رسائلُ حملَها شويغو إلى دمشق

أن يستقلّ الوزير سيرغي شويغو، طائرتَه بحماية سو 57، متجهًا إلى دمشق، الاثنين: 23/ 3ـ الجاري، على الرغم من القيود التي فرضتها جائحة كرونا " كوفيد 19 "، فذاك أمرٌ قد دهى الرئيس بوتين ليلًا، و جعله يوفد وزير دفاعه ليلتقي الرئيس الأسد، برفقة رئيس وحدة المخابرات العسكرية الأدميرال إيغور كوستيوكوف، ثم ليخضع الوزير نفسه بعدها إلى فحص شامل، خشية أن يكون كرونا قد علق به و هو في دمشق، علمًا أنّه كان بالإمكان إرسال وفد على مستوى أقل، أو استخدام قنوات الاتصال لإبلاغ السوريين فحوى الرسالة.

يرى عددٌ من المراقبين أن الزيارة قد حملت في طيّاتها ثلاثة ملفات، لا تحتمل التأجيل، أو المناقشة عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة، تتمحورعلى حدّ بيان وزارة الدفاع الروسية حول:

1ـ اتفاق الهدنة في إدلب.

2ـ آليات تنفيذ هذا الاتفاق.

3ـ الوضع في شمال شرق سورية.

  و هناك من يضيف إليها أمورًا أخرى تصبّ في مجملها في رسم معالم الوضع في سورية المستقبل، مثل:

1ـ الانسحاب من مناطق كوباني و منبج و تل رفعت لصالح تركيا.

2ـ ملف الجماعات الجهادية في إدلب، و الميلشيات الأخرى التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد.

3ـ بحث المقترح التركي في الاستفادة من عوائد آبار النفط التي تحت النفوذ الأمريكي، في إعادة إعمار سورية.

وثمة ملف آخر، لا يقلّ أهمية عمّا سبق، يتعلق بملف انتشار كورونا، و وجود مخاوف من أن تكون المعطيات التي تقدمها دمشق حول الموضوع، تخفي حقائق مقلقة للروس، و بأنّ الموضوع لا يقتصر على تأمين العسكريين الروس في سورية، ووضع آليات كافية لتجنب انتشار الفيروس في المرافق العسكرية وأماكن وجودهم فحسب؛ إذ تبدو للمسألة أبعاد أسوأ من ذلك بكثير، تتعلّق بتكتّم الدوائر الصحية في دمشق على حجم هذه الجائحة، نتيجة انتقالها من إيران من خلال المقاتلين الذين ترسلهم طهران.

يرى خبراء أن موسكو قد تتجه إلى سحب جزء مهم من قواتها في حال انتشر كورونا بشكل واسع في سورية، و لابدّ من ترتيبات تضمن عدم انزلاق الوضع الميداني، و غير بعيد أن تكون موسكو قد بدأت استعداداتها لتقديم مساعدات واسعة النطاق عن طريق وزارة الدفاع إلى دمشق، لمواجهة انتشار واسع وغير معلن للفيروس، و هو التفسير الذي وجده بعض الخبراء لعبارة المساعدات الإنسانية وربطها بتعزيز التعاون العسكري التقني بحسب بيان وزارة الدفاع الروسية، في تعقيبها على تلك الزيارة.

يرى المحلل السياسيّ، رائد جبر، أنّ الوزير شويغو قد نقل رسائل حازمة إلى الرئيس الأسد، بأنه من غير المسموح تجاوز الاتفاق مع أنقرة، أو محاولة تعريضه للخطر؛ و ذلك على خلفية تلويح دمشق باستئناف القتال لاستكمال السيطرة على طريق M4، بالدفع من إيران، التي شعرت أنّها قد هُمِّشت في هذا الاتفاق.

فموسكو لا تريد استفزازًا يفجر آليات عملها المشتركة مع تركيا، خصوصًا أن الوضع مال إلى الاستقرار، وبدأ الطرفان خطوات عملية لتنفيذ الاتفاق، بعدما كان مهددًا بالانزلاق نحو السيناريو الأسوأ، بحسب وصف الكرملين.

و قد لوحظ في الأيام الأخيرة، تراجع لهجة موسكو نحو أنقرة، و باتت أصابع الاتهام توجّه فقط، إلى جماعات إرهابية غير خاضعة للأتراك، تحاول تفجير الاتفاق الروسي– التركي، مثلما أخذت على عاتقها فرملة اندفاع النظام، الذي شعر بنشوة النصر مؤخرًا.

و هنا يشير خبراء إلى أن الجانب التركي أخذ على عاتقه القيام بتصرف حاسم تجاه هذه المجموعات إذا واصلت استفزازاتها، كما ذكر الدكتور سمير صالحة، أستاذ العلوم السياسية التركي.

هذا في الوقت الذي يدور فيه الحديث  عن أطراف أخرى، تسعى إلى عرقلة تنفيذ هذا الاتفاق، إذْ تعتقد أنقرة أنّ دمشق غير بعيدة عن ذلك، بإيعاز من طهران، لشنّ عمليات قصف ممنهج على مناطق غرب M4.

وأشارت صحيفة فزغلياد الروسية إلى أن روسيا تؤمن بقوة وأهمية الاتفاقيات الدولية؛ وأنّه يجب احترام اتفاق موسكو من الأطراف جميعها، و على الأخص الجانبان: السوري والتركي.

مثلما أشارت إلى أنّ مهمة وزير الدفاع الروسي تتمثَّل في المساعدة في تحقيق هذا الهدف، ومنع وقوع أيّ اشتباك متوقع، فالأتراك ما زالوا على رأيهم في اتهام دمشق بخرق الاتفاق، و هو أمرٌ تخشاه موسكو فيما إذا أطلقت أنقرة عملية عسكرية أخرى، فمن المؤكد أنها ستعاود استخدام طائرات بيرا قدار المسيّرة، و ذلك ما سيجعل النظام أشدُّ إيلامًا من قبل.

هذا فضلًا على أنّ موسكو تدرك أنّ ما بعد كرونا، ليس كما قبله؛ فالعالم مقبل على ركود اقتصاديّ يفوق أزمة 2008، و هي ليست بوارد أن تفرّط بمصالحها الاقتصادية مع تركيا، و هي مستعدة للمقايضة بعدد من الملفات الخارجية في سبيل ذلك.

وسوم: العدد 870