وحدة البلطجيين

كانت مهمة البلطجيين أن يسيروا أمام الجيش أو إلى جانبه، ليقطعوا الأشجار التي تعيق الحركة بالبلطات، أي أن البلطجة كانت في يوم ما بمثابة فرع من سلاح الهندسة، إلا أنها انزاحت عن معناها وصارت إلى ما نعرفه اليوم.

يبدو عالمنا في السنوات الأخيرة، مثل الحارات والأزقة والفتوات والبلطجية في سيناريوهات وقصص نجيب محفوظ، بلطجة ودفع إتاوات وتقسيم غنائم ومناطق نفوذ، فإن لم تكن بلطجيا بنفسك، فلا بد لك من بلطجي تدفع له الإتاوة كي يحميك من آخر أكثر شراسة منه، أو كي يغض طرفه عن جرائمك، وإلى أن يظهر عنصر الخير في نهاية المطاف يحتاج الأمر إلى صبر وتضحيات.

عادة ما يتصارع البلطجيون بين بعضهم بعضا ويريقون دماء مأموريهم، ولكنهم يصطفون في جبهة واحدة ضد القانون والنظام العام، وقد تجري بينهم تحالفات مؤقتة ريثما يتخلصون من عدو مشترك، ولا يلبثون أن يعودوا إلى صراعاتهم القديمة. الجنرال عبد الفتاح البرهان جاء إلى نتنياهو منهرقا، مقدما خدماته إلى هذا البلطجي في معركته الانتخابية التي ستقرر مصيره الشخصي، كأنما يدفع له الخاوة، وبلا شك أنه وُعد بمكافأة، بأن يكون نتنياهو وسيطه لدى المعلم الكبير دونالد ترامب، ومن ثم إخراج السودان ليس فقط من دائرة الدول الداعمة للإرهاب، بل مساعدة أقطاب النظام المخلوع على التملص من العدالة الدولية التي تلاحق مجرمي الحرب. الفاسدون يبحثون عن الفاسدين، والعنصريون يبحثون عن العنصريين، والمجرمون يلوذون بالمجرمين. فمصالح هؤلاء مهما بدت متباينة، إلا أنها تلتقي في مواجهة مع العدالة، سواء المحلية أو الدولية.

لصوص المال العام وسارقو أحلام الشعوب وقامعوها يلتقون في مصالحهم مع ناهبي أراضي الشعب الفلسطيني وأملاكه وأحلامه، ومهما بدا من تباين بين نظام فاسد ومجرم، وآخر مثله، فكن متأكداً أنهم سيلتقون، سواء مباشرة أو التفافا سراً أو علنًا حتى لو سمعت منهم أعتى التصريحات ضد بعضهم بعضاً، بل حتى لو رأيتهم يطلقون النار على بعضهم بعضا، فالصراع يكون على مناطق نفوذ البلطجة وليس ضد البلطجة.

يخطئ من يظن أن قوى الظلم والطغيان والفساد والاحتلال انتصرت أو نجحت بإسكات الشعوب وقمعها

في إسرائيل نادرا ما يحاكم قاتلو الفلسطينيين العزّل من المدنيين، وإذا حوكم أحدهم فعقوبته التوبيخ، أو أنه قد يُحكم بالسجن مع وقف التنفيذ، وإذا حكم بالسجن الفعلي فهي بضعة أشهر بعد جريمة قتل واضحة بحق بريء أعزل، تبدأ جوقات التحنين حتى يطلق سراح القاتل بعد أشهر، وقبل إنهاء محكوميته البسيطة أصلا، ويحتفى به على الأكتاف كبطل. هذا ما حدث مع الجندي قاتل الجريح الفلسطيني عبد الفتاح الشريف قبل عامين، بينما يُحكم شاب بحريني بالسجن الفعلي ثلاث سنوات لحرقه علم إسرائيل؟ ما هذا النفاق يا عرب؟ ألا يكفي توبيخ الشاب على حرقه لعلم الدولة الصديقة مثلا؟ أم أنه النفاق للبلطجي؟ من الطبيعي أن يلتقي مودي زعيم الهند مع نتنياهو إذ تجمعهما موجة العداء للمسلمين لتحقيق طموحات شخصية وحزبية وسياسية.

من الطبيعي أن يكون جونسون رئيس بريطانيا الجديد ونتنياهو على علاقة جيدة، وأن يرى في مبادرة ترامب خطوة باتجاه السلام، ويتحدث عن حل الدولتين على مقاس صديقه نتنياهو، وليس على قاعدة الشرعية الدولية وقراراتها. طبيعي جدا أن من يرسل طائراته للقيام بمئات آلاف الغارات على الشعب السوري ويتسبب بتشريد ملايين المدنيين منه، أن يجد في نتنياهو صديقا، وأن يمنحه دفعة في معركته الانتخابية، فهما مثل أي بلطجيين يتفقان، أنا أراعي أمورك وأنت تراعي أموري، أنا أبلطج هنا وأنت تبلطج هناك، وابتعد عن فلان لأنه تحت حمايتي ويدفع إتاوته لي. أما المعلم الكبير ترامب، فشعبيته في صعود، لأن الأمريكيين، عموماً يحترمون هذا الذي يجمع الخاوة من الأنظمة، ويتصرف كبلطجي العالم.

لقد كان للقيادة الفلسطينية الحالية نصيبٌ من هذا، حيث حاولت إقامة شراكة مع البلطجي، وهذا زاد من جشعه وعدوانيته عليها وعلى الشعب والأرض الفلسطينيين. كلما أغرق الفلسطينيون والعرب وغيرهم بالخنوع أمام المرتشي نتنياهو، منحوه دعماً ودافعية للمزيد من العدوان والعربدة والتنكّر للشرعية الدولية.

في جميع الحالات تدفع الشعوب العربية ثمن حكم البلطجيين وحلفائهم. مقابل هذا التغوّل محليا ودوليا، نرى حركة الشعوب رغم كل العثرات، ورغم العقبات ومحاولات التخريب والتشويش والاختطاف، فما حدث في السنوات الأخيرة في العالم العربي، ما زال في أوج تفاعلاته، ويخطئ من يظن أن قوى الظلم والطغيان والفساد والاحتلال قد انتصرت أو نجحت بإسكات الشعوب وقمعها.

وسوم: العدد 864