال التفويض من منظمة دولية لاخرى، فان هذا يتوقف على الكثير من الامور التي تحتاج الى توضيح:

اولا: ان التفويض هو حق من حقوق الطرف او الجهة التي منحته (الجمعية العامة للامم المتحدة)، وهو ليس خاضعا لاجتهاد من هنا وهناك، ومن اراد تغيير هذا التفويض فعليه الذهاب الى الجمعية العامة كما سبق للكثير من مسؤولي الامم المتحدة والاونروا وان اكدوا عليه في اكثر من مرة في ردهم على دعوات الرئيس الامريكي ورئيس وزراء العدو حول هذه المسألة.

ثانيا: ان مسألة نقل التفويض، في حالات اللجوء العامة،  تتعلق بحالات فردية. ولو سلمنا جدلا ان هذا الامر يمكن ان يندرج في اطار حرية التعبير والاختيار الطوعي والحر للاجئين، فان ذلك يتطلب موافقة اغلبية اللاجئين الذين يزيد عددهم عن 6 ملايين نسمة. ومن غير المنطقي ان اعدادا بسيطة تعد بالعشرات او حتى المئات يمكن ان تفرض رأيها على ملايين اللاجئين الذين يصرون على ان الحل الجذري لقضيتهم هو بعودتهم وليس بطرح مقترحات ومشاريع تهجيرية تستجيب لرؤى وافكار اسرائيلية وامريكية.

ثالثا: ان نقل ملفات وكالة الغوث الى المفوضية العليا تعني مسا وتجاهلا لقرارات دولية عدة وفي مقدمتها القرارين 194 و 3236. والاهم من ذلك ان ارشيف اللاجئين الفلسطينيين وملفات العائلات الفلسطينية الموجودة لدى الاونروا والتي تزيد عن 17 مليون وثيقة تعود لاكثر من نصف مليون عائلة فلسطينية لاجئة من ضمنها بطاقات اعاشة ووثائق ولادة وغيرها هي ملك الشعب الفلسطيني، وليس من حق افراد هنا وهناك ان يعبثوا بهذا الارث الوطني الكبير تحت شعارات تتخفى بعناوين الحرية والديمقراطية.

ان بعض التحركات التي جرت سابقا امام السفارة الكندية في بيروت، ركزت على مسألة "اللجوء الانساني"، انطلاقا من صعوبة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والمهجرون من سوريا والتي تعتبر، بنظر الكثيرين، سببا مباشرا لطرح افكار ورؤى سياسية، يعتقد اصحابها ان بها الحل، حتى لو كانت تشكل مسا خطيرا بحق وطني عام وحتى لو كان اصحاب هذه الافكار يدركون ان اطرافا سياسية محلية ودولية تخطط وتشرف وتضع الاستراتيجيات والسيناريوهات المختلفة لتحركاتهم، اقتناعا منهم بأن اوضاعهم الاقتصادية تشكل سببا كافيا يمكن للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ان تقبله كي توافق على منحهم "حق اللجوء الانساني" رغم ان العدد الاكبر من المشاركين في هذه التحركات لا يعرفون معنى "اللجوء الانساني" وخلفياته، وايضا لا يعلمون تداعياته على المستوى الوطني الفلسطيني..

فاذا كانت الاوضاع الاقتصادية الصعبة تشكل سببا كافيا كي تتجاوب المفوضية مع طروحات التهجير تحت شعارات "اللجوء الانساني" لكانت اولويتها واجندتها مختلفة، وهي حكما كانت ستتصدى لمشكلات ملايين البشر حول العالم الذين يعانون اوضاعا اقتصادية وسياسية اسوأ بكثير من اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والمهجرين النازحين من سوريا، اضافة الى ان مهمة اخراج الملايين من براثن الفقر هي ليست مهمة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بل مهمة منظمات ومؤسسات دولية اخرى تعنى بهذا الامر كمنظمات العمل والصحة الدولية وغيرها..

ان الاهم من كل ما ذكر ان قضية اللاجئين الفلسطينيين ليست قضية انسانية حتى يتم اقتصار حلها في مصطلح "اللجوء الانساني"، بل هي قضية سياسية مكتملة الاركان والعناصر، سواء رضي البعض بذلك ام لم يرض، وبالتالي فان حلها يجب ان يكون سياسيا مستندا الى حق اللاجئين الطبيعي بأرضهم في فلسطين والى عشرات القرارات الدولية. ووكالة الغوث تعتبر عاملا مساعدا ومؤقتا، ووجودها مرهون بانهاء السبب الذي انشأت من اجله وهو عودة جميع اللاجئين وفقا لنص القرار 194.

وطالما ان مصطلح "اللجوء الانساني" قد دخل قاموس القضية الفلسطينية، من زاويته السلبية التي تشكل تناقضا مع الحقوق الوطنية الفلسطينية، فمن المفيد التعرف على هذا المصطلح من الزاوية القانونية وتوضيح ابعادة كي لا يقع البعض ضحية سماسرة التهجير والقوى الدولية التي تسعى بشكل يومي للمس والعبث بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

فالهجرة عملية ارادية تحدث نتيجة الخيار الطوعي والحر لطالبها، وهي عملية انتقال الفرد من بلده الى بلدان اخرى طلبا لحياة افضل ما يلبث ان يحصل على جنسية هذه الدولة، وهذا النوع من الهجرة موجود لدى جميع المجتمعات خاصة الفقيرة منها وهو امر يمكن وصفه بالطبيعي، وهي تحدث نتيجة اسباب اقتصادية كالبحث عن مكان افضل للعيش او نتيحة اسباب طبيعية كالكوارث كالبراكين والزلازل او التلوث البيئي، اما التهجير الجماعي فهو يحدث بالاكراه والقوة نتيجة اسباب خارجة عن ارادة الافراد الذين يقبلون بالهجرة مرغمين اما نتيجة حروب عسكرية او صراعات طائفية وعرقية او بخلق اوضاع اقتصادية - سياسية غاية في الصعوبة يعجز خلالها الفرد على تحمل نتائجها فيصبح التهجير مطلبا، او عبر ممارسات حكومية او شعبية ضد اقليات معينة او نتيجة عمليات تطهير عرقي بهدف طرد جماعي للسكان لاحلال جماعات بشرية مكانهم، وهذا النوع من التهجير هو الذي حدث عام 1948 وما بعد نتيجة عمليات الارهاب والقتل والمجازر التي ارتكبت من قبل العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ونتح عنها تهجير ما يزيد عن ثلاثة ارباع المليون من الفلسطينيين اصحاب الارض الحقيقيين.

اما مصطلح اللجوء وان كان يتقاطع في بعض اسبابه مع التهجير الجماعي، الا ان هذا النوع قد يكون مؤقتا وينتهي بانتهاء السبب، اي حرب عسكرية ثم تنتهي باتفاق، او صراع طوائف تنتهي بتقاسم سلطة او احتلال ارض ينتهي بانسحاب المحتل، وغير ذلك من الاسباب التي يشكل انتهاءها سببا كافيا لانتهاء حالة اللجوء بكل تفاصيلها.. او قد يكون لجوءا سياسيا لافراد لا يشعرون بالامان على حياتهم في بلدانهم نتيجة آرائهم السياسية او معتقداتهم الدينية، وهذا النوع من اللجوء له قوانينه الخاصة التي يتعين على طالبه الالتزام بها وهو لجوء خارج عن سياق نقاشنا..

************************************

"اللجوء الإنساني" ومشاريع التهجير

الجماعي للاجئين الفلسطينيين (2/2)

(3)

"اللجوء الانساني" ومدى انطباقه على اللاجئين الفلسطينيين

اللجوء الانساني الذي يكثر استخدامه هذه الايام من قبل البعض، ليس جديدا، بل هو واحد من انواع اللجوء التي تعتمد عليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وفقا للتفويض الممنوح لها بنص اتفاقية عام 1951.. لكن هل يمكن للمفوضية، وانطلاقا من ولايتها، ان تتعاطى مع جميع حالات اللجوء؟

سبب التساؤل يعود الى الخلفية القانونية المحكمة التي تعتمد عليها الاطراف المعادية لحق العودة في طرح برامجها ومشاريعها بهدف تحقيق اختراق ومس في احد اهم اضلع حق العودة، وقد وردت تفاصيل هذا السيناريو، وبعد ذلك دعوات صريحة وعلنية، في تسجيل صوتي لاحد الاشخاص الذين شاركوا في تحرك امام السفارة الكندية في بيروت حيث قال ما حرفيته، وهو كلام يعكس بدقة ما يخطط له: "التقينا بأحد مسؤولي السفارة الكندية ورفضوا التجاوب مع مطلبنا بقبول طلبات "اللجوء الانساني" فطلبوا منا اولا نقل سجلاتنا من وكالة الغوث الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" حتى تتمكن السفارة من التدخل. وهنا تكمن الخطورة فيما يحدث، رغم ان هذا المسار، فيما لو تم اعتماده فعلا، فهو غير قانوني ويتحايل على العديد من المواثيق والاعراف الدولية بل حتى على اتفاقية عام 1951.  لكن قبل نقاش مسألة نقل الملفات، والمقصود بذلك الحماية، وطبيعة العلاقة بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ووكالة الغوث، فمن المفيد الاشارة بشكل مختصر ماذا يعني مصطلح "اللجوء الانساني" وما هي مدلولاته.

"اللجوء الانساني" في شكله البسيط "هو ان تمنح دولة ما الامن والامان لاحد الاشخاص وتوفر له الحماية من خطر ما". وحتى تمنح الدولة حمايتها لهذا الشخص فلا بد من توافر بعض الشروط اهمها:

1) ان اللجوء الانساني لا يمنح الا لحالات فردية تدرس كل واحدة منها بظروفها واسبابها على حده، وهو لا يمنح لحالات جماعية والا تحول الامر الى تهجير جماعي وتعديا على سيادة الدول التي لها وحدها حق حماية جميع مواطنيها.. وهذا ما يحصل بالنسبة لبعض اللاجئين الفلسطينيين الذين يرفعون هذا الشعار، عن سوء او حسن نية، وهم غير مدركين لماهية هذا المفهوم.

2) ان يكون طالب اللجوء قد وصل حدود الدولة التي يطلب اللجوء فيها، اي لا يمكن طلب "اللجوء الانساني" من خارج حدود هذه الدولة. وبالتالي فان قبول اي سفارة او بعثة دبلوماسية لطلبات لجوء انساني من قبل لاجئين فلسطينيين تحت عنوان "اللجوء الانساني" انما يشكل مخالفة للقانون الدولي ولنصوص اتفاقية اللاجئين التي تحدد عمل المفوضية السامية، ولا يمكن تفسير هذا الامر الا باعتباره جزءا من عملية سياسية بقوالب انسانية وتسعى الى تحقيق اهداف سياسية تخدم اطرافا ودولا بعينها وتحديدا اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية اللتين اعلنتا صراحة نيتهما تصفية قضية اللاجئين بعيدا عن نصوص القرارات الدولية وعبر دعوة دول العالم لفتح ابوابها لاستقبال لاجئين فلسطينيين..

3) ان يكون طالب اللجوء الانساني قد تعرض لحالات انسانية معينة تستوجب منحه "اللجوء الانساني" ومنها على سبيل المثال ان يثبت انه معرض لتهديدات بالقتل او بالسجن خارج اطار القانون او ملاحقته بسبب آرائه وانتماءاته السياسية..

لقد مثلت الحروب في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها سببا كافيا لقبول العديد من دول اوروبا وكندا والولايات المتحدة واستراليا طلبات لجوء انساني، وفتحت امام الملايين عبر العالم من طالبي "اللجوء الانساني" نافذة انسانية قبلت بموجبها طلبات لجوئهم، لكن هناك اعتقاد خاطئ من مواطني دول ومن لاجئين (فلسطينيين تحديدا) بامكانية تقديم وقبول طلباتهم "للجوء الانساني" الى تلك الدول، وهو ما يؤكد حقيقتين:

الاولى هي ان اطراف دولية تستغل اللاجئين الفلسطينيين من زاوية التركيز على سوء اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لاحداث شرخ داخل مجتمع اللاجئين بحيث تتحول المشكلة من صراع فلسطيني اسرائيلي الى صراع فلسطيني فلسطيني وهو ما يقود الى تصدع في الموقف الوطني العام المتمسك بحق العودة..

الثانية ان جميع حالات اللجوء، مهما كانت تصنيفاتها واشكالها، فهي اولا واخيرا امر يتحدد استنادا الى مصالح الدول ووفقا لسياساتها الخارجية التي تضعها بالاستناد لاحتياحاتها الاقتصادية، وبالتالي فان العامل الانساني هو آخر ما تفكر به هذه الدول التي يعتبر الكثير منها من داعمي ومؤيدي اسرائيل بل ويمدونها بكل عوامل البقاء والاستمرار ما يجعل شعارات "اللجوء الانساني" اسما بلا مضمون الا من زاوية استخداماته السياسية.

واذا كان طالب اللجوء السياسي يستهدف الحصول على ثلاثة مزايا هي: الحماية، اللجوء والعيش، فان طالب "اللجوء الانساني" يسعى للحصول على ميزتين فقط هما: اللجوء والعيش بلا حماية. وهناك فارق بين الحالتين ولكل منهما سلبياته على طالب اللجوء خاصة في حالة اللاجئين الفلسطينيين التي لا تتشابه مع اي من حالات اللجوء الاخرى التي تتحدث عنها العديد من الوثائق الدولية لكون تلك الوثائق تفترض ان طالب اللجوء الانساني لديه دولة يمكن ان يعود اليها اذا ما انتهت الاسباب التي دفعته لطلب اللجوء، اما في الحالة الفلسطينية فان طالب اللجوء يستهدف الحصول على جنسية تلك الدولة، لكن ليس بشكل مجاني، بل مقابل رفع صفة اللجوء عنه. ومن هذه النقطة بالظبط يسعى البعض من اعداء الحقوق الفلسطينية، خاصة حق العودة، الذين يخططون ويشرفون ويمولون، الى ايجاد رابط ما بين التفويض الممنوح لمفوضية الامم المتحدة للاجئين وذلك التفويض الممنوح لوكالة الغوث.

(4)

وكالة الغوث ومفوضية اللاجئين

تختلف وكالة الغوث في تعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)  في تعاطيها مع لاجئي العالم. ففي حين يتحدد تكليف (تفويض) الأونروا (UNRWA) بتنفيذ برامج الإغاثة والتشغيل  للاجئين الفلسطينيين، فإن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين معنية بتقديم الحماية ومساعدة اللاجئين والبحث عن حلول مستدامة لمعاناتهم اي استبدال وطن بوطن. ويمكن أن يشمل تكليف المفوضية السامية بالمعنى الذي تنص عليه إتفاقية اللاجئين لعام 1951، اللاجئين الفلسطينيين كما تُعرِّفهم وكالة الغوث، إنما حصراً في حال وجود هؤلاء خارج مناطق عمليات الأونروا الخمس.

وبحسب تعريف الأونروا الذي جاء نتيجة النكبة وما ولدته من مآسي، يطلق لقب لاجيء فلسطيني على« أي شخص كان محل إقامته الطبيعي يقع ضمن نطاق الانتداب على فلسطين خلال الفترة ما بين 1 حزيران (يونيو) 1946 و 15 أيار (مايو) 1948 والذي فقد منزله وسبل عيشه على حد سواء نتيجة الحرب التي قامت عام 1948 بين العرب وإسرائيل، ويكون بذلك مؤهلاً لحمل اللقب والتسجل لدى وكالة الأونروا. ويُؤهَّل للتسجيل لدى وكالة الأونروا الأشخاص المتحدرين من اللاجئين الفلسطينيين، ولكن لا يستفيد من خدمات الوكالة إلا الذين يعيشون في واحد من الميادين الخمسة المشمولة في عملياتها».

أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فتعريفها جاء بسبب الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، وهي تعرِّف اللاجيء وفق المادة الاولى من إتفاقية عام 1951 بأنه «كل شخص يوجد بنتيجة أحداث وقعت قبل تاريخ 1 كانون الثاني (يناير) 1951 نتيجة خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعية معينّة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد»

وتشير الفقرة جيم من الاتفاقية الى الحالات التي تسقط فيه صفة اللجوء عن اللاجئ وهي:

1. إذا استأنف باختياره الاستظلال بحماية بلد جنسيته،

2. إذا استعاد باختياره جنسيته بعد فقدانه لها، أو

3. إذا اكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية هذه الجنسية الجديدة، أو

4. إذا عاد باختياره إلي الإقامة في البلد الذي غادره أو الذي ظل مقيما خارجه خوفا من الاضطهاد، أو

5. إذا أصبح، بسبب زوال الأسباب التي أدت إلي الاعتراف له بصفة اللاجئ، غير قادر علي مواصلة رفض الاستظلال بحماية بلد جنسيته،

والفقرة الهامة التي تعنينا هنا هي الفقرة دال التي نصت على ان "لا تنطبق هذه الاتفاقية علي الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائيا يصبح هؤلاء الأشخاص، بجراء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية".

يتضح مما سبق، أن اللاجيء هو الذي أصبح من دون حماية وطنية نتيجة تركه بلده بسبب خوفه، الأمر الذي يستوجب أن تتم حمايته دوليا. لكن هذه الحماية، وبالتالي، صفته كلاجيء، تسقطان عنه إذا إكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية الدولة التي منحته هذه الجنسية.

كما أن اللاجيء يفقد وضعه كلاجيء إذا إستعاد باختياره جنسيته الأصلية بعد فقدانه لها. لكن إذا تم ذلك قسراً، ولو إستفاد من حماية الدولة المضيفة، فإن صفة اللاجيء لا تسقط عنه. أي أن اللاجيء يفقد صفة اللاجيء في حالتين إثنتين؛ الاولى: إذا إكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية دولة هذه الجنسية؛ والثانية: إذا إستعاد باختياره جنسيته بعد فقدانه لها.

غير أن هناك بعض اللاجئين الذين لا يمكنهم الإستفادة من مزايا هذه الاتفاقية التي تنطبق فقط على الاشخاص الذين لا يتمتعون بحماية دولية، ولا تنطبق على الاشخاص الذين يتمتعون بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وعندما تتوقف تلك الحماية أو المساعدة لأي سبب فان هؤلاء الأشخاص يصبحوا مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقي.

لكل هذه الأسباب، يمكن الإستنتاج أن إتفاقية سنة 1951 لا تنطبق على اللاجيء الفلسطيني لأنه يتلقى مساعدة من مؤسسة أخرى هي وكالة الغوث، رغم أنها لا تؤمن الحماية السياسية للاجئين بل الحماية الاجتماعية.

هذا الإستطراد حول الوضعية القانونية للاجئين بشكل عام واللاجيء الفلسطيني بشكل خاص، يرمي إلى توضيح طبيعة التفويض الممنوح لوكالة الغوث الذي يقتصر على الحماية الإجتماعية عكس التفويض الممنوح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وإستثناء إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين بشكل صريح ومقصود اللاجيء الفلسطيني من تعريفها، جاء نتيجة مراعاة الظروف السياسية التي تحيط بقضية اللاجئين الفلسطينيين وتمييزهم عن حالات اللجوء العامة.

اما بشأن تعريف الاونروا، ولكي يمكن إعتبار هذا الشخص او ذاك لاجئا ينبغي أن يتلقى المساعدة من الاونروا أولا، ويكون مسجلا لديها ثانيا، ومقيما في مناطق عملياتها ثالثا (أي في لبنان، سوريا، الاردن، الضفة الغربية، قطاع غزة). وواضح من خلال هذا التعريف أن الصبغة الإقتصادية هي الغالبة عليه، وبالتالي لا يمكن القبول به بشكل مطلق لتحديد من هو اللاجيء، بالأبعاد السياسية والقانونية التي يتضمنها هذا التعبير على خلفية التخوفات التي عبر عنها سابقا في أوساط اللاجئين، من أن يتم استغلال واستخدام وكالة الغوث لتكون رأس حربة لمشاريع سياسية تستهدف قضية اللاجئين وحق العودة من مدخل تقليص خدمات وكالة الغوث. وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد صحة هذه التخوفات، خاصة عندما يتم الربط، وبشكل متعمد، بين الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث وأعداد المسجلين في قيودها:

(5)

المفوضية والوثيقة التفسيرية بشأن الحماية

رغم التحفظ الذي ابدته العديد من القوى الفلسطينية حول الوثيقة التي اصدرتها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في كانون الاول 2017 بعنوان "المبادئ التوجيهية للحصول على الحماية" والمتعلق بفحص مدى قابلية تطبيق البند (1- د) من اتفاقية عام 1951 على وضع اللاجئين اللاجئين الفلسطينيين، الا ان استعراض بعض ما حملته هذه الوثيقة من تفسيرات لصلاحياتها يؤكد ان المفوضية غير معنية بطلبات لجوء تقدم من لاجئين فلسطينيين يتلقون مساعدات من وكالة الغوث.

ان توضيحات وتفسيرات المفوضية تجيب عن تفسيرات واسئلة يسعي البعض للقفز فوقها حول ما اذا كان للاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدة من الاونروا ان يقرروا، من تلقاء انفسهم، ان ينقلوا ملفاتهم من وكالة الغوث الى المفوضية، حيث تجيب هذه الاخيرة في الاستنتاجات النهائية بالنفي قاطع، الا اذا كان طالب الحماية غير مسجل اصلا في قيود الوكالة ومقيم في خارج مناطق عمليات الاونروا الخمسة.

وحتى تتوقف عمليات الاستخدام السياسي، الغير بريئة، ومحاولات اللعب على وتر الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للاجئين والمهجرين الفلسطينيين، نجد لزاما علينا عرض بعض مما تضمنته تلك الوثيقة، بهدف وضع حد لحالة التضليل والكذب والخداع التي تمارسها اطراف لها علاقة مباشرة بالمشاريع التصفووية المطروحة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.

اذا كانت اتفاقية عام 1951  تشير نصا بأن "هذه الاتفاقية لا تنطبق على الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة"، فان الهدف من ذلك هو بكل تأكيد هو تجنب اي ازدواجية وتداخل في الاختصاصات بين المفوضية والاونروا. وتعتبر وثيقة المفوضية، السابق ذكرها، ان من شأن التفسير الضيق لهذا النص ان يؤدي الى حرمان العديد من اللاجئين الفلسطينيين من الحصول على الحماية، رغم انهم يتمتعون بصفة اللاجئ، مما يخلق ثغرات في نظام الحماية. ومنطق هذا التفسير هو ان العدالة تفترض ان يتمتع جميع اللاجئين الفلسطينيين بالحماية، لكن إن استجدت ظروفا قاهرة تمنع اللاجئ من التمتع بهذه الحماية، كالتواجد خارج اطار مناطق عمليات الاونروا الخمسة، فان اللاجئ يصبح مؤهلا للتمتع بحماية المفوضية.

ولعل التفسير الاهم هنا هو ان الاسباب التي ادت الى ترك مناطق عمليات الاونروا، كالعمل والدراسة او غير ذلك، هي ليست حاسمة.  والامر المحوري هو ما اذا كانت الحماية او المساعدة المقدمة من الاونروا قد توقفت بسبب واحد او اكثر من الاسباب الموضوعية لتركها او منعها من الاستفادة من الحصول على الحماية من الاونروا. بل حتى لو تواجد اللاجئ في مناطق خارج العمليات، فان حماية الاونروا تبقى قائمة طالما ان اللاجئ قادر على العودة بأمان الى منطقة العمليات ليستظل بتلك الحماية..

ان مسألة نقل التفويض والحماية من منظمة الى اخرى هو ليس بالامر اليسير، وقد اشارت اليه المفوضية حرفيا، وهذا امر برسم كل من يدعو الى نقل سجله وحمايته من الاونروا الى المفوضية، ظنا منهم ان هذا امر يسهل قبول طلبات ما يسمي "اللجوء الانساني". فتشرح الوثيقة الصادرة عن المفوضية الاسباب الموضوعية التي تجعل من يريد التقدم بطلب الحماية ان يكون مشمولا بحماية المفوضية، وتحددها بأربعة نقاط:

النقطة الاولى: هي في حالة انهاء الاونروا بشكل مفاجئ بما يبقي اللاجئين دون حماية، وهذا امر يتطلب حكما قرار من الجمعية العامة للامم المتحدة صاحبة الولاية الاساسية التي هي من انشأ وكالة الغوث عام 1949 وفقا للقرار رقم (302). وفي هذه الحالة فان جميع اللاجئين الفلسطينيين، وليس فئات منهم، يصبحوا مشمولين بحماية المفوضية. وطالما ان الاونروا موجودة بقرار دولي، فان اي كلام آخر يصبح كلاما سياسيا للاستهلاك والاستخدام المحلي، ولن يكون له اية تداعيات في التطبيق العملي.

النقطة الثانية: ان وقف تقديم الحماية او المساعدة من الاونروا للاجئين الفلسطينيين، سيحتاج ان يكون قد تقرر انه حدث في منطقة عملها او على نطاق البلد بأكمله امر ما. وقد يحدث هذا اذا تعذر على الاونروا القيام بمهامها مثلا، على الرغم من استمرار وجودها، واذا تم اثبات هذا الامر بقرار من الجمعية العامة بان الاونروا لا تستطيع مواصلة عملها او من خلال تقارير الاونروا بأن انشطتها قد توقفت..

النقطة الثالثة: التهديد بالحياة للاجئ وتهديد امنه وحريته بما يجبره على مغادرة منطقة عمليات الاونروا وبالتالي صعوبة تمتعه بالحماية. ومن امثلة التهديد الجماعي والفردي على سبيل المثال الصراعات العسكرية وانعدام الامن والعنف على اساس الجنس او التعذيب خارج القانون او الاتجار بالبشر او الاعتقال التعسفي..

النقطة الرابعة والاخيرة هي تلك المتعلقة بظروف قاهرة عملية وقانونية بحيث تمنع اللاجئ من الاستفادة من مزايا حماية الاونروا ومنها كمثال: اغلاق الحدود وعدم قدرة اللاجئ على الدخول الى منطقة العمليات او عدم وجود وثائق سفر تسمح له بالانتقال الى منطقة عملياته او قتال دائر بين فصائل مسلحة او وجود اخطار جدية في طريق العودة الى مناطق العمليات وغير ذلك من اسباب قاهرة تجعل اللاجئ غير قادر عمليا على الاستفادة من حماية وكالة الاونروا..

وان كنا نوافق على ان سبب اصدار هذه الوثيقة هو احتمالي فقط ومتعلق بتزايد المخاطر على قضية اللاجئين ومن ضمنها وكالة الغوث، فاننا نفهم هذه الوثيقة على انها تأتي لمنع الازدواجية في الصلاحيات، وبالتالي فان امر تمتع اللاجئ الفلسطيني بالحماية التي توفرها المفوضية العليا هو امر يبقى مشروطا بتوافر ظروف واسباب تستدعي التدخل القانوني من قبل المفوضية لتوفير ما تعجز وكالة الغوث عن توفيره..

انطلاقا من ذلك، يمكن فهم تحفظات بعض الفصائل على الوثيقة وخشيتها من تجاوز المفوضية للتفويض الممنوح لها، على خلفية اذا ما ارادت المفوضية الدخول من باب توفير الحماية السياسية فالاولوية هي اعادة اللاجئ الى بلده الاصلي فلسطين وهذا ما هو غير متوافر في اللحظة الراهنة، لهذا السبب ينبغي الحذر من اية مساعي دولية تهدف الى العبث بالتفويض الممنوح لوكالة الغوث ووظائفها المحددة في قرار تاسيسها الرقم (302) باعتبارها وكالة دولية مؤقتة تعنى بتقديم الخدمات والإغاثة للاجئين الفلسطينيين حصرا الى حين تطبيق القرار (194) بعودة جميع اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها في العام 1948..

ان الحديث عن "سيناريوهات بديلة" لمرحلة ما بعد وكالة الغوث يجب ان يبقى في حدود الاستراتيجيات المحتملة فقط ومن زاوية ان تكون منظمات الامم المتحدة جاهزة على الدوام للاستجابة لأي حدث طارئ.. وغير ذلك فلا يمكن فهم اي خطوة يمكن ان تقدم عليها المفوضية خارج اطار ما سبق ذكره الا باعتبارها استجابة صريحة للدعوات الامريكية والإسرائيلية التي تعمل على الغاء الوكالة في اطار السعي المباشر لالغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة..

(6)

التهجير الجماعي واجراءات وزارة العمل اللبنانية

لا يمكن فهم اجراءات وزارة العمل اللبنانية الا في اطار توقيتها السياسي المترافق مع بدء الخطوات الميدانية للمشروع الامريكي الذي يلتقي في اغلب استهدافاته مع ما يطرحه الاسرائيليون بشكل صريح وعلني خاصة ما له علاقة بأعداد اللاجئين المسجلين في وكالة الغوث وعدم الاعتراف بهم، وطرح سيناريوهات تهجيرية للتخفيف من هذه الاعداد..

ان اجراءات وزارة العمل، وبالواقع الميداني، لن تقود سوى الى اقفال السوق اللبنانية امام العمال الفلسطينيين والمهنيين من حملة الشهادات الجامعية، خاصة في ظل اسوأ اشكال الاستنساب في تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين، ما يعني ان الباب الوحيد الذي سيكون مفتوحا ومشرعا امام الفلسطينيين هو باب التهجير الجماعي بحثا عن حياة افضل خارج لبنان، خاصة في ظل انعدام سبل الحياة والحصول على الحد الادنى من مقومات العيش.

هذه السياسة لم تعد سرا، بل هي ممارسات تتحرك بشكل يومي في مجالات السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والاعلام والنظرة العنصرية تجاه اللاجئ الفلسطيني في لبنان وحقوقه الانسانية. فالسياسة اللبنانية باتت ملموسة من جميع الفلسطينيين بأن الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها تنتهج سياسة مدروسة تهدف الى محاصرة الفلسطيني وجعل حياته في لبنان جحيما لا تطاق. ورغم معارضة قوى لبنانية تتعاطف مع الفلسطينيين وحقوقهم، الا ان الواقع الفعلي هو واقع الحرمان من ادنى شروط الحياة وعلى خلفية تقدير بعص المسؤولين اللبنانيين انهم غير قادرين او غير مستعدين او لا يريدوا مواجهة المشروع الامريكي الاسرائيلي، خاصة في الشق المتعلق بقضية اللاجئين، لذلك يكون الحل الامثر سهولة هو بالسعى لطرد وتهجير القسم الاكبر من اللاجئين بحيث اذا ما فرض التوطين بغير رضى لبنان، فانه يتحمل حينها اعدادا ليست بالكبيرة..

على هذه الخلفية يمكن فهم التسهيلات التي تقدم لبعض اللاجئين الفلسطينيين من مؤيدي "اللجوء الانساني" الذين تجمعوا اكثر من مرة امام السفارة الكندية الواقعة في منطقة لها حساسية طائفية معينة، اضافة الى اعتصامات امام مقر الامم المتحدة وآخر امام وكالة الغوث، وقد حازت هذه التحركات على تراخيص مسبقة من الاجهزة اللبنانية المعنية، في خطوة واضحة تؤشر الى دعم بعض الاطراف في لبنان لسياسة التهجير الجماعي للاجئين الفلسطينيين نقيضا للموقف الرسمي اللبناني الذي يؤكد دعمه لحق العودة..

ولتاكيد مسألة عدم التوازن والمساواة من قبل الاجهزة اللبنانية المعنية في تعاطيها مع كل اللاجئين الفلسطينيين، فقد دعا بعض الفلسطينيين في اطار المحاججات مع وزارة العمل الى التوجه نحو الحدود مع فلسطين المحتلة فما كان من مجلس الأمن الفرعي في الجنوب الا ان اجتمع للبحث في تحركات اللاجئين احتجاجًا على اجراءات وزارة العمل وقرر المجلس بوجوب الاستحصال على الموافقات الرسمية اللازمة عند اقامة أي تجمعات أو تظاهرات أو مسيرات مهما كان نوعها وذلك تحت طائلة المساءلة والملاحقة القانونية.

لذلك فقد ربط البعض بين اجراءات وزارة العمل بشأن العمال الفلسطينيين وبين مشاريع التهجير الجماعي التي لم تخرج الى العلن الا بعد ان بدأت التحركات الشعبية في المخيمات رافضة لتلك الاجراءات، وكأن هناك نوع من التنسيق ما بين مافيات وسماسرة الهجرة وبعض التيارات السياسية في لبنان، ما يؤكد حقيقة ان هناك أطرافا لبنانية وفلسطينية متواطئة، تخطيطا وتمويلا ولوجستيا، مع التطبيقات الميدانية لصفقة القرن..

نختم بالقول: ان اللاجئين الفلسطينيين ينتمون الى فئة اجتماعية واحدة تعاني تداعيات اللجوء على مختلف المستويات، وان ظروف وصعوبات الحياة خاصة في جانبها الاقتصادي ليست سوى نتائج المشروع الامريكي الاسرائيلي لقناعة الامريكيين الذين يعيشون "عقدة العقوبات" بأهمية هذا النوع من الحروب، بعد ان فشلت جميع اشكال الحروب السابقة في تحقيق اهدافها، فكانت الحرب الاقتصادية وحروب التجويع في مسعى جديد لايصال اللاجئين الى حالة من اليأس والاحباط علها تساهم في اختراق جدار  الرفض والصمود للاجئين الفلسطينيين..

ان كنا نوافق على ذلك المنطق الذي يميز بين هجرة طوعية تفرضها طبيعة وتعقيدات الحياة وتطورها، وهجرة مفروضة تأتي في سياق سياسي مخط له، الا ان هذا يجب ان يدفعنا الى التحذير من ان الهجرة تحولت من ظاهرة فردية يمكن أن تحدث في أي مجتمع، إلى ظاهرة جماعية تهدد بإفراغ التجمعات والمخيمات الفلسطينية من لاجئيها.. ما يجعلنا ندق ناقوس خطر حول النتيجة التي يمكن أن نصل إليها على المستوى الوطني، إذا ما استفحلت هذه الظاهرة.

ان المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان وفي قطاع غزه تتعرض لاستهداف واضح واستنزاف لطاقاتها البشرية عبر خلخلة الاستقرار الاجتماعي للاجئين وتشجيعهم على الهجرة وإضعاف عناصر التماسك السياسي والاجتماعي داخل المخيمات، وهي النقاط التي أبقت قضية اللاجئين نابضة بقوتها حتى اليوم. وذلك في إطار استكمال التطبيقات الميدانية للمشروع الصهيوني الذي ما زال يراهن على العامل البشري باعتباره أحد العوامل الحاسمة في الصراع.

إن جميع الهيئات الفلسطينية على مستوى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات والمثقفين والناشطين، مدعوين جميعاً الى تحمل مسؤولياتهم لجهة البحث عن حلول للمشكلات الاجتماعية ووضع خطة وطنية تستجيب للحد الادنى من مطالب الشباب وطموحاتهم سواء على المستوى السياسي باستعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام بما يبعث برسالة اطمئنان الى كل الشعب بالسعي الجدي نحو معالجة البيت الداخلي، أو على المستويين الامني والاقتصادي، والتعاطي مع ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني باعتبارها خطر يهدد المجتمع الفلسطيني.

وسوم: العدد 845