العسكر هم أسُ البلاء

أعلنت الدولة العبرية أن طائراتها التجارية بدأت في التحليق عبر المجال الجوي السوداني بموجب اتفاق مع الحكومة في الخرطوم.

وقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، خلال لقاء مع مجموعة من الزعماء اليهود الأمريكيين يوم الأحد 16 شباط الحالي، إن طائرة إسرائيلية عبرت الأجواء السودانية يوم السبت متجهة إلى أمريكا الجنوبية.

وأضاف رئيس وزراء الكيان الصهيوني أن الممر الجوي الجديد قلص زمن الرحلة من إسرائيل إلى أمريكا الجنوبية بنحو ثلاث ساعات.

ومضى قائلاً: "نحن الآن نبحث تطبيع" العلاقات سريعا بين البلدين.

تاريخ العسكر في البلاد العربية حافل بالخيانة والخذلان والجبن، رغم حمله لشعارات وأسماء تُوهم أنهم صناع الوطنية والسيادة وحماية الأوطان والسهر على رعاية الشعوب وحمايتها والأخذ بيدها إلى مراقي التقدم والازدهار.

فهذا صاحبنا عبد الفتاح البرهان ركب الثورة الشعبية في السودان، وانطلق كالصاروخ ليطبع علاقات السودان مع الكيان الصهيوني، متذرعاً بأن ما يقوم به هو من أعمال السيادة، وقد أطلق على نفسه اسم "رئيس مجلس السيادة السوداني"، وخرق هذه السيادة بخطوة سريعة؛ بقيامه بمعانقة عدو الإنسانية والحياة والسودان مجرم الحرب بنيامين نتنياهو؛ محتل القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ ومحتل الأراضي الفلسطينية والجولان، وقاتل الشعب الفلسطيني ومانع عودة الملايين من المهجرين الفلسطينيين إلى بلادهم، والذي يخنق أهل غزة بحصاره الجائر لها، مصرحاً بأن السودان من حقه أن يرسم سياسته بما يخدم مصالحه، وأنه لا فرق عنده بين الدولة العبرية وسويسرا.

عسكر السودان لا يختلفون عن كل العسكر الذين تسلقوا جدران السلطة في العديد من البلدان العربية في ليل بهيم، جاؤوا على ظهر دبابة غيروا بوصلتها من مواجهة العدو إلى مواجهة شعوبهم، تحت يافطات ومسميات ممجوجة لا تمت إلى الحقيقة بأي صلة، فهل سيصمد رئيس مجلس السيادة السوداني أمام غضبة الجماهير السودانية التي لن تترد في حشد الملايين ضد صفقة القرن.

قلت إن العسكر هم أسُ المصائب في البلاد العربية، وهم وراء كل النكسات والنكبات والهزائم وتبديد الثروات وإفساد المجتمع وتخلفه، ولعل أهم الشواهد ما فعله العسكر في بلدي سورية التي تئن تحت وطأة بسطار العسكر منذ العام 1949، فقد قام العسكر بثلاثة انقلابات في أقل من سنة، ثم جرت ستة انقلابات متلاحقة منذ العام 1952 حتى العام 1970، حيث نفذ وزير الدفاع حافظ الأسد انقلاباً يوم 16 تشرين الثاني 1970 على رفاقه البعثيين، بعد أن شعر بأن هناك خطة لعزله من منصب وزير الدفاع وإحالته إلى محكمة عسكرية، لأنه كان السبب في هزيمة الخامس من حزيران 1967، حيث قام بتسليم مرتفعات الجولان دون دفع أو مدافعة، وأطلق على انقلابه اسم "الحركة التصحيحية"، وحكم البلاد بالحديد والنار وسوء الأخلاق، وقرّب أهل طائفته لتكون البلاد بقبضتهم من دون كل مكونات الشعب، وهم لا يشكلون أكثر من 8% من عدد سكان سورية، وقد أنشأ ما يزيد على سبعة عشر فرع أمن ومخابرات، وارتكب العشرات من المجازر والمذابح بحق أهل السنة من السوريين وهم يشكلون 80% من سكان سورية، وكان أفظع هذه المجازر وأبشعها "مجزرة حماه" عام 1982، حيث دمر نصف المدينة على رؤوس سكانها وقتل ما يزيد على أربعين ألف مواطن، وشرد نحو مئتي ألف من سكانها، كما ارتكب مجزرة بشعة بحق سجناء تدمر حيث قامت عصاباته بتوجيه منه بقتل ما يزيد على 800 سجين بدم بارد، كلهم من الضباط والعلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات وطلبتها، ودخل لبنان بالتوافق مع الكيان الصهيوني للقضاء على المنظمات الفلسطينية، وزج بمعظم الطائرات الحربية السورية في معركة غير متكافئة مع الطيران الصهيوني ليتخلص من طياريها الذين يشك في ولائهم إليه، حيث تم تدمير نحو مئة طيارة سورية، دون اسقاط أي طائرة صهيونية، ففعل عبر مجازر بشعة نصبها للفلسطينيين في مخيماتهم ثم أجبرهم على مغادرة لبنان.

وقبل موته أوصى أن يكون ولده بشار خليفة له في الحكم، فكان له ذلك بعد أن عبثوا بالدستور وبمواده، والدستور لا يجيز لمن هو دون الأربعين من تسلم الرئاسة الأولى في البلاد، فجعلوها 34 سنة لتتلاءم مع عمر ابن أبيه بشار الأسد؛ ويتسلم الحكم ليأخذ البلاد إلى المجهول بكل تداعياته، ولتصبح سورية في عهده من أسوأ دول العالم تخلفاً وتردياً في كل المجالات، وعندما انطلق الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا هب شباب سورية يطالبون بالحرية والكرامة أسوة بمن سبقهم من الشباب العربي في تلك البلدان، فتصدى لهم بشار بكل ما لديه من أسلحة وعتاد، وصبر الشباب الذي لم ترهبه بنادق النظام ولا رصاصه، وجابهوها بصدورهم العارية، وقدموا مئات الشهداء في كل المدن السورية، إلى أن وصلنا ما وصلنا إليه، ولا تزال سورية وأهلها هذا حالها من سيء إلى أسوأ، وقد نكل بها العسكر تقتيلاً وتخريباً وتهجيرا، حتى توقفت وسائل الإعلام العالمية عن الحديث عن الفظائع والجرائم التي يرتكبها العسكر بحق البشر والحجر والحيوان والشجر، وقد مجوا الحديث عنها؛ وقد مضت على هذه الحالة أكثر من تسع سنوات، والعالم يرى ويسمع؛ ولكن لا حياة لمن تنادي، وقد ماتت المروءة عند العرب، وفقد الضمير الإنساني عند العالم، وكأن سورية وأهل سورية هم من كوكب آخر لا يمت للأرض وكوكبها بأي صلة، فهناك في بلدي مئات المدن المدمرة تنعق على أطلالها البوم والغربان، وأكثر من مليون شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ،  ومئات الآلاف يقبعون في السجون والمعتقلات، يموت منهم يومياً العشرات من التعذيب أو الجوع أو البرد، وملايين المهجرين والنازحين الهائمين على وجوههم في فيافي الأرض ووديانها طلباً للنجاة مما يمطرهم به مجرمي الحرب الروس حلفاء نمرود الشام من قنابل انشطارية وعنقودية وفسفورية وفراغية، ومجرمي الحرب الإيرانيين وميليشياتهم الرافضية التي جندوها؛ والذين لا يروق لهم إلا ذبح أبنائنا وبقر بطون نسائنا بالسكاكين والسواطير، إضافة إلى ما يمطرهم به نمرود الشام من براميل الموت.

هذا ما يفعله العسكر عندما يصلون إلى سدة الحكم في بلادهم، فالحذر الحذر يا شعوب العرب منهم ومن السكوت على وصولهم إلى سدة الحكم.

وسوم: العدد 864