من قواعد الشريعة الإسلامية : حديث لا ضرر ولا ضرار

وقد جعل الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث من جملة مختاراته في الأربعين. وقد لاقت هذه الأحاديث القبول عند علماء المسلمين ، فاهتموا بها وشرحوها . وحفظوها ، وحفظّوها أطفالهم . ومن أحب أن يتعرف على أساسيات التربية الإسلامية ، فيمكنه أن يجد معالمها في مثل هذا المجموع النفيس اللطيف . ومن أحب أن يجري مقارنة منهجية تربوية بين ما نعلمه أطفالنا وما يعلمه الآخرون أطفالهم ، ففي الأربعين النووية لنا كفاء . وكان من خير من شرح الأربعين وزاد عليها بروح وعلم وفقه ابن رجب الحنبلي في كتابه " جامع العلوم والحكم " وهو على الحقيقة اسم على مسمى ، ومن فاته الاغتراف من معين هذا الكتاب فليبادر ..

وقد رتب الإمام النووي حديث لا ضرر ولا ضرار تحت الرقم الثاني والثلاثين فقال:

الحديث الثاني والثلاثون : لا ضرر ولا ضرار

عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ضرر ولا ضرار"

حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما .

واعتمد نصه الفقهاء : في قواعدهم الفقهية . وقالوا وعلى هذا الحديث أو هذه القاعدة تدور أكثر شرائع الإسلام فتأمل واشتقوا من هذه القاعدة قواعد كثيرة منها أصلوها وبنوا عليها منها :

 1 - الضرر يدفع بقدر الإمكان

 2- الضرر يزال

 3- الضرر لا يزال بالضرر

 4- الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف

 5- يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام

 6- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

 7- إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع

 8- الضرر لا يكون قديمًا

وقالوا في معنى الحديث : لا يجوز لمسلم أن يلحق الضرر بالآخرين ؛ سواء كان مستفيدا من إيقاع هذا الضرر ، أو غير مستفيد . واعتبروا إلحاق الضرر بالآخر لجلب مصلحة غير مستحقة هو الضرر المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر " . كما اعتبروا إلحاق الضرر بالآخر على وجه من التحكم والهوى والكيد هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم " ولا ضرار " . فيكون الضرار على هذا فيكون الضرار حسب تعابيرنا في هذا العصر على مذهب من يقول "الضرر للضرر" أو " الفن للفن" أو " القتل للقتل " .

ومن العلماء من فهم من هذا الحديث أن سلوك المسلم الشرعي يجب أن يخرج على وجه لا يوقع فيه ضررا بنفسه ولا يلحقه بغيره . وهذا في فضاء دائرة العفو من المعاملات . فإذا كان الناس في دائرة الحقوق المفروضة فالحق أحق أن يتبع .

وحتى في دائرة الحقوق المفروضة فإن في الإسلام نظرية فقهية أخرى عنوانها : "التعسف في استعمال الحق" وهي أكثر ما تعتمد على هذا الحديث ، وتبنى عليه . ونظرية " التعسف في استعمال الحق " من أدق النظريات التشريعية الإسلامية ، التي تبنى عليها الكثير من الأحكام .

وقد عبر عنها وليم شكسبير في مسرحيته " تاجر البندقية " أجمل تعبير حيث يصر شايلوك الدائن أن يستد من لحم مدينه الحي الغارم حسب نص اتفاق موقع بينهما أخل به المدين . فشايلوك في ظاهر الأمر كان يطالب بحق ، وحسب الصك الذي بيده كان محق غير معتد ، ومع ذلك فإنه بتعسفه ذهب مثلا على جشع الإنسان وتعسفه .

وفي تطبيق عملي لواقع الناس هذه الأيام ؛ ولما كان اللقاء بين الناس مظنة الضرر أو الضرار . فإنه ينبغي للإنسان العاقل ، وللمسلم الملتزم ؛ أن يتوقى اللقاءات العامة ، والفردية إلا " لحاجة " . وكلمة " الضرورة " وكلمة " الحاجة " لكل منهما دلالة في المصطلح الشرعي ، غير دلالتهما اللغوية الجارية على ألسن الناس . اللقاء بالناس في هذا الظرف قد يضرك أو يضرهم . وإن لم يكن هناك مقتضى لا نقول ضروري ، بل نقول "حاجي" فلا ينبغي لك أن تصير إليه بل يجب علينا أن نتجنبه ونحذره ونتوقاه ما وجدنا إلى ذلك سبيلا .

اللهم نسألك اللطف بما جرت به المقادير .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 868