حديث المظلوميات الأقلوية .. حديث خرافة يا أم عمرو !!

وليس عجيبا أن نظل نسمع تكرارا مستداما عن المظلوميات الأقلوية المدعى بها على حضارتنا وأمتنا وإنساننا . وأبسط ما يرد على هؤلاء المدعين دعواهم تمتعهم بحق الوجود الذي يشهد عليه بقاؤهم . وحق الوجود هو حق أساسي وضروري ، وليس كحق أكل الكيك الذي حدثتهم عنه " ماري أنطوانيت " . ونحن حين نستشهد بهذا الحق في تجليه التاريخي الواقع الناطق لا نستشهد بمنة نمنها على الناس . فلا أحد يمن على أحد بحق ، وإنما ..

وأول ما قاد المودة بيننا .. بواد غريض يابثين سـباب

فجئت بقول فجئنا بمثله .. لكل حديث يا بثين جواب

وحين نتحدث عن حق الوجود بأبعاده الإنسانية والثقافية والاقتصادية ، فنحن نتحدث عن حق أصيل حرمنا من مثله في طبقات من التاريخ متعددة أبسط شواهدها ما جرى علينا في الأندلس تحت وطأة محاكم التفتيش التي لم نعقد مثلها يوما لأحد قط . ثم ما يجري علينا في سورية منذ نصف قرن من حرب إبادة وتدمير وشر ما يمثلها قانون الإبادة الموسوم بالقانون / 49/ 1989 .

ولنكون منصفين وعمليين وواقعيين فإنه من العبث عند إجراء التقويمات التاريخية المقارنة على المستويات الحضارية والثقافية والقانونية والحقوقية فلا يجوز أن نقارن الواقع الإنساني في القرن العاشر مع الواقع الإنساني في القرن العشرين !!

بل إن كل العلوم والآداب المقارنة تلتزم أن تقول مثلا : وبينما كان الفقيه المسلم يفتي بحرمة دخول المصحف إلى بلاد الآخرين نتيجة ما تعرض له المصحف من إهانة على أيديهم كانت معابد الآخرين توقد سرجها وسط بلاد المسلمين . وكان لأتباع كل ملة مجلسهم ألذي يسوس الخاص من قضاياهم بحرية تامة واحترام كبير.

يمكن للمقارن التاريخي أن يقارن : أنه وبينما وصلت جحافل الغزاة الغربيين من أوربة إلى بلاد المسلمين تحمل على صدورها وعلى رايتها الصليب ، أدار المسلمون ظهورهم للصليب وأطلقوا على هذه الحملات الهمجية اسم حروب الفرنجة بعنوان أقوامهم وأعيانهم ..!!

تجري المقارنة هكذا : وحين دخل الفرنجة القدس كتب قائدهم إلى سيده في روما مبشرا : " لقد خاضت خيولنا في دماء المسلمين في أزقة القدس إلى الركب " وعندما استعادها المسلمون وقف صلاح الدين يقول للفرنجة القتلة الغزاة : من شاء الإقامة أقام ، ومن شاء المغادرة غادر هو وأهله وماله أيضا ..

هذا هو السياق الحقيقي للمقارنات التاريخية في كل ميدان من الميادين ..تحتسب للأقوام والحضارات والثقافات

حين يكتب أحدهم اليوم عن فقر الفلاح " العلوي " ثم يجري مقارنته مع الإقطاعي غير العلوي ، هل يكون صادقا مع نفسه أو مع التاريخ ؟! أليس الواجب أن يقارن واقع الفلاح العلوي السوريين بواقع الفلاحين السوريين من غير العلويين . وبعض الناس تلحف بالشكوى ، وتلج أو تهون أمام البلوى ..

وبعضهم يمنعهم الكرم من البوح فيصمتون ..!!

أما شكوى أدعياء المظلوميات التاريخية على اختلاف أنواعها وأنواعهم فهي حين تصدر عنهم فهي مفهومة على مذهب قول القائل " شنشنة نعرفها من أخذم " أ

لا نفتح هذا الديوان اليوم لدخول مسابقة عرض المظلوميات ، وما نزل بنا وبغيرنا وإنما الذي نريد رسالتين :

 الأولى للذين لا يعلمون ما يقولون ، من سكارى الزبيب الوطني ، الذين يظلون يلوكون كلاما ممضوغا عن مظلوميات حلت بالآخرين على طريق المجاراة ولو بالافتراء ..ندعوهم إلى الصحو بعد السكر حتى يعلموا ما يقولون ..

والرسالة الثانية رسالة نرسلها ولا نبالي :

ملكنا فكان العفو منا سجية ..  فلما ملكتم سال بالدم أبطح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا      فكل إناء بالذي فيه ينضـح

كفوا عن تحميل حضارتنا وأمتنا وإنساننا مسئولية كذبهم وكذبكم ، وادعائهم وادعائكم، ومكرهم وجهلكم ..!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 860