قريبا ...

سيتبدَّلُ كلُّ شيء ... بمشيئة الله الواحد الأحد

قريبًا ...  كلمةٌ يحملُها الأمل إلى الناسِ ، بتوفيق من الله ...

سيتبدَّلُ كلُّ شيءٍ ... كلُّ شيءٍ في حياة الإنسان ، لأن الإنسان محتاجُ الآن إلى هذا التغيير ، ليأمن على حياته الدنيوية ، ويفوز بحياة الخلود عند ربه جلَّ وعلا . ... ولا بدَّ للإنسان أن يعتمد على قدراته الذاتية من خلال توبة نصوح ، وصدق مع النفس ، فإن الله عز وجل لايغير مابقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم  ، ولن يسعد الناس إلا إذا قاموا بهذا التغيير ، ويكون للإنسان مشروع  خاص به للتغيير ، وعملٍ كريم يؤهله للدخولِ إلى ديوان السمو  بجدارة وثقة  ،إنها آمال  ولعلها قريبةُ المنال ...

ولكنْ ؟!

إنَّ مآثر دينِنا الإسلامي  الحنيف ومحاسنه ، تتجلَّى في توفيقِ اللهِ للصادق الذي وعى ما أعدَّ الله له في قبره وفي يوم حشره ، في يوم الجزاء الأبدي ، والإنسان السَّوي هو المستفيدِ من عقله ومن نظره في هذه الحياة  ، لأن اللهَ تعالى وعدَ الإنسان ذا البصيرة بقبوله في المنازلِ العاليات ، والدرجات الرفيعة مع النَّبييِّن والصِّديقين والشُّهداء والصالحين ، وحسُن أولئك رفيقا . فأهلُ التغيير القائم على التوحيد الخالص لله ، وعلى استشراف ماعند الله من رحمة وفضل  هم من ورثة الفردوس الأعلى ، لقوله عزَّ وجلَّ : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) 1/ المؤمنون .

إنَّ بابا واحدا من أبواب التغيير يؤكد مدى أثر التغيير في حياة الفرد ، وفي حياة مَن حوله من أبناء مجتمعه ، فالمجتمع فيه الفقير والغني ، وفيه الكريم والبخيل ، وباب أداء الحقوق في المجتمع كفيل بمكافأة الغني الكريم ، وإحصان الفقير المتعفف عن المسألة ، ولا بد من تغيير في نفس الغني ليؤثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية  ، فإن فعل فقد فاز  ، لقوله سبحانه : ( وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجهَ الله فأولئك هم المضعفون ) 39/الروم . ولقوله صلى الله عليه وسلم لرجل ذي مالٍ من بني تميم أتاه يسأل ما يصنعُ بأموالِه : ( تخرجُ الزكاةَ من مالِك ،   طُهرةٌ تطهرُك ، وتصلُ بها أقرباءَك ، وتعرفُ حقَّ المسكين والجار والسَّائل ) رواه أحمد . فهذه منزلةٌ عاليةٌ ... عالية للمحسنين المتصدقين ، الذين يبتغون بأموالهم وجهَ اللهِ تبارك وتعالى ، لتكون دعما أخويًّا لشرائح المحتاجين الذين ذكرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ويندرجُ تحت هذا العنوان كلٌّ من الأرحام والمساكين والجيران ، وتشمل الأيتام والأرامل وغيرهم من أهل الفاقة ... كما تندرج في تلك الأموال مع الزكاة في هذا الباب التبرعاتُ والهدايا والصَّدقات في السرِّ والعلن . وفي هذا المشهد تتجلى قيمة التغيير لدى الإنسان المسلم ، ولدى المجتمع المسلم  ، بل إنَّ كرمَ المولى تبارك وتعالى يحفِّز على التغيير ، ويدفع الإنسان المسلم للمزيد من البذل والمشاركة الاجتماعية المحمودة  ، مهما كانت المشاركة ، معنوية أو مادية ، قليلة أو كثيرو ، فالعبرة في تغيير النفس .

وهنا بشرى للإنسان المسلم  المتصدِّق ولو بأقل القليل ، بفضل الله وكرمه ، يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ العبدَ ليتصدَّقُ بالكسرةِ تربو عند الله عزَّ وجلَّ حتى تكونَ مثل أُحُد ) رواه الطبراني . ويأتي صوت التغيير المؤثِّر رخيًّا نديًّا في حياة المتصدقين المحسنين : تَصَدَّقْ ... تصدَّقْ بقليل أو كثير ، تصدَّق بمالٍ أو طعام ، أي بمساعدات نقدية أو عينية ، كطعام وشراب ولباس وحاجات منزلية وغير ذلك  مما تحتاجه الأسر الفقيرة ...

تَصَدَّقْ ... فإنك تُحسنُ إلى نفسِك أولا ــ إي واللهِ ــ  ولكنْ : كيف ؟

أجل : مَنْ منَّا لايخطئُ ؟ مَنْ منا لايذنبُ ؟ مَن منا لايتمنَّى أن يكون من أصحاب الفردوس الأعلى مع أنبياء الله وأصفيائه من خلقه ؟؟؟

إذن ... تصدَّقْ ... لأن الصدقات تمحو الذنوب ، وتقي مصارعَ السوء ، وترفع المقامات ، ويدخل بها صاحبُها جنَّات الخلود .

أيقِنْ بهذا الكلام . لماذا ؟ لأنه كلامُ مَن لاينطقُ عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحَى ، يقولُ نبيُّك  صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عَديُّ بنُ حاتم رضي اللهُ عنه : ( مامنكم من أحد إلا سيكلمُه الله ، ليس بينه وبينه ترجمان . فينظر أيمَنَ منه  فلا يرى إلا ماقدَّمَ ، فينظرُ أشأمَ منه ، فلا يرى إلا ماقدَّمَ  ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار  تلقاءَ وجهه ، فاتقوا النارَ ولو بشقِّ تمرة ) رواه البخاري ومسلم .

فهل بعد هذا من عجبٍ إذا قلنا : قريبا !!

وأنَّ كلَّ شيءٍ سيتبدل بإذن الله إلى الأفضل !!

إذن ... تصدَّقْ ... وادخل في الصالحين ، تدخلْ جنَّة الخلد في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم .

هذا بابٌ من أبواب التغيير ، وقد شاهدنا بعض آثاره المباركة في دنيا الناس ، ولربما يسمع مَن صفت سريرته صوت المَلَكِ وهو ينادي : (  اللهم أعطِ منفقًا خلفا ، وأعطِ ممسكا تلفا ) ، وقد يجد المسلم أثر التغيير ، وهو يقدِّم صدقته للمحتاجين في مريض له فيعافيه الله من علته ، وقد يجد أن أمواله تتضاعف بين يديه ، وكلنا نعرف الكثير من الأغنياء كانوا من أشد الناس فقرا ، لأن الصدقة لاتُنقص مالَ المتصدق ، بل تزيده وتضاعفه بإذن الله . في هذا الباب آيات وآيات ، وأحاديث نبوية لاتُحصى ، فأداء الزكاة يُطفئُ غضب الربِّ ، ويطفئ حرَّ القبر ،  ويقي من مصارع السوء ... وقائمة الفضل الإلهي لاتنتهي لأهل الجود الذين يبتغون وجهَ الله تبارك وتعالى . ولا ننسى وسوسة الشيطان للإنسان ليصده عن التغيير المبارك ، فقد تسمع من بعض الناس أن نفسه خبيثة ... دعوني ، أعرف أنني لا أصلح لهذا الذي تتحدثون عنه من فضل ومكانة . هذا من الشيطان ووسوسته ، فليحزم المسلم أمره ، وليكنْ ممن أصبحوا وكأنهم يرون أهل الجنة يتزاورون وينعمون ، وأهل النار يتعاوون ويشقون ، وليصفع الشيطان بإرادة الإيمان ، فعن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : ( لايقولَنَّ أحدُكم خَبثَتْ نفسي ، ولكنْ لِيقلْ  لَقِستْ نفسي ) متفق عليه . فالكلمتان مترادفتان في المعنى ، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عله وسلم كره كلمة الخبث ، متفائلا للمسلم بطهارة فطرته ووجدانه ، وقربه من أسباب السمو  والقبول .

وكذلك الأمر في أبواب التغيير الأخرى ، فيما فرض الله على المسلم كالصلاة والصيام والحج والجهاد ، وكالأخذ بمكارم الأخلاق ، وفضائل الأعمال ، وسائر مناهج التغيير الربانية . فالمسلم اليوم  بحاجة إلى تشكيل جديد لعقله ومشاعره ، وتقويم رصين لسلوكه ومنطلقاته ، وإلا فإنه يهدر نعم الله عليه ، ويضيعها من دون جدوى ، بل ربما سخرها لِما يؤدي به إلى الخسران ، وحال الأمة اليوم  بحاجة ماسة إلى التغيير ، والانتقال مما هي فيه من الفساد والضعف ، وأن تُحسن التعامل مع دينها العظيم ففيه الخلاص وفيه الحياة الكريمة التي جاء بها للخلق نبيُّ الرحمة عليه الصلاة والسلام .

وسوم: العدد 861