المؤسسات الإنسانية الماليزية صاحبة الأيادي البيضاء والبصمة الواضحة في فلسطين

clip_image002_bb3ef.jpg 

قبل أسبوع، وأثناء زيارتي إلى ماليزيا، حدثتني بعض المؤسسات الإنسانية الماليزية وشخصيات ماليزية ممن أعرف  وأعمل معهم بقيام السفير الفلسطيني لدى ماليزيا بالتحريض المباشر على المؤسسات الفلسطينية التي تعمل كجهة تنفيذ مشروعات لصالح المؤسسات الإنسانية الماليزية داخل فلسطين، ووصم المؤسسات والقائمين عليها بالإرهاب، وتوسع في هجومه لينال من نشطاء في مجال العمل الإنساني بتهمة الانتماء لحركة حماس، يأتي التصريح الأخير للسفير الفلسطيني والذي يؤكد عدم وصول أموال التبرعات الماليزية للمسجد الأقصى، وتملكه أدلة على وجود شبهات فساد في الدعم المالي الموجه لفلسطين في ذات سياق التحريض على العمل الإنساني الموجه لفلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، ويأتي ضمن حملة يقودها السفير شخصيا منذ توليه منصبه للضغط على الحكومة الماليزية والعاملين في المؤسسات الماليزية بعدم العمل مع شركائهم الفلسطينيين إلا بمصادقة ومعرفة  وتزكية السفارة، وضمن سياسة تجفيف المنابع التي تقودها شخصيات متنفذة في السلطة الفلسطينية ضد كل من يحاول التخفيف من معاناة الضعفاء والمهمشين واسناد القدس في فلسطين.

سفير لا يؤمن بالشراكة ويتخذ من التحريض على أبناء وطنه وسيلة لقطع رئة التنفس عن الفقراء والمحتاجين، يُريد أن يكون له الحق الحصري في ترشيح الجهات الفلسطينية التي يجب أن تتعاطى معها المؤسسات الإنسانية الماليزية في تنفيذ مشروعاتها، نسي السفير الفلسطيني أن المؤسسات غير الحكومية غير ملزمة بالسير عبر قنوات السلطة ولها الحق في اتخاذ الشركاء التنفيذيين إن ما تم ضمان الشفافية وإجراءات التنفيذ السليمة للمشروعات، وليس معنى أن السلطة لا علم لها أين ذهبت تلك الأموال أو كيف اتخذت مسارها إلى المحتاجين أنه لابد أن يكون هنالك شبهة فساد أو أن يكون عملها محل تساؤل.

لا أرى مصادفة بين تصريح سفير فلسطين في ماليزيا والذي يتهم فيه بوجود شبهات فساد في ملف تمويل فلسطين والخبر الصحفي الذي نٌشر في صحيفة جيروزليم بوست بتاريخ 6 فبراير من العام الجاري ويتهم فيه مؤسسات ماليزية بالاسم بدعم وتهريب أموال لحماس في قطاع غزة، هذا التزامن لا يمكن ان يكون بريئاً أو مصادفة بحته، يُضاف إلى هذا التحرك ملازمة المستشار الأمني للسفارة الفلسطينية للسفير الفلسطيني في ماليزيا في كافة لقاءاته مع المؤسسات الداعمة لفلسطين في محاولة للضغط وجمع المعلومات عن جهات التنفيذ وآليات التنفيذ.

بالعودة لحرص السفير بضرورة أن تقوم السفارة الفلسطينية بتوجيه المؤسسات الإنسانية الماليزية للعمل مع مؤسسات تنفيذية يتم اختيارها بواسطة السفارة أو حتى تحويل الأموال للسلطة وهي تقوم بدورها بتوجيه هذه المبالغ إلى غزة فتجربتي الشخصية تقول أن السلطة وسفاراتها غير مؤتمنة على هكذا نوع من الدعم وغالبا لا يصل إلى مستحقيه.

في العام 2011 كنت في زيارة لمقر وزارة الخارجية الماليزية وقد اجتمعت مع قسم فلسطين بوزارة الخارجية، تحدثت يومها بصراحة أني قطعت هذه الأميال إلى هذه البلاد نتيجة الأوضاع المأساوية في قطاع غزة وأني أطمح بتحريك مبلغ مالي كانت قد جمعته زوجة رئيس الوزراء السابق محمد نجيب عقب عدوان 2008-2009 لصالح مشروعات يتم تنفيذها في غزة، أخبرني يومها مسؤول القسم بأن المؤسسة لا تتبع الحكومة ولكن سيتم متابعة الأمر وإنجاز التحويل في أسرع وقت، بعدها بوقت قليل أُعلمت بتحويل مبلغ 2 مليون دولار لخزينة السلطة كدعم لمشروعات لصالح غزة لم تصل حتى يومنا هذا.

أثناء عدوان 2014 نجح وفد ماليزي مكون من عضو البرلمان داتو عزيز والسفير الماليزي في مصر سابقاً كو جعفر وبصحبة السفير الفلسطيني السابق في ماليزيا من دخول قطاع غزة من أًصل 50 متضامن ماليزي كان من المفترض أن استقبلهم في القطاع، كان الوفد قد طلب مني تحضير مواد غذائية بقيمة 200 ألف دولار، وتحضير 100 ألف دولار للتوزيع النقدي بالإضافة لمساعدات طبية تم تسليمها للهلال الأحمر الفلسطيني، تواصل السفير الفلسطيني معي وزودني بأسماء نائبين من حركة فتح بالتشريعي وشخصية قيادية في حركة فتح وطلب مني تسليم كل واحد منهم 10 آلاف دولار، وعدد من الطرود الغذائية فيما تم تحديد مؤسسات فتحاوية لتوزيع المساعدات، بعد قيامي بمراجعة الوفد بأن الأموال يجب أن تُصرف وفق الاحتياج وأن الطرود يجب أن تُوزع للمحتاجين عبر مؤسسات تتمتع بخبرة ميدانية ومعرفة بقوائم المحتاجين، تم ابلاغي بأن لديهم تعليمات من حكومة نجيب بضرورة التنسيق مع السفير، وهكذا ذهب جزء من المساعدات وبتوصية السفارة في محاصصات تنظيمية داخلية وترضية لأطراف معينة.

جزء يسير من تجربة حافلة على مدار أعوام قد مضت بآليات تصرف المسؤولين في السلطة في المساعدات الموجهة لقطاع غزة، ومحاولة توجيهها في منافع شخصية وتقوية روابط تنظيمية.

المؤسسات الماليزية كانت على الدوام سباقة في العطاء وأثرهم ظاهر وجليّ في القدس التي أنكر السفير وصول المساعدات لها، وفي غزة التي اتهم السفير العاملين لأجلها بالإرهاب والفساد، وفي الضفة حيث يُقارع الكف المخرز.

من كفالات أيتام ومشروعات موسمية وإغاثية مروراً بتحسين مساكن الفقراء وإنشاء المراكز الصحية والتعليمية والخدمية وليس انتهاءً بحفر الآبار واستصلاح الأراضي الزراعية شواهد بارزة على عطاء المؤسسات الماليزية ودورهم الكبير في التخفيف من معاناة المواطن الفلسطيني في فلسطين، وصورة تضامن تتنافس وتتسابق فيها المؤسسات الماليزية وقوفاً تُجاه مسؤولياتهم وانتصارا لفلسطين والمسجد الأقصى، يستطيع السفير الفلسطيني زيارة غزة والاطلاع على مشروعات المؤسسات الماليزية القائمة والشاهدة على عمق العلاقة بين البلدين، ويستطيع تبيان حقيقة الدعم الموجه لدعم القدس، ثم من حدث السفير الفلسطيني أن أموال التبرعات إن لم تدخل صندوق وقف القدس فإنها لا تصل، عليه فقط بقراءة التقارير جيداً ومتابعة الأعمال العظيمة لهذه المؤسسات في القدس، وأود أن أذكر السفير الفلسطيني بأن مليون دولار تبرعت به الندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 2013 لمنظمة التعاون الإسلامي لصالح فلسطين في مؤتمر للمنظمة بإسطنبول ما زال رهين الاحتجاز بأوامر السلطة.

 إن كان السفير الفلسطيني صادقاً فيما ادعاه في حديثه للإعلام الماليزي بأنهم جادين في مجابهة صفقة القرن عليه أن ينتبه لتصريحاته ويوقف حملته ضد أبناء شعبه ويُركز على عدوه وأن يُؤمن بالشراكة والوحدة ويترك الاستئثار والتفرّد، وعليه قبل هذا وذاك أن يمنع مستشاره الأمني من ابتزاز الطلبة في الجالية الفلسطينية بماليزيا حين تقديم طلبات تجديد الجواز أو معاملات تخص عائلاتهم ومساومتهم لتقديم معلومات مقابل الحصول على الخدمة، وعليه الافراج عن الجوازات المحتجزة حتى كتابة هذه السطور.

فلسطين لم تعد تحتمل المناكفات الداخلية  ولا تستطيع أن تقاوم صفقة القرن إن كانت قيادات وسفراء السلطة يرون أن التضييق على أبناء شعبهم وسيلة ناجعة في التصدي للصفقة بينما عقد لقاءات تطبيعيه مع العدو مهمة لشرح واستعراض وجهة النظر الفلسطينية للشعب "الإسرائيلي".

وسوم: العدد 864