الكُفْرُ .. وَالسِبَابُ -1

د. حامد بن أحمد الرفاعي

ما هُو الكُفْرُ .. وَكَيْفَ نَفْهَمُه لُغَويٍّا ..؟ في عام 2004م عُقِدَ مُؤتمرٌ لِحوارِ الحَضَاراتِ في جَزِيرةِ رُودوس - اليونان.. حيث شاركتُ ببحثٍ بعنوان:(الإسْلَامُ وَتَكَامُلِ الحَضَاراتِ).وبعدَ إلقاءِ بَحثي جَاءَني أحدُ المُشْاركين وقَدَّمَ نفسَه:(البروفيسور كلارك من شيكاغو) وأهداني كِتَابَه (حِوارُ الحَضَاراتِ) ثم قال: بروفيسور رفاعي: لدي سؤال أتَرَددُ في طَرحِه.. قلت: وما هو سؤالك..؟ قال: لديكم في القرآن آيةٌ عظيمةٌ تَنْهاكم أنْ تَسبوا مُعْتَقداتِ الآخرين.. وقرأ قول الله تعالى: " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ". ثم استطرد ليقول: لكنَّه في آيات أخرى يعود القرآنُ نَفْسُه فيَسْبُنا ويصفُ غيرَ المُسلمين بالكُفَّار.. هَل لَديِّكُم مَا يَحلُّ هَذَا الإشْكَالَ..؟ فقلت : أشْكُركم علَى هَذا السُؤال القيِّم وباختصار أقول: إنَّ عِبَارة (كُفْر) في اللُغَةِ العَربيَّةِ ليست سُبَّةً.. إنَّها وصفٌ لِموقفٍ من حقيقةٍ أمرٍ ما.. والكَافِرُ بالُّعرَبيَّةِ يعني (الساتِرُ)،ومنْ أسماءِ الليِّلِ (الكَافِرُ) لأنَّه يَسترُ الضياءَ.. والزُرّاعُ هم الكُفاّرُ لأنَّهم يَطّمرونَ البذورَ تحتَ التُرابِ.. وأهلُ الكُفورِ هم أهلُ القُبورِ لدفنهم في باطنِ الأرضِ.. ومنْ المُوافقاتِ اللطيفَةِ.. أنَّ عِبارةَ ( كفر) بالعربيِّةِ والإنجليزيِّةِ لها دلالاتٌ مُتطابِقةٌ (يُغطّي أو غِطاءٌ (Cover)..إذاً الكَافِرُ بالعربيَّةِ: هو منْ غابت عنَهُ حَقيقةٌ أمرٍ ما.. وعلى وجهِ الخصُوص من غَابت عنهُ حَقيقةٌ دينيِّةٌ ما.. وكُلُّ أهلِ ديانَةٍ يَصفون منْ يُخالِفُ اعتقادَهم بالكُفّرِ, وهذا واقِعٌ مُتبادلٌ بينَ أتباعِ الأديانِ.. قال: ألا يُزْعِجُك لو قُلت لك يَا كافر..؟ قلت: لا بل أشكرك .. قال: لِمَ ..؟ قلت :لأنَّ تِلك شهادةٌ مِنْك بِأني أكفرُ بِما عِنْدَك مِمَّا يَتعارضُ ويَتناقضُ معَ إيمَاني واعتِقَادي ..وأنت يَنْبَغي ألا يُزْعِجُكَ إذا قال لك مسلمٌ (يا كافر) فذاك شهادةٌ مِنه أنَّك لا تؤمن بالإسلام.. وهل أنت تُؤْمِنُ بالإسْلامِ قال: لا.. قلت: إذاً كِلانا يَكْفرُ بِالآخر أليس كذلك ..؟ قال : الواقع يُؤكدُ ذلك.. ثم قال: دَعْني أشْكُركُم علَى هَذا التوضيحِ المُقَدَّرِ والمُقْنِعِ والمُنْصف (استمع إن شيئت فديو:(https://youtu.be/MmDLdV6_pLw 

 ) وَأخْتِمُ بتَأكيدِ ما يلي: الكُفرُ بالإسلامِ نُوعان: كفرٌ حميدٌ يَنقُلُ النّاسَ منَ الظُلماتِ إلى النُورِ.. وهو الكُفرُ بِما هم مِنْ دُونِ اللَّهِ تعالى لقوله تعالى: " كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ". وكفرٌ خبيثُ يَنقُلُ النَّاسَ من النُورِ إلى الظُلماتِ.. وهو الكُفرُ باللهِ تعالى لقوله جلِّ جلاله: "وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ".

وسوم: العدد 877