ولكِنَّكُم غُثاءٌ .. فَمَا هي الغُثَائيَّةُ ..؟

حامد بن أحمد الرفاعي

حَذَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَسْلِمِينَ مِنْ خَطَرٍ وخطبٍ جللٍ يُدَاهِمُهم فَقَالَ:" يُوشِكُ أنْ تَتَدَاعَى عَلِيكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها.. قَالَ قَائِلٌ: أومِنْ قِلَةٍ نحنُ يومئذٍ يَا رَسُولَ اللهِ ..؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَنْتُم يَوْمَئذٍ كَثِيرٌ.. وَلَكِنَّكم غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السْيِلِ.. وَلَيَنّزِعَنَ اللهُ المَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ أعْدَائِكم مِنْكم.. وَليَقّذِفَّنَ اللهُ فِي قُلوبِكم الوَهْنَ.. قَالُوا: وَمَا الوَهْنُ يَا رَسُولَ اللهِ..؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم : " حُبُ الدُنيا وَكرَاهيَّةُ المُوْتِ". أحْسَبُ أنَّ هَذَا الحَدِيثَ يُؤكِدُ أمْرًا مُهِمًا وَهُو : أنَّ الغُثائيَّةَ هِي عِلْةُ ضَعْفِ الأُمَةِ المُسْلِمَةِ وَهَوْانِها علَى النَّاسِ.. ولَكِنْ مَا هُو المَقْصُودُ بِالغُثَائيَّةِ ..؟ أَهِي غُثَائِيَّةُ إيِمَانٍ..؟ أمْ غُثَائيَّةُ تَخَلُّفٍ فِي مَيَادِيِنِ الحَيَاةِ..؟ عِبَارَةُ "غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السْيِلِ" تُوحِي بأنَّهَا غُثائيَّةُ قُوةٍ وَمَهَابَةٍ وَمَكَانَةٍ وأدَاءٍ.. فَالغُثَاءُ كَمَا هُو مَعْلُومٌ : هُو مَا خَفَّ مِنْ حُمُولَةِ السْيِلِ الجَارِفِ يَلْقِي بِهَا علَى جُوانِبِ مَجْرَاه.. وهِي (الزْبَدُ) فِي التَعْبِيِرِ القُرْآنِيِّ لِقُولِه تعالى:" فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا". وهَذَا مِمَّا يَسْتَبْعِدُ احْتِمَالَ غُثائيَّةَ الإيِمَانِ عَنْ حَالَةِ الأُمَةِ لِقُولِه صلى الله عليه وسلم :" بَلْ أنْتُم يَوْمَئذٍ كَثِيرٌ" ويُرَجِّحُ فَهْمِي بِأنَّ الغُثَائِيَّةَ: هِي غُثائيَّةُ قُوْةٍ ومَهَابَةٍ, وَتَخَلُّفٍ فِي مَيَاِدينِ العَمَلِ والكَدْحِ ,والإنْتَاجِ والابْتِكَارِ والإبْدَاعِ.. ومَا هِي بِحَالٍ غُثَائِيَّةُ إيِمَانٍ , نَعَمْ الإيِمَانُ يَزْدَادُ ويَنْقُصُ, ولَكْنَّ ثَوابِتَ إيِمَانِ الأُمَةِ رَاسِخٌ لا يَتَزَعْزعَ. لِذَا فَإنَّ حَالَةَ هَوْانِ الأُمَةِ - بفهمي- لَا تَعُودُ كَمَا يَحْلُو لِلبَعْضِ إلى تَرَاجُعِ إيِمَانِهَا وَبُعْدِهَا عَنِ اللهِ تَعَالى.. بَلْ تَتَعَلّقُ بِالضَّعْفِ والتَّخَلُفِ في مَيَادينِ الحَيَاةِ. أجَلْ فَالغُثَائِيَّةُ: هِي هَجْرُ عِبَادَةِ اللهِ تَعالى في مَحَاريِبِ السُوْقِ وَالنْهُوضِ بِمسْؤولِيَاتِ الاسْتِخْلَافِ في الأرْضِ.. وَ بَعْدُ فَلا خُوْرُجَ لِلأُمَةِ من هذه الغُثَائِيَّةِ المُدَمِّرَةِ.. إلَّا بَالعَوْدَةِ إلى التَكَامُلِ والتَلَازُمِ بَيْنَ مَحَارِيبِ عِبَادَتِهَا الرُوْحِيَّةِ ومَحَاِريبِ عِبَادَتِها العِمْرَانيَّة.. أوإلى ثَقَافَةِ التَوْاصُلِ بَيْنَ مَحَارِيبِ المَسْجِدِ ومَحَارِيبِ السُوْقِ.

وسوم: العدد 889