القول البديع أهديه إلى الحّمّل الوديع في قول العرب " عبد العصا "

وفي الرواية في كتب السيرة ، وعند البخاري وغيره من المحدثين ، أن سيدنا العباس  قال لسيدنا علي رضي الله عنهما  ، في مرض الرسول الكريم ، وبعد رؤية العباس الموت في وجهه صلى الله عليه وسلم ، " إنما أنت بعد ثلاث عبد العصا " ولكي لا يتشعب عليّ المقام ، وأحشر نفسي في اللجاجات المذهبية ؛ لن أعلّق على الواقعة ككل ، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى معنى قول سيدنا العباس رضي الله عنه "عبد العصا ".

وقول العرب : عبد العصا ..

وهو كناية من كناياتهم ، عن الرجل المغلوب على أمره ، الذي يتحكم فيه غيره ، ثم يكون من أمره أنه لا عرف ولا نكر ، يتكفأ الناس ، ويتكففهم طلبا لأمن أو حرصا على شفقة ، ولا يكاد يجد له بين الناس منبرا للسيف أو للقلم . قال الشراح للكناية من أهل الحديث " أن يصير الإنسان تابعا لغيره ، ويصبح مأمورا ، أو متأمرا عليه ، بلا عز ولا حرمة بين الناس ..."

وأرى بعض من هم أهل الأهل في موطني " عبيد العصا " كما قال سيدنا العباس ، أشتاتا أشتاتا ، لا يكاد يجمعهم رأي ، ولا يضمهم موقف ، وقد طمع فيهم من لا يدفع عن نفسه ، وأعان عليهم من وجب في عنقه حق نصرتهم ..!! إن قالوا : نعم ..تشظت عليهم حتى ظنوا أنهم قد أثموا وهلكوا وأهلكوا .. وإن قالوا : لا .. انقلبت " لاؤهم " عليهم إلى مشنقة فعلقوا عليها ..بأيديهم . ولو أنشدوا :

نحن الكرام السابقون إلى العلا قبلا وبعدا ..

لكان حريا بهم أن يصدقوا وأن يصدّقوا ..

 ولكن لأمر قد قضي ، وسهم قد نفذ حتى باتوا في أمرهم حائرين ، لا يدرون ما يأتون .. وما يدعون ، وانقلب عليهم بعض من تعلق بهم فلا يعجبهم شيء ، ولا يرضيهم شيء ، كما كان حال من تعلقوا بسيدنا الإمام علي إن قال قاتلوا في صيف قالوا,,, وإن قال قاتلوا في شتاء قالوا .. وحدثنا من خرج من سجن تدمر من إخواننا أنهم كانوا على غمضة عين أو انتباهتها .. وهذا وذاك ونحن في فضاء نزعم أنه يذهب بنا إلى حرية اعتقاد ورأي وتعبير !!

وتذهب النفس ، ولا شك ، حسرات على قوم أداروا خدا وخدا وتنازلوا عن معطف ورداء بل عما دونهما أيضا .. فما أرضوا ولا بلغوا . وكان يعجبني مما حفظت قول رشيد سليم  الخوري :

إذاما رمت رفع الضيم فاضرب      بسيف محمد واهجر يسوعا

احبوا بعضكم  بعضا وعظنـا       بها ذئبا فما  نجت قطيعـا

فيا حملا  وديعا لم يخلــف        سوانا في الورى حملا وديعا 

أنظر إليهم وما تزال خيرة الخيرة منهم على قلب رجل واحد فيهم ، ولكن قد آل الأمر ، ولله الأمر من قبل ومن بعد إلى ما قال الأول :

عيوا بأمرهم كما ... عيّت ببيضتها الحمامة

وإنما هم وهذا الحال  كما الفرزدق وابن اسحق النحوي ...

وكان الفزدق همام بن غالب سليل بيوت العز من تميم ، وتعلق به ابن اسحق النحوي يتعقبه فيخطئه في شعره ؛ قالوا فدخل أبو غالب الفرزدق يوما المسجد ، مسجد البصرة ، فقال : أين هذا الذي يجرجر خصييه في المسجد ويقول أخطأ الفرزدق ...!! . قال له ابن اسحق ها أنا ذا ..فرد عليه الفرزدق بعنجهية العربي التميمي

ولو كان ابن اسحق مولى هجوته .. ولكن ابن اسحق مولى مواليا

ويجيبه ابن اسحق : أخطأت ..أخطأت إنما هي : موال موالٍ ..

ويحسم الفرزدق : همام بن غالب القضية بقوله  :

لي أن أقول ، وعليك أن تخرّج ..

وبهذه الثقة التي تملأ العقل والقلب  تصلح الأمور ، وتنضبط المسيرة ، ويتضح وجه الحق ..وعاب ربنا على السماعين بقوله ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) وشدد على من يظن ويخال ويحسب فقال ( وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) والإنكار ليس كما هو في ظاهر الخطاب على الرسول ..ولكن على من لا يزال يقول قال فلان وقال فلان يعتد على المسلمين بقول أعداء الإسلام !!

والقول الفصل

ليس من شأننا أن نحمل العصا على الناس ، فقد ثار السوريون جميعا ضد من حمل العصا عليهم  .

وثرنا ضد  الذي فرض على شعبنا ترخيصا أمنيا لافتتاح صالون حلاقة ..أو محل لبيع الفلافل أو مكتبة لبيع الكتب ..ليس لنصير إلى من يريد أن يفرض علينا طلب رخصة أمنية لحضور مأتم من فرح أو عزاء ..!!

يا أهل الإسلام .. يا أبناء الإسلام .. أيها الناطقون باسم الإسلام ..

امتلكوا رأيكم ، واجهروا به .. ودافعوا عنه ، فإنما تؤخذ الدنيا غلابا ..

ادفعوا عن أنفسكم كل حمالي الحطب ، من المشائين بالفتنة .. المسعرين لنارها فهم إن كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ..

وشر الأربعة فيما قالوا : ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم .. فذاك الداء الدوي وكورونا كوفيد 99 .. أجمل ما تقول له : وكل بيمينك وكل مما يليك ..

ووالله لباعة لفائف الفلافل على عرباتهم القديمة في ساحات مدننا العريقة ، لأنضر وجها ، وأكرم محتدا من كثير من باعة المقالات والمنشورات والتغريدات ..

أقول لكل سوري حر احذر أن تكون عبدا لعصا بعد اليوم .. ولو كانت العصا ألسنة الشانئين أو الجاهلين أو المتربصين الحداد ..

(وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 871