تنبيه الغافلين عن أهمية اللجوء بالدعاء والضراعة إلى رب العالمين حين نزول البلاء المبين

حديث الجمعة  :

لقد ملأت جائحة كورونا الدنيا ، وشغلت الناس ، فخاضوا في أمرها كل خوض ، ومن خوض بعض الغافلين إنكارهم على المسلمين اللجوء إلى دعاء رب العالمين لكشف الوباء . ولولا غفلتهم لما فكروا في طرق هذا الموضوع أصلا لأنه من صميم اعتقاد المسلمين ، ولكن السفاهة كاسمها كما قال الشاعر النابغة الذبياني .

وتنبيها لهؤلاء ، وتذكيرا لعموم المسلمين كان لا بد من تناول موضوع الدعاء كما جاء في كتاب الله عز وجل .

وبداية لا بد من الإشارة  الى المعنى اللغوي لكلمة " دعاء " قبل تناولها كما جاءت في كناب الله عز وجل . والدعاء من فعل دعا يدعو إذا نادى أو صاح أو أذّن أو أمر أو حثّ أو استضاف أو طلب أو ابتهل أو تضرع  أو استنجد أو استجار أو عبد وأطاع  أو هدى أو ضل وأضل  ...

وهذه الدلالات وغيرها تأتي في كتاب الله عز وجل في سياقات مختلفة نذكر منها ما يلي :

ـ دعاء خاص بالله عز وجل كما جاء في قوله تعالى :

((  والله يدعو إلى دار السلام )) ، وهو دعاء أو دعوة إلى طاعته وعبادته المفضية إلى الجنة ، وهو عبارة عن أمر منه سبحانه  فيه ترغيب

ـ دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في قوله تعالى : ((  وإنك تدعوهم إلى صراط مستقيم )) وقوله أيضا  ((  قل هذه سبيلي أدعو إلى الله  على بصيرة أنا ومن اتبعني )) ، وهو دعاء أو دعوة  منه صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الله عز وجل وعبادته أيضا وهو ما يفضي إلى الاستقامة ، كما أنه أمر  فيه ترغيب أيضا .

ـ دعاء ملك كريم عليه السلام  كما جاء في قوله تعالى :

((  يوم يدع الداع إلى شيء نكر )) ، وهو عبارة عن نداء يوم القيامة  حين يبعث الناس .

ـ دعاء إبليس اللعين كما جاء في قوله تعالى :

(( أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير )) وهو دعاء أو دعوة إلى الضلال ، وهو عبارة  عن إغواء  يفضي إلى النار .

ـ دعاء الكفار و المشركين كما جاء في قوله تعالى :

(( أولئك يدعون إلى النار )) وقوله أيضا : ((  وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ))  وهو دعاء أو دعوة إلى الضلال كدعاء إبليس اللعين ، وهو عبارة عن استدراج  يفضي إلى جهنم .

ـ دعاء المؤمنين كما جاء في قوله تعالى :

(( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير )) وهو دعاء أو دعوة إلى صالح الأعمال ، وهو عبارة عن  تحفيز .

وتتعدد معاني الدعاء في كتاب الله عز وجل إلا أننا نركز على الدعاء بمعنى الطلب والضراعة والاستغاثة والاستنجاد ، وهو ما أنكره بعض السفهاء على الذين توجهوا بالدعاء إلى الله عز وجل لرفع البلاء النازل بهم ، وقد قلل هؤلاء  من قيمة الدعاء ، وقالوا بالاقتصار على الأسباب في مواجهة الوباء مع نسيان التوجه بالدعاء إلى رب الأسباب  سبحانه وتعالى .

وأول ما يثير الانتباه هو أن الله تعالى تعبدنا بالدعاء ، وما الصلوات الخمس إلا دعاء يومي ، ولا تصح تلك الصلوات إلا بفاتحة الكتاب ، وهي عبارة عن دعاء لقنه الله تعالى  بنفسه للمصلين أو الداعين  . والأمر بدعاء الله عز وجل في كتابه الكريم واضح وجلي إذ يقول سبحانه وتعالى  :

((  وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) فهذا أمر إلهي بالتوجه  إليه  بالدعاء لتحصل منه الاستجابة . ولو وقفنا عند هذا الأمر لكفى ردا مفحما على منكري الدعاء الساخرين ممن يدعون ربهم، ولكن لا بأس من تأكيده بقوله تعالى :

(( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ))  وقوله تعالى أيضا : (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه  ويكشف السوء )) . وواضح من سياق هذه الآيات أنه لا مندوحة للإنسان عن دعاء خالقه سبحانه وتعالى لأنه يضطر إلى ذلك اضطرارا حين يحل به السوء أو الضر .

وقد ورد في كتاب الله عز وجل ذكر بعض حالات الاضطرار إلى التوجه إليه سبحانه بالدعاء  كقوله تعالى :

(( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ))  وقوله أيضا : (( وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ))  ، فطالما أن السوء أو الضر يمس الإنسان أو الناس  فلا مندوحة لهم عن الإنابة أو الرجوع إلى خالقهم سبحانه وتعالى يدعونه لكشف  السوء أوالضر عنهم .  وتكرر ذكر نوع الضر الذي يمس الناس في البحر والبر على حد سواء ،ومن ذلك قوله تعالى : ((  قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية )) ، وقوله أيضا : (( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين )) وقوله أيضا : (( وإذا مسكم الضر في البحر ضل ما تدعون إلا إياه )) وقوله أيضا : (( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )) . هذا حال الناس مع دعاء الله عز وجل إذا ركبوا أهوال البر والبحر وخافوا على أنفسهم من الهلاك . ولا زال الناس منذ كانوا إذا ركبوا بحرا أو ساروا في بر دعوا الله لينجيهم قبل وبعد أن يهددهم خطر من الأخطار ويشتد دعاؤهم إذا ما هددهم . أوليس كل الناس إلى يومنا هذا إذا ركبوا البحر أو الجو  أو البر  يدعون الله عز وجل ليحفظهم من الهلاك ؟  ولا نشك  البتة أن السفهاء الذين أنكروا الدعاء  وهم مسافرون  في بر أو بحر أو جو لا يدعون الله عز وجل  مع الداعين إذا ألم بهم خطر، وإن زعموا عكس ذلك فهم كاذبون وصدق الله العظيم ، وإنهم حينئذ لممن قال فيهم الله عز وجل : ((  وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه  أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه )).

وإذا كان السفهاء  ـ ونسأل الله ألا يؤاخذنا بما يقولون و ما يفعلون ـ يسخرون من الدعاء ، فإن رسل الله وأنبياءه صلواته وسلامه عليهم أجمعين لم يستنكفوا عن دعائه كما ورد ذكر ذلك في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام  : (( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر )) وقوله تعالى حكاية عن كل الأنبياء والرسل : ((  إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين )) .

فإذا كان هذا هو حال رسل الله وأنبيائه صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وقد أكرمهم سبحانه وتعالى بالعصمة ، فما بال غيرهم ممن لا عصمة لهم لا يدعونه رغبا ورهبا وهم خاشعون ؟

ولم يستنكف عباد الله المتقون عن التوجه إليه سبحانه وتعالى بالدعاء كما جاء في قوله جل وعلا : ((  تتجافى جنوبهم عن المضاجع  يدعون ربهم خوفا وطمعا  ومما رزقناهم ينفقون )) . وإذا كان هذا هو حال هؤلاء وهم من الصالحين فما بال  المذنبين ؟

ولقد ورد في كتاب الله عز وجل أن الذين يستنكفون عن دعائه في الحياة الدنيا يضطرهم عذاب الآخرة إلى الدعاء الذي كانوا يستنكفون عنه كما جاء في قوله تعالى : ((  وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب )) وذكر سبحانه وتعالى أنهم  حتى في حياتهم الدنيا إذا مسهم عذاب أو ضر يلجئون إلى من يظنونه مستجاب الدعاء كما جاء في قوله تعالى  حكاية عن فرعون وقومه :

 ((  ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز  لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )) .

ولقد أيقن رسل الله عز وجل أنه لا شقاوة مع دعائه سبحانه وتعالى كما جاء في قوله تعالى  حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام  : ((  وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا )) .

وفي الأخير نتساءل هل بالفعل يتصفح  كتاب الله عز وجل السفهاء الذين سخروا ممن  دعوا الله عز وجل وتضرعوا إليه لكشف البلاء  كما زعم بعضهم مدعيا الادعاء الكاذب أنه قضى سنوات في دراسته ؟ فلو أنه فعل ذلك بالفعل  لما  تجرأ على الاستخفاف بدعاء  الله عز وجل إذا نزل البلاء .

اللهم إننا نبرأ إليك من السفهاء الذين أنكروا التوجه إليك بالدعاء ، وندعوك دعاء رسولك أيوب عليه السلام : ((وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين )) ربنا مسنا ضر الجائحة وأنت أرحم الراحمين فاكشفها عنا  وعجل لنا ببشارة كشفها فإنه لا يكشف السوء إلا أنت سبحانك لا إله إلا أنت إنا كنا ظالمين وأنت  أرحم الراحمين الذي لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء . والحمد لك سبحانك كما ينبغي لجلال وجهك ، وعظيم سلطانك ، والصلاة والسلام على خير خلقك وأشرفهم  سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ويرحم الله من دعا وقال آمين .

وسوم: العدد 871