السنة الميلادية ورمزية انطلاقة الثورة المعاصرة

اعتدنا نحن الفلسطينيون أن نحيي المناسبات الوطنية والاجتماعية دون أن نجد مظهراً يريح النفس ويعزز مساكن الأمل في الذات حباً ومؤانسة كما نرى في بعض دول العالم حين تظهر ملامح الفرح والسرور وبث شعاع الأمل كلما حلت مناسبة ليلة رأس السنة الميلادية والتي يعبر فيها الانسان عن واسع أمنياته وأجمل طموحاته التي يسعى إلى تحقيقها.

ففي كل عام نجد للإنسان الفلسطيني حكاية تختلف عن سابقاتها، منها أعوام كانت ملطخة بالدم نتيجة الحروب والقصف، وأعوام مليئة بالحصار والفقر، وأعوام كادت أن تكون حبل نجاة لكن شاءت الأقدار البشرية أن تكون أقوى من هذا الحلم الذي ما زالت ترسم خيوطه في عيون كل انسان فلسطيني حائر لم يفرح ولا يعرف طريق النجاة بعد.

حكاية الفلسطيني تختلف، حيث يرافق مرور هذه المناسبة (رأس السنة) في كل بداية عام جديد ذكرى عزيزة على قلوب كل من يحب الوطن ويعشق ترابه وهي ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي ما زالت تُظهر أمنيات النصر والتحرير وترفع شعارات الاستمرار في النضال والمقاومة، والتي يحتفل فيها الفلسطينيون في كل أماكن تواجدهم تأكيداً على أن الحُلم الفلسطيني سيتحقق والعودة للديار قادمة لا محال، وإقامة الدولة ستكون تحت عنوان القدس العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني، رغم حالة التشتت المفروضة على شعبنا بسبب واقع الاستعمار وأفعاله الإجرامية التي جلعت من مصير كل فلسطيني إما الأسر أو القتل أو التشتت في بقاع الأرض.

إلا أن ذكرى انطلاقة الثورة باقية في الوجدان، كيف لا وهي الذكرى الوحيدة المتأصلة فينا ويحتفل فيها الفلسطينيون مهنئين بعضهم تأكيداً على بقاء شعلة القضية الفلسطينية متوهجة، وهي الذكرى التي تمتزج بنكهة الأمل والعطاء والدفع باتجاه تحقيق الحلم وانتزاع الحقوق إضافة لجعل فلسطين صاحبة رمزيةً ومكانة في الوسط الدولي، وهي الذكرى التي لم يتجاوزها التاريخ أو يطفئ شعلتها التي تنير طريق كل فلسطيني نحو التحرير والاستقلال والعودة.

يظهر حقيقة الاختلاف في الاحتفال برأس السنة وانطلاقة الثورة الفلسطينية عند الحديث عن واقع فكرة كل منهما، في رأس السنة تبقى الأمنيات متعلقة في هواء الأفكار ودرجة الاجتهاد ومدى القدرة على تحقيقها ورسم الطريق لمستقبل أفضل يبحث عنه كل إنسان، أما فكرة انطلاقة الثورة جاءت لترسم ملامح الحرية التي لم يجدها ذاك الانسان الفلسطيني، وتجسد معاني دولة يستقر بها هرباً من الجلد الذي عانى منه على مدار تاريخه، إضافة لانتزاع حقوقه الانسانية التي حاول أن يساومنا عليها هذا المحتل تحت مبررات واهية وفشل، لكن ربما الجامع الوحيد بينهما هو أن عملية الاحتفال بحد ذاته تعمل على تجديد العهد مع الذات أولاً ومع الفكرة التي ينتمي إليها الانسان ثانياً بمواصلة المشوار مهما كان شكله والعمل على تحرير الأرض والإنسان نحو خدمة تطلعات الشعب والقضية الوطنية بشكل خاص.

ومن زاوية أخرى، إن الاحتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية يعبر عن استفتاء شعبي حقيقي بشكل عام، حول طموح الإنسان في تغيير المسار السياسي لما له وما عليه من نظرة إلى المستقبل وما يترتب عليه من تغييرات سياسية واقتصادية ملحة، إضافة إلى تعزيز أواصر العلاقة الاجتماعية بين أبناء الشعب الواحد خاصة وأنه يعاني من ظروف إنسانية صعبة وسياسية معقدة.

حيث لعبت حالة التشظي بين شطري الوطن دوراً بارزاً في إضعاف الموقف والرواية الفلسطينية على المستوى الدولي وتراجع واضح في إمكانية تحقيق الأهداف الوطنية العليا لشعبنا سواء على الصعيد الداخلي في الاتفاق على برنامج سياسي موحد أو استراتيجية  وطنية كفاحية قادرة على مجابهة التحديات الراهنة وعلى رأسها صفقة القرن، أو خارجياً محاولة القدرة على تحقيق مكاسب سياسية دولية لصالح فلسطين.

وتزامناً مع هذه المناسبات التي تمتزج غمارها وتتلاقى عناوينها مع بداية كل عام جديد في بث روح الأمل والسرور والايمان في تحقيق الأهداف المنشودة، يطل علينا الطرح الأكثر جدلاً ونقاشاً على الصعيد الرسمي والشعبي والدولي أيضاً وهي "مسألة الانتخابات" التي كفلها القانون الفلسطيني والقانون الدولي في أحقية كل إنسان ممارسة العملية الديمقراطية كونها أصبحت مطلباً مشروعاً ويلتف حوله الجماهير الفلسطينية، ومدخلاً قانونياً هاماً في معالجة الأزمات الداخلية، ومدى تأثير إجرائها على واقع العلاقات مع العالم الخارجي.

 والسؤال، هل يمكن تحقيق خيار الانتخابات في ظل تجاهل طلب السلطة الفلسطينية من قبل إسرائيل؟،الذي لا شك فيه أن هناك اختلاف بين الحزبين الكبيرين "أبيض أزرق والليكود" بشأن الانتخابات في القدس، حيث أن تحقيق خيار الانتخابات التي عبرت عنه الجماهير الفلسطينية من خلال حملات الضغط والمناصرة والتأييد، والرفض الفلسطيني الجامع على موقف الاحتلال في عملية عدم الاستجابة للطلب، إضافة للمطالبات الرسمية الفلسطينية للمجتمع الدولي بوقف سياسة الهيمنة والتسلط المدعومة من الادارة الأمريكية، يبقى معتمد على تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة بعد إجراء الانتخابات المنوي عقدها في تاريخ 27 فبراير من هذا العام.

وأخيراً، أستطيع أن أقول أن "لا انتخابات بدون القدس" هو الشعار السليم والعنوان الأكثر وضوحاً في إطار إمكانية المواجهة الدبلوماسية والسياسية مع اسرائيل، والتي يمكن أن يتم الارتكاز خلالها لقنوات أخرى تعزز من أحقية الموقف الفلسطيني، وتكشف عمق الهيمنة والواقع الاستعماري الذي تقوده اسرائيل بشكل علني وبدعم أمريكي وصمت دولي ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

وسوم: العدد 858