مُوسَى .. وَ فِرْعُوْنُ

حامد بن أحمد الرفاعي

أسْرَفَت بَعْضُ الهَيِئَاتِ الإسْلَامِيَّةِ فِي احْتِكَارِ فَهَمِ الحَقِيقَةِ الدِيِنِيَّةِ.. وبَلَغَ بِهِم التَطُّرْفُ أنْ جَعَلوا فَهْمَهَم ونَهْجَهَم الحَقِيقَةَ المُطْلَقَةَ لِفَهْمِ الإسْلاَمِ, وأنَّ فَهَمَ غَيْرِهِم صِيِغَةٌ مُشَّوهَةٌ لِلإسْلَامِ.. أمَّا هُم.. فَيُمَثِلونِ -عَلَى حَدِ فَهْمِهِم وزَعْمِهِم- حَالَةَ صَلَاحِ مُوَسى عَلَيِهِ السْلَامُ, مُقَابِلِ فَسَادِ فِرْعَونَ وأتْبَاعِهِ فِي كُلَّ زَمَانٍ ومَكَانٍ ..وأنَّهَم يُجَسِدُونَ حَالَةَ كَمَالِ وتَمَامِ صَلاحِ سَيْدِنَا محمد في مُقَابِلِ فَسَادِ أبِي جَهْلٍ وأمْثَالِه حَسَبَ زَعْمِهِم.. واسْتَدْعَوا مُصْطَلَحَ الجَاهِليَّةِ لِيَجْعَلُونَهُ سِمَةً لِمَنْ يُخَالِفُ نَهَجَهُم.. فَهُو عِنْدَهُم مِنْ أتْبَاعِ سُبِلِ الجَاهِلِيَّةِ الأولَى والفَسَادِ- حَتَّى أنَّ فَضِيِلَةَ الفَقِيِهَ العَلاَّمَةَ الشَيِخَ محمد الغزالي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى - لَمْ يَسْلَمَ مِنْ شَرِّهِم فَهَاجَمُوه وهَاجَمُوا كُتُبَهُ.. فَقَالَ فيِهِم: "الحَمدُ للهِ الذِي لَمْ يُمَكنُ لِأمْثَالِ هَؤلَاءِ في الحُكْمِ , وإلاَّ خَرَّبُوا بِيِوتَنَا مِنْ زَمَانٍ". وَطَرَحُوا شِعَارَ "الإسْلَامُ هُو الحَلُ" ولَكِنْ لَا حَلَ لَدِيِهِم .. إنَّ الإسْلَامَ بِقِيَمِهِ الرَبَّانِيَّةِ السَامِيِةِ - بِكُلِّ تَأكيِدٍ- هُو مَصْدَرٌ رَاسِخٌ لِحَلِّ مُشْكِلَاتِ البَشَرِيَّةِ والمُسَاهَمَةِ فِي نَهَضَةِ الأُمَمِ.. ولَكِنْ كَيْف ..؟ يَكونُ ذَلِكَ بِالتَكَامُلِ والتَعَاونِ والتَنَافُسِ مَعَ كُلِّ شِرْعَةٍ سَدِيِدَةٍ رَبَّانِيَّةٍ كَانَت أو بَشَرِيَّةٍ.. فالنَّاسُ شُرَكَاءُ فِي تَقْرِيِرِ مَصَائِرِ مُجْتَمَعَاتِهم , وتَحقِيقِ طُمُوحَاِت أجْيَالِهم.. لِقَولِه تَعَالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ". أجَلْ لَا يَحِقُ لِأحَدٍ أنْ يَحْتَكِر مَسْؤولِياتِ تَحْقِيقِ مَصَالِحِ النَّاسِ.. دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أبْنَاءِ وطَنِهِ.. ومِيثَاقُ دَوْلَةِ النبُوةِ في المَدِينَةِ المُنَّوْرَةِ يُؤكِدُ ذَلِكَ: "المسلمون من قريش.. والمسلمون من يثرب واليهود.. ومن تبعهم أمة واحدة من دون الناس".

وسوم: العدد 890