إنهم شهداء المجزرة الرهيبة في سجن تدمر الصحراويّ!..

أنصتوا!.. ألا تسمعون صدى تكبيراتهم؟!..

كنتم -قبل اغتيالكم على أيدي الزمرة الأسدية الآثمة- ماضين في طريق الله وحده لا شريك له، ثابتين على صراط الحق أبداً.. لا تتزحزحون!..

أيها الليوث الذين لم تتعبوا وأنتم تَشُقّون دربَ الحرية، وتجترحون النورَ من دُجى الظُلُمَات!..

يا مَن وقفتم وِقفة العِزّ شامخين بوجه الظلم والطغيان، تحملون إسلامَكم في أفئدتكم، وقرآنَكُم في قلوبكم، ونَارَكُم في صدوركم!..

يا مَن لم تُبالوا بأشواكٍ أو مِحَن، فتقدّمتم الصفوف تَحمون وطنكم وشعبكم من أبناء إبليس، وليس أمامكم إلا الجنة أو الفوز!.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).

أنتم الأمّة.. الذين حملتم عِبْءَ شعبٍ جريحٍ مضطَهَد!.. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120).

أيها الأحرار، الذين لم يرضوا بالذلّ أو بالعبودية.. يا مَن عرفتم أنّ الدنيا دار امتحانٍ وابتلاء، وأنّ المؤمن الحرّ عليه أن يجتاز هذا الامتحان بنجاحٍ وإيمان، واحتسبتم ذلك عند بارئكم!..

سلاماً.. أيها المؤمنون، الذين تَحَدَّيتم جَوْرَ الزمرة الحاكمة الفاسدة، وما رفَّ لكم جفن.. فملأتم فضاءات الشام بالحُبّ والحرب: حُبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحرب مَن تجاوزوا حدود الله، وزرعوا الشرّ والقهر والظلم في كلّ مكان.. وحلّقتم بقلوبكم المؤمنة فوق السحاب، ورفعتم إسلامكم نوراً إلى الناس، وناراً تلفح الجبابرة، الذين كشفتم زيفهم وسَرَابَهم وخداعهم وحقدهم وظلامهم.. وضآلتهم!..

يا مشاعل النور والضياء، الذين افتديتم أمّةً، ولقّنتم الباغي دروساً ودروساً.. لتُبشِّروا بالفجر الجديد القادم بإذن الله!.. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).

أيها الراحلون القابِضونَ على الجمر، يا مَن كنتم صقوراً جاثمةً على صدور الطغاة والشياطين، الذين يزعمون أنّ الغدر بكم.. سيُنهي وَجَلَهُم ورُعبَهم وذُعرَهم.. فإذا آلامٌ جديدةٌ يتجرّعونها باغتيالكم، فهل كنتم أنتم الأسرى، أم هو جلاّدكم الذي كان وما يزال أسير حقده ونذالته!..(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151).

زعموا أنهم نالوا من شموخكم، وحجبوا أنوارَ عِزِّكم.. لأنهم لا يعلمون أنّ عِزَّكم يكمن في ثنايا مبادئكم العظيمة التي بين ضلوعكم، وأنكم تعيشون منهجَ الله عز وجل بكل تفاصيله، وأنكم حين اخترتم طريقكم، غرستم في عقولكم أنّ كلَّ جَلَلٍ في سبيل الله هيّن، وكلَّ عذابٍ في سبيل رِفعة الإنسان وعزّته بسيط يُحتَمَل، وأنكم اشتريتم الآخرةَ بالدنيا، والجنةَ بالنفس تُضَحّون بها ولا تخافون لومة لائم، ولا تهابون غطرسة جبّارٍ متكبّر!..

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) .

ألا يكفيكم عِزّاً أنكم وَثَبْتُم حين طأطأت الرؤوس؟!.. واشْرَأَبّت أعناقكم حين أذعنت الرِّقاب؟!.. وانْتَصَبَتْ قاماتُكم حين رَكَعَتْ القامات؟!.. وَسَمَتْ جباهكم حين عُفِّرَت الجباه بالذلّ والعار؟!.. وصبرتم وصابرتم حين تَهَاوَتْ العزائم؟!.. وقاومتم الطغيان بصدوركم حين تكسّرت السيوف؟!.. وقد امتثلتم في ذلك كله لقول الله عز وجل: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود:115).

ألا يكفيكم كرامةً، أنكم تقدّمتم الصفوف في زمن الذلّ والخذلان؟!.. وحلّقتم عالياً في السماء يوم امتلأت السراديب بالخائفين المهزومين المنهزمين؟!.. ورَضيتم أن تكونوا شهداءَ على الناس، واعتصمتم بحبل الله المتين، ليكونَ ربُ العزة مَوْلاكم، وخاذلاً أعداءكم .. ومَن لنا ولكم غير الله سبحانه وتعالى؟!..

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78) .

مَنْذا الذي لا يُفسح لكم مكاناً بين ضلوعه، ويُسكنكم في قلبه المنكوب بفقدكم؟!..

يا مَن غرستم الطُهرَ في الأفئدة المؤمنة، فسال الدمع من المُقَلِ التي ذابت، بعد أن ذابت بحبّكم القلوب الخاشعة!..

أَنَبْكِيكُم.. أم نبكي هذه الأمّة التي كَبَتْ وطالت كَبْوَتها؟!.. أنحزن لكم.. أم نحزن لِحَالِنا؟!.. أنتألّم لأَسْرِكُم واستشهادكم.. أم لوطنٍ مكبّلٍ بالذلّ والقمع والباطل؟!..

واحَرَّ قلوبنا أيها الأحباب.. واجَمْرَ صدورنا التي تصرخ: واإسلاماه!.. واعزّةَ شعبٍ دفنها المارقون في رمال الخزي والعار!.. واكرامةَ وطنٍ وَأَدَه المجرمون في ثرى الخذلان!..

سلاماً.. أيها المغدورون، وما نملك السلام!..

سلاماً.. لكم، من لظى أدعياء الحرية وحقوق الإنسان، وتجار المبادئ الإنسانية في طول الأرض وعرضها!..

سلاماً.. بالله عَلَوْتُم، وبه سَمَوْتُم، وبالذِّكْر الحكيم أَنِستُم، وبالأجر العظيم فزتُم!..

سلاماً.. لكم العُلا والجنّة والأجر الجزيل، ولسفّاحيكم الخَسَار والعار والشنار، والسقوط وسوء العاقبة، وسَقَرْ، وعذاب العزيز الجبّار!..

سلاماً.. أيها الفوارس، وأنتم تَغُذّونَ السيرَ إلى الخلود والسعادة الإلهية السرمديّة!..

سلاماً.. أيها الفائزون برضى الله عز وجل، والمخلَّدون بأحرفٍ من نور.. فيما سيخلَّد جلاّدوكم بما يليق بالظالمين الجناة الآثمين!.. ثم يُرَدّونَ إلى عالِمِ الغيب والشهادة، فيذوقون الخسران المبين!..

(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) (الشورى:45).

ألا أيها الرّان على القلوب الغافلة متى تنجلي؟!.. ألا أيها الدخان الأسود الذي يملأ الآفاقَ متى تنقشع؟!.. ألا أيها القهر أما آنَ أوان الظالمين؟!.. ألا أيتها القلوب الميتة أما آنَ أوان العنفوان؟!.. أما آنَ لأمّةٍ عظيمةٍ.. أما آنَ لنا.. أن نطردَ هذا الهوان؟!..

هي درب الـهُداة الأُباة.. وهذا عزاؤنا، وهو طريقٌ مُفْعَمٌ بالشوك والزقّوم والعلقم.. والصبر والأسى والـمَنُون!.. هي درب الله يرعاها ويحفظها.. وهذا رجاؤنا!.. هي درب كلّ حُرٍ يسير إلى دار الخلود.. بثباتٍ ويقين!.. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31).

أيها الجبال الشُمّ، الذين سُدَّت بهم الثغور، وصُدَّت بهم المكارِه، وحملوا هَمَّ أمّتهم على ظهورهم التي لا تلين.. نحسبكم من الذين يكونون أول مَن يدخل الجنّة من خَلْقِ الله، ومن أول الذين يستحقّونَ تحية الملائكة الكرام.. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّركم، حين يصف المؤمنين المجاهدين الصادقين -ونحسبكم منهم- فيقول: (هل تدرونَ أول مَن يدخل الجنة من خَلْقِ الله؟.. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أول مَن يدخل الجنة من خَلْقِ الله: الفقراء والمهاجرون، الذين تُسَدُّ بهم الثغور، ويُتَّقى بهم المكارِه، ويموت أحدهم وحاجته في صَدْرِهِ لا يستطيعُ لها قضاءً.. فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيُّوهم، فتقول الملائكة: نحن سكّان سمائكَ وخِيرَتُكَ من خَلْقِكَ، أفتأمُرُنا أن نأتيَ هؤلاءِ فنسلِّمَ عليهم؟!.. قال: إنهم كانوا عباداً يعبدونني لا يشركونَ بي شيئاً، وتُسَدُّ بهم الثغور، ويُتَّقى بهم المكارِه، ويموت أحدهم وحاجته في صَدرِهِ لا يستطيع لها قضاءً، قال: فتأتيهم الملائكة عندَ ذلك، فيدخلون عليهم من كلّ باب: سلامٌ عليكم بما صبرتم، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّار) (رواه مسلم وأحمد والدارمي). 

أما جلاّدوكم الطغاة الجبارون الظالمون المفسدون في الأرض، فإنّ موعدهم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، فبئس المصير مصيرهم: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (لأعراف:41).

وسوم: العدد 883