أفعال العقلاء تصان عن العبث

محمد فريد الرياحي

[email protected]

من غريب هذا الزمن وعجيبه، أن يطلع على الناس كتبة  يدعون إلى الإبقاء على ما هو قائم من الانحراف عن الشرعية الانتخابية، بالطريقة التي يؤكدون  فيها، ومعها، أنهم يدعون إلى الخير،ويحرصون على مصلحة مصر ومستقبلها، بعيدا عما تشهده مصر من الرفض للطغيان والاستبداد، من غريب هذا الزمن وعجيبه، أن يرتئي كاتب من هؤلاء الكتبة مخرجا من الأزمة التي تعاني منها مصر، بالدعوة إلى استفتاء شعبي حول شرعية الرئيس محمد مرسي، فهلا دعا هذا الكاتب إلى استفتاء حول شرعية من أثار الفتنة بخروجه عن إرادة مصر، وهي تنتخب محمدا مرسي رئيسا لها، ثم ما معنى أن تتم الدعوة إلى استفتاء شعبي، فيكون الاستفتاء، إذن، حلا  لما تكابده مصر من نكوص وردة على أيدي من لم ينصاعوا لإرادتها، ولم يفوا بعهودهم في جو من التداعي على السلطة.؟ معنى هذه الدعوة التشكيك في شرعية الرئيس محمد مرسي، وإلا كيف يعقل أن يعقد استفتاء حول هذه الشرعية، من بعد أن أثبتت وأكدت بالإجماع الانتخابي؟ أليست  هذه الدعوة، إذن، عبثا من العبث لا يستقيم في العقل، عند من وعى، ووزن الأمور بميزانها الذي لا يختل ولا يرتاب؟ هذا والذي عليه أولوا العلم، أن أفعال العقلاء تصان عن العبث، فكيف يراد لمصر وبمصر عبث يؤدي إلى المزيد من عسر الحال وسوء المآل؟ وأسال الكاتب الذي دعا إلى ما دعا إليه من إقامة هذا الاستفتاء،هل يملك الضمانات الكفيلة بإنجاحه فيكون اليقين في النتيجة، وتكون النتيجة في اليقين؟ أعتقد أنه لا يملك شيئا من هذه الضمانات، ولن يملك شيئا مما يدور في فلكها، ويسبح في محيطها. والأمر عنده، في البدء والنهاية، في أن يرتئي رأيا غير قابل للتطبيق، وإذا طبق فإن النتيجة ستكون هي إلغاء شرعية الرئيس محمد مرسي مرة ثانية من بعد أن ألغيت يوم كان الانقلاب. والأمر بعد هذا وذاك واضح لا يحتاج إلى توضيح. ومرد وضوحه إلى أن الذين دبروا أمرهم بليل، وأطاحوا بالرئيس محمد مرسي لن يسمحوا بأن يكون الاستفتاء الذي دعا إليه هذا الكاتب استفتاء نزيها، بل سيجعلون منه خادما لأهوائهم، وشاهدا لهم بالذي يملكونه من الشعبية والشرعية، فهل فطن الكاتب ، إذن، إلى ما وراء دعوته من الميل عن الصواب، أم هل أن الأمر في نظره إنما يدخل في مجال هو مجال الغاية التي تسوغ الوسيلة.؟ وأعتقد أنه في هذه الحال لا يعدو أن يكون جاهلا لعواقب الاستفتاء، وتلك مصيبة، أوأن يكون عالما بهذه العواقب والمصيبة أعظم. وفي هذا لا مناص من النظر إلى ما تشهده مصر من الرفض للانقلاب، على أنه الموقف الشعبي الحق الذي يريد أن تعود الأمور إلى سابق عهدها من الشرعية الانتخابية. فلا سبيل إذن إلى السلم المنشود والاستقرار المأمول إلا بعودة الرئيس محمد مرسي إلى الحكم، تلبية لما تريده مصر من إحقاق الحق وإزهاق الباطل. وفي هذا الذي يُرى ويُشهد من الغليان الشعبي ما لا يدع مجالا للشك أو التشكيك في أن المخرج من الأزمة، في أن تعود مصر إلى سابق عهدها من الشرعية الانتخابية التي اختارت محمدا مرسي رئيسا، وإن أي محاولة من الرأي أو الفعل تسبح خارج هذا السياق، محاولة تستغفل الناس من جهة، وتسلط عليهم بالعدوان طغيانا، وبالطغيان عدوانا من الجهة الأخرى. فدعك أيها الكاتب، إذن، مما أنت فيه من الدعوة إلى حل للأزمة لا يصلح لمصر ولا تصلح مصر له. والحل الحق في التمسك بالشرعية، شرعية الرئيس محمد مرسي الذي نال من الثقة الشعبية ما شهدت به صناديق الاقتراع. فهل بعد هذه الشهادة يكون ما هو كائن من الميل عن الحق، في إصرار على الفعل الآثم، والعدوان الغاشم، حتى لا رأي إلا الرأي الذي يراه من حمل ظلما، واجترم جرما، فهو يتمطى فرحا بما بشر به من  السلطان، والصولجان، والهيل والهيلمان، ظانا أنه بمنأى عن عذاب الله في الدنيا والآخرة. فهل بعد هذه الشهادة تدعو أيها الكاتب إلى ما لا يقول به رجل رشيد، ولا يقبله من ألقى السمع وهو شهيد.؟