إنما يكون التماس الخلاص في هدي منقذ الناس عليه الصلاة والسلام

من المعلوم أن الله عز وجل ختم الرسالات بأشرفها ، والرسل  وبأعظمهم عليه الصلاة والسلام ، وجعله رحمة للعالمين مصداقا لقوله عز من قائل : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . وفصّل محكم التنزيل في تجليات هذه الرحمة ، كما تجلت  أيضا في أحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ،ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله :

" إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا ، فلمّا أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدّواب التي تقع في النار يقعن فيها ،فجعل ينزعهن ويغلبنه ، فيقتحمن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها "

ففي هذا الحديث ، وهو عبارة عن تشبيه تمثيل تتجلى رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وحاله معهم وهو يريد انقاذهم آخذا بحجزهم من نار جهنم  كحال الذي استوقد نارا، وأخذ الفراش يقع فيها وهو ينزعها لكنها تغلبه وتقتحمها.وحيلولته صلى الله عليه وسلم دون اقتحام الناس نار جهنم إنما تحصل بالأخذ بكل  هديه المنجي في العاجل والآجل .

وإن الناس لا مندوحة لهم عن هديه في كل أحوالهم . وإذا ما كنا اليوم نواجه جائحة تهدد حياتنا وقد أوصى الأطباء بالتزام إجراءات معينة لتفادي عدواها ، فإنه يجدر بنا أن نعود إلى هديه صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا بالتداوي إذا أصابنا الداء ، وبالحجر إذا حل بنا الوباء .

ولمعالجة عدم انضباط البعض بما ينصح به الأطباء من أجل الحد من انتشار الوباء على أوسع نطاق مما  قد يسبب لا قدر الله كارثة ، لنا في هديه صلى الله عليه وسلم حلا للأخذ بأيديهم نجده في حديث السفينة المشهور الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام :

"مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا"

      فهذا الحديث ، وهو أيضا تشبيه تمثيل كما أنه يفيد في موضوع طاعة الله عز وجل وهي القيام في حدود ه عز وجل و عدم الوقوع فيها ، فإنه يصلح أن يساق اليوم وبعض الناس لا يريدون الالتزام بما يحول دون انتشار الوباء، ذلك أن حال هؤلاء كحال ركاب  سفينة مصيرهم واحد وهي تمخر بهم عباب بحر لجي وقد استقر بعضهم  في أعلاها وبعضهم  في أسفلها ، وفكر من هم  في أسفلها في الحصول على الماء من خلال إحداث خرق أو ثقب حيث هم  عوض جلبه من أعلاها بذريعة أنهم لا يريدون إيذاء  من هم فيه . فإذا ما ترك الذين في أعلى السفينة من هم  في أسفلها يخرقونها هلكوا جميعا بغرقها ، وإذا منعوهم من ذلك نجوا جميعا .

فبموجب  هذا الهدي  النبوي المتضمن في هذا الحديث، يتعين علينا أن نأخذ بأيدي الذين يستخفون بأمر الحجر في هذا الظرف  ، ولا ينضبطون له  بأعذار أو ذرائع واهية ، ونمنعهم من ذلك لينجو الجميع من آفة هذه الجائحة الخطيرة  . ولو حضر الوازع الديني  لهؤلاء المستخفين بالحجر ، وكانوا على صلة  دائمة بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا ممن يستوعبونه جيدا ،لوجدوا فيه ما يهديهم إلى سبل النجاة  من آفات العاجل والآجل ، ولما تصرفوا خلاف ما يأمرهم به كما كان شأن الذين خرجوا جماعات  متذرعين بذريعة الدعاء والضراعة ، وهم يخالفون بذلك  ما أمر به صلى الله عليه وسلم من حجر حين ينتشر الوباء المعدي حتى لا يعدي مصابون أصحّاء .

ونختم بالقول اللهم صل وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين الذي بهديه يحصل خلاص الناس . 

وسوم: العدد 870