الفصل بين الإسلام والعلم مغالطة علمانية لا تصح عقلا ولامنطقا ولا واقعا

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الداعي إلى طرق هذا الموضوع هو مقال نشر على موقع هسبريس لصاحبه إبراهيم أقنسوس تحت عنوان : "  بين الدواء والدعاء " أشار فيه إلى ما أثير حول موضوع كيفية مواجهة جائحة كورونا  بين المتدينين والعلمانيين حيث يرى هؤلاء أن الدواء ومن ثم العلم هو ما ينفع في مكافحة الجائحة وأن الدعاء والدين لا يجدي نفعا ، في حين يرى المتدينون أن المواجهة تكون بالأخذ بالأسباب بما فيها الدواء ، وفي نفس الوقت اللجوء إلى الدعاء . وقد حاول صاحب المقال أن يوفق بين الاتجاهين حيث يرى أن  هذا النقاش الفكري بينهما ظاهرة صحية وأنها مؤشر على وجود حيوية في المجتمع ، ويشترط أن يكون ذلك في جو يسوده الاحترام المتبادل والتقدير الجميل لمختلف الآراء ووجهات النظر .

وإذا ما استعرضنا هذا النقاش كما نقلته وسائل الإعلام الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي ، نجد أن ما تمناه صاحب هذا المقال من سيادة الاحترام والتقديرغائب  في النقاش بين المتدينين والعلمانيين ، ولا يمكن أن يحصل ذلك ما دامت العلاقة بين الاتجاهين يحكمها منطق الإقصاء والإلغاء .

ومن باب الإنصاف ، و بكل موضوعية وتجرد ، وبعيدا عن كل تحيز نشير إلى أن الاستفزاز جاء أولا من الاتجاه العلماني من خلال ما نشر بعض من يتحدثون باسمه والذين أنكروا لجوء المتدينين إلى الدعاء والضراعة، بينما انصرف غيرهم إلى البحث عن الدواء واللقاح . ومع أن الذين قالوا بهذا ليسوا من الذين انصرفوا للبحث عن الدواء واللقاح ، وأنهم في ذلك مثلهم مثل الذين لجئوا إلى الدعاء ، فإنهم تشددوا في رفض اللجوء إلى الدعاء ، وكأنه يعرقل جهود البحث عن العلاج . وكان هذا منهم مجرد نقاش إيديولوجي لا علاقة له بعلم أو معرفة ،بل تحينوا على عادتهم فرصة حلول الجائحة ليسجلوا هدفا في مرمى المتدينين لفائدة العلمانية التي لأصحابها طموحات في مجتمع متدين لسوء حظهم ، وهو ما يقلقهم ، ويجعل نقاشهم مع المتدينين في منتهى الشراسة والعدوانية وانعدام الاحترام .

ولقد اغتنم العلمانيون فرصة تهور بعض المحسوبين على الإسلام ممن لم يفقهوه، والذين خالفوا إجراء الحجر، فخرجوا بذريعة الدعاء والضراعة لينال بذلك العلمانيون من الإسلام ، وكأنه يدعو إلى عدم الحجر عند انتشار الوباء ، علما بأن حق السبق  في إجراء الحجر هو للإسلام كما جاء ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهى فيه عن الخروج من أرض الوباء والدخول إليها . والعالم اليوم مدين للإسلام بهذا الإجراء الذي لا يمكن أن ينكر أحد أنه على رأس إجراءات الاحتراز من تفشي الجائحة . ولقد قفز العلمانيون على هذه الحقيقة  الثابتة ليجعلوا المسلمين أوغالبيتهم كما قال أحدهم كلهم في خانة واحدة مع المتهورين الذين خرجوا في ظرف الحجر للدعاء ، علما بأن غالبية الشعب المغربي المسلم نددت بتهورهم ، وتبرأت منهم ، وتركت العلمانيين في حالة شرود كما يقال في لعبة كرة القدم .

ومع أن الدعاء كان أيضا حتى في المجتمعات العلمانية حيث نقلت وسائل الإعلام والتواصل فيديو للرئيس الأمريكي هو وبطانته  يصلون على طريقتهم ويدعون ، ونقل مثل ذلك في الفاتكان ، وغيره إلا أن العلمانيين عندنا ليس لديهم مشكل مع أشكال  الدعاء الأخرى ، وأن مشكلتهم مع الدعاء في دين الإسلام .

وما نود الإشارة إليه أن القيادة  عندنا استفت أعضاء المجلس العلمي الأعلى وفيهم فقهاء مؤهلين للإفتاء فيما يخص إغلاق المساجد لمنع انتشار الجائحة، اعتمد هؤلاء  بدورهم على رأي أهل الاختصاص في المجال الطبي ، وهذا يدل على التنسيق التام بين الطرفين .

وهذا يفضي بنا إلى نقض مقولة الفصل بين الإسلام والعلم كما يدعي العلمانيون الذي يزعمون أن العلمانية والعلم توأمان بينما لا توج علاقة بين  العلم والإسلام . ومع أن علاقة العلم بالإسلام لم يعد أحد من المنصفين حتى من خارج دائرة الانتماء إليه ينكرها بله  ينكرها من ينتمون إليه .

ولسنا في حاجة إلى إثبات أن الإسلام دين يقوم على أساس العلم ،وقد تولى القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بيان ذلك بشكل مستفيض لا يجهله إلا من يستنكف عن الاطلاع عليهما اطلاعا يقتضي معرفة باللسان العربي بشكل جيد من خلال التسلح بما يسمى علوم الآلة من نحو وصرف وبلاغة ، كما يقتضي إلماما بعلوم القرآن وعلوم الحديث ، وكذا إلماما بمختلف العلوم ،لأن القرآن الكريم كما يعرفه أهل العلم سفر مسطور يحيل على سفر مشهود هو الكون ، وإحالة السفر المسطور على السفر المشهود هو أقوى دليل على العلاقة الموجودة بين الإسلام والعلم .  وأيما مسلم لا يطلب العلم وهو فريضة يعتبر مخلا بواجبه الديني ، ولا يتحمل الإسلام إخلاله بواجبه ، ولا يمكن أن يحسب عليه ، أو يسمح له بالتذرع به  التذرع الباطل لتبرير ما يصدر عنه من جهل أو خرافة أو دجل ، كما أنه لا يسمح لمن ينكر علاقته بالعلم أن يشيع ذلك في الناس لصدهم عنه لأن الصد عنه هو صنو الجهل والخرافة والدجل .

ونأمل أن يفضي هذا النقاش الذي أثير بمناسبة حلول جائحة كورونا إلى مراجعة كل طرف موقفه من الإسلام بحيث يكف العلمانيون عن النيل منه و استفزاز أهله ، وتلفيق التهم الباطلة لهم بالجهل والتخلف ومعاداة العلم ... ، ويكف الجاهلون به من المحسوبين عليه الجهل المركب عن إعطاء الفرص المجانية  للعلمانيين للنيل منه ظلما وعدوانا من خلال تحميله مسؤولية ما يصدر عنهم من جهالة  ، ويزداد العالمون به علما ، ويقينا بأنه الدين الحق المؤيد بالعلم والعقل والمنطق والواقع وهؤلاء أوثق الشهود الذين لا يطعن في شهادتهم إلا جاهل أو منكر أو مكابر وهؤلاء لا يعتد بهم .

وفي الأخير نقول للعلمانيين عليكم بالاشتغال بعلمانيتكم ، ولتكن عندكم نفس الشجاعة التي لغيركم في البلاد التي تعلن علمانيتها  في دساتيرها للتصريح بأنه لا صلة لكم بالإسلام ،الذي شعاره لكم دينكم ولي دين . اتركوا الإسلام جانبا وحاولوا إقناع غيركم بوجاهة وصواب علمانيتكم إن استطعتم وما تستطيعون  ذلك في بلاد الإسلام ،وما ينبغي لكم ، ولا تحاولوا حشر الإسلام في الدعاية لعلمانيتكم ، وجعله قربانا لها .

والحمد لله التي تتم بنعمته الصالحات ، والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 870