فتح مكة .. أسرار وعبر

لفهم فتح مكة يستلزم الوقوف على جملة من النقاط تتعلّق بعظمة الفتح، وهي:

1.   حين هاجر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من وطنه مكّة خاطبها بحزن شديد: لولا أنّ قومك فرضوا علي الهجرة ماهجرت. وظلّت هذه الحرقة تراوده طيلة تواجده بالمدينة إلى أن جاء اليوم الذي حقّق له الله تعالى أمنيته في العودة إلى مكة. إذن فتح مكة هو عودة إلى الديار التي طرد منها رفقة أصحابه رضوان الله عليهم جميعا.

2.   تعتبر مكّة المركز. وقوّة العرب بمكة. ومكّانة مكّة بمكانة الكعبة. والكعبة بيد قريش. أي القوّة بيد قريش. وفتح مكّة معناه تحويل القوّة المتمثّلة في الكعبة ومكّة إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم باعتباره الحاكم الجديد رفقة أصحابه رضوان الله عليهم جميعا لأنّه من ملك المركز ملك القوّة.

3.   العهود تحترم. ومن غدر وقتل وجب التعامل معه بضربة قاضية حتّى يكون عبرة لمن تسوّل له نفسه العبث بالأرواح، وأنّ الغدر يستوجب تجييش الجيوش وإعداد القوّة الضاربة. وهذا مافعله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين لم يترك الفرصة لقريش لاستعادة أنفاسها بعد الغدر بحلفائه فأعدّ الجيش وباغتهم في ديارهم ودون سفك دماء.

4.   طهّر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكعبة من الأوثان التي كانت تعبد من دون الله تعالى. وهي رسالة لتطهير المجتمع والكتب والتراث والزعامات والأماكن المقدّسة والهيئات المختلفة والأفكار والتصرفات والمواقف من الأوثان البشرية التي استحكمت في الرقاب باسم المقدّس وتحت أيّ اسم من الأسماء التي تعود للعائلة والنسب الشريف والمكانة العلمية والسّلطان والنفوذ والمال والثورة، وغير ذلك من الألقاب التي تحوّلت إلى وثنية تنهب البلاد وتستعبد العباد.

5.   مالفت انتباهي أنّ زوجة عكرمة بن أبي جهل أخذت الأمان لزوجها عكرمة بن أبي جهل.  وأم هانئة تجير الحارث بن هشام. كما جاء في كتاب "نور اليقين في سيرة سيّد المرسلين". مايعني مكانة المرأة لأن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل العهد الذي قدّمته للرجال الذين كانوا على عداوة مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنّها تساوي الرجل في تقديم العهد بالأمان ولو كانت لعدو. والمسألة لاتتعلّق بأمور خاصّة بالنسوة حتّى يقال أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذ برأيهن، بل تتعلّق بأمور في غاية الخطورة وهي العهد بالأمان لأعداء الأمس وفيما تعلّق بالأرواح والممتلكات وتخريب الديار وسفك الدماء والطرد من الديار والاستحواذ على الخيرات. إذن مكانة المرأة في الدماء والأعراض والممتلكات هي نفسها مكانة الرجل ويأخذ بعهدها وجوارها في المسائل الخطيرة جدّا كما يأخذ بعهد الرجل وجواره في المسائل الخطيرة جدّا. ومن هنا كانت عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

6.   أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم باعتباره الحاكم الجديد أن تهدم أصنام العزى وسواع ومناة، بالإضافة إلى تلك التي حطّمها بيديه الشريفتين في جوف الكعبة. مايعني أنّ إصلاح المجتمع يبدأ بهدم رموزه الفاسدة المفسدة والتي بسببها تمّ سفك الدماء ونهب الخيرات وانتهاك الأعراض. والأصنام من البشر أخطر من الأصنام من الحجر، لذلك وجب هدمها ونسفها خاصّة حين تستغلّ الدين والنسب والجهاد والعلم والسياسة والنفوذ والمال والتّاريح لاستعباد النّاس والاستيلاء على الخيرات.

7.   جاء فتح مكة بعد صلح الحديبية ومراسلة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم للملوك. مايعني من الناحية السياسية أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن الجبهة الداخلية والجبهة الخارجية . فكان فتح مكة دون اعتراض من الداخل أي من قريش صاحبة الأرض ولا من قوى أجنبية معادية تمنعه من فتح مكة.

8.   أسلم أبو قحافة أب سيّدنا الصّديق رضوان الله عليه في فتح مكة. مع العلم، لم يعرف عن سيّدنا الصديق رضوان الله عليه أنّه تلقى معارضة من أبيه بل تلقى منه كلّ الدعم. ولم يعرف عن أبيه أنّه كان من المحاربين لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا من المضطهدين ولا المستهزئين بأسيادنا الصحابة الذين أسلموا. إذن أب سيّدنا الصّديق أفضل الصحابة جميعا وأوّل من أسلم من الرجال وثاني اثنين إذ هما في الغار وأوّل خليفة للمسلمين يكون آخر من يسلم ويدخل الإسلام.

وسوم: العدد 876