عقائد باردة

رغم أن العقائد التي تتبناها الكثير من الفرق البارزة في علم الكلام، تأخذ مسحة إسلامية واضحة ويتم تكييف النصوص ذات الصلة لكي تتولى تأصيل رؤاها الفكرية، إلا أنها في الواقع العملي تفتقد للقدرة على زراعة الإيمان الحي في القلوب، الإيمان الذي يزرع المهابة من الله ويدفع المسلم للدوران حول فلك الإسلام في محراب الكون، الإيمان الذي يثمر الصالحات في مختلف ميادين الاستخلاف وصناعة الحياة، فهي عقائد باهتة في مبانيها وباردة في معانيها، تُحسن خلق شخصيات لا تجيد العمل بل تجيد الجدل، ولا تحسن إبراز القواسم المشتركة التي يأتلف حولها المسلمون وإنما تبرز المختلف وتنتج عوامل الخلاف وتعلي من أسباب احتكار الحق والحقيقة، وتدعو إلى تفعيل الولاء والبراء في قضايا لا تجلب نفعاً للأمة ولا تدفع عنها ضراً. والغريب أن هذه العقائد التي ابتدعتها الفرق الكلامية، بتكلف شديد ومضاهاة لفرق ظهرت في ديانات سابقة، لم تتعرض للنقد المستحق في عصرنا الذي وصف بأنه عصر الصحوة الإسلامية. ويبدو أن هذه الآفة تقف وراءها عوامل عديدة، ومن أهمها ارتداء التقاليد العلمية والسلوكية الموروثة لثوب الدين نفسه في ظل شيوع كبير للأمية الفكرية وسط قطاعات عريضة من المسلمين، ولهذا فإنها تمتلك سطوة كبيرة بين عامة المسلمين، ولا سيما في هذه الظروف التي تتعرض فيها ثوابت الأمة لعواصف شديدة من جهات واتجاهات متعددة، حيث يخشى الناقدون من إدخالهم ضمن الحاقدين.

وسوم: العدد 881