ذكرى الرئيس مرسي بين الحسين وسيزيف

clip_image002.jpg

مرت منذ أيام ذكرى استشهاد الرئيس المصري المنتخب الوحيد على مدى تاريخ مصر الممتد منذ أكثر من ثمانية آلاف سنة، الرئيس الذي جاء بعد ثورة شعبية هي الثانية في العصر الحديث بعد ثورة 1919، ثورة أطاحت بواحد من أعتى الدكتاتوريات التي عرفتها المنطقة في ذلك الوقت فقد كانت القبضة الأمنية وطول مدة حكم مبارك وتمكنه من مفاصل الحكم تشي بأن ما حدث في تونس لن يكون أبدا في مصر، لكنه كان، ورغم محاولات دولة مبارك الإيقاع بالثورة إلا أن الشعب كان أكثر وعيا واستمر حتى سلم البلاد لرئيس منتخب مثل الثورة بشكل أو بآخر، لولا ضيق أفق البعض، لكن الرجل وفي أول خطاب له أكد أنه سيكون ممثلا حتى لمن لم ينتخبه من أبناء الثورة، وسيكون معولا في هدم دولة مبارك لبناء مصر الجديدة.

لقد كان الرئيس محمد مرسي مثالا للرئيس الرباني، وقد تكون شهادة الوزير أحمد مكي، وزير العدل في حكومته – الذي استقال على خلفية مطالبة الشعب تطهير القضاء من الفاسدين، وهو ما رآه الرجل تجريحا وإهانة لمرفق العدالة! – شهادة إنصاف للرجل الذي قدم رقبته فداء لقطرة دم مصرية، ولكن رد فعل المؤمنين بالثورة والباقين على عهدها والمناضلين من أجل تحقيق أهدافها رغم كل الأحداث والسنين كان متباينة.

فمنهم من رأى في شهادة الوزير أحمد مكي إنصافا للرجل وتأكيدا على مآثره وتورعه وفهمه لمآلات الأمور ليس في الدنيا، ولكن في الآخرة، وهي الحيوان، فقطرة دم واحدة من مصري تهدر بيد أحد جنوده، تعني خلودا في النار، وهو ما يعني أن الرجل كان زاهدا في الحكم غير طامع فيه كما يحاول الانقلابيون أن يشيعوا، أو كما قال قائد الانقلاب في أول خطاب له بعد الانقلاب (مرسي أخذ السلم معه فوق) في إشارة إلى أن الرئيس أراد الاستحواذ بالسلطة، وهو ما دحضته شهادة المستشار مكي، في أكثر من موقف، الشهادة التي أكدت أن الرجل كان حريصا على تمكين الشعب وترسيخ الديمقراطية، وهو ما جعل أنصاره يتباكون بكاء أتباع الحسين على شهيد كربلاء.

في المقابل رأى بعض أنصار الثورة أيضا والمؤيدين للرئيس أن شهادة وزير العدل هي إدانة للرئيس وإظهارا لضعفه أو (دروشته) فالبلاد لا تحكم بالوعظ والإرشاد، وأن حجة أن الرئيس كان وحيدا بدون أجنحة للحكم مردودة، وضربوا في ذلك مثلا بالسادات الذي تآمر عليه رجال عبد الناصر وأرادوا الإطاحة به فالتهمهم التهاما في العصر قبل أن يأتي وقت عشاؤهم، فالحكم في رأي هؤلاء يعنى القوة والمهابة، فلا يعني الجماهير أن تعرف أن الرئيس لا يأكل من طعام القصر أو يسكن في شقة بالإيجار، وهو ما جعل أصحاب هذا الرأي كسيزيف في الأسطورة اليونانية الشهيرة الذي حكمت عليه الآلهة أن يحمل الجلمود إلى أعلى الجبل لتتدحرج فيعود ليحملها ويعيد الكرة أبد الدهر.

وبين الكربلائية والبكاء على اللبن المسكوب، وبين جلد الذات وإبراز النواقص ضاع مؤيدو الثورة في التيه، مرت سبع سنوات ولا أتمنى أن نتم الأربعين، أزمتنا نحن العرب وعلى الرغم من أن الله جعلنا أمة وسطا، أبينا إلا أن تحركنا المشاعر سلبا، فالأمة الوسط هي تلك التي لا إفراط وفي عملها ولا تفريط، هي التي تأخذ بمنهجها من مشرعها الأول بغير هوى مضل ولا تفريط مذل، فلا تفرط فتميع ولا تتشدد فتضيع، الفرد فيها محفوظة حقوقه بين الجماعة، فالجماعة لا تلغي الفرد فيعزل، ولا ترفعه فيقدس.

الكربلائية وجلد الذات صنوان ينبعان من شعور سلبي يتنامى دائماً في أوقات الهزائم والاحباطات بسبب مناخ الهزيمة فيهرول البعض إلى التأبين والمرثيات وإظهار المآثر، ويروح البعض إلى سبر أغوار الأخطاء وإبرازها لكي يجد شماعة يعلق عليه إخفاقات الماضي، وبين هؤلاء وهؤلاء تقف فئة قليلة خافتة الصوت في ضجيج الفريقين، تنادي بنقد الذات لا بجلدها بنصرة الحسين لا  البكاء عليه، فنقد الذات شعور إيجابي يبحث عن مواطن القوة وينميها ويتحسس مواضع الضعف فيجبرها، ومع ذلك فإن نقد الذات ليس مربوطا بوقت ولا زمن، وقد تكون هذه فرصتنا لنقف مليا عند حالنا ونعلم أننا بعيدون بعض الشيء عن تشخيص حالنا، فالوقت يمر والشقة تتسع وعلينا أن نضيق الخرق على الراقع حتى يسهل عليه رتقه.

وسوم: العدد 882