في ذكرى الانفصال والموت

الثامن والعشرون من أيلول 1961 .. الذكرى الأليمة لانفصال سورية عن مصر . وتدمير أزهى أمل عربي في الوحدة الحقيقية . التي يجب أن تظل أملا وبرنامجا وخطة عمل ..

ورغم كل ما نقول ويقولون، ظللنا فرحين بالوحدة . ولم تكن الوحدة بين شكري القوتلي وجمال عبد الناصر . كما لم تكن بين عسكر ملهوفين أو مستعجلين ، كانت الوحدة إعادة التحام بين شلوين مزقتهما سكين جزار . وبين كيانين مزعزعين سمي كل واحد منهما زورا دولة . ولكي يؤسس بين ظهرانينا لكيان كان في عالمنا العربي أكثر من عشرين كيانا ، ليس فيها عندما يجد الجد دولة !! كانت الوحدة فارتفع عنوان "الجمهورية العربية" وغابت عناوين الأشلاء وقطع البزل ، فلا سورية ولا مصرية ..وإن اضطر متحدث للتمييز قال : الإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي ..لو كنتم تذكرون

 آسى هذه الأيام لمن يخلطون بين القطرية والوطنية ، وليس عن جهل يفعلون ، وإنما عن عمى قلوب . آسى لأقوام ورمت أنوفهم ، وشحنت بالحقد قلوبهم ، وخفت أحلامهم ، واستطالت أوهامهم يريدون أن يعرفونا بعد نسب عمره عمر الحق على هذه الأرض "من نحن " ؟! ونحن ذرية من حمل نوح ، وبقية إبراهيم وإسماعيل ، والبقية الباقية من حواريي عيسى ، وحملة الراية من جند محمد.. عن الهوية الحاضرة التي لا تغيب أحدثكم ..وعلى كل محطات وقوف الناقلات ، تنصب مظلات ..تقيك أحيانا من شمس وأحيانا من مطر ، ولا عليك وإن طال الانتظار أن تستظل فتستفيد، ولكن ليس لك أن تنسى ، حتى يرد فرع إلى أصله ، ويعود غريب إلى أهله ..ولعلنا ندرك فنتمسك ، ولا نخدع ولا نزل ولا نذل ..

" الانفصال " الخطيئة الكبرى لم تصنعه الآثام الكثيرة لحكم الفرد والعسكر وأجهزة المكتب الثاني " المخابرات " فقط ؛ وإنما صنعته بشكل أعمق الأذرع الصهيونية والطائفية التي تمثلت في اللجنة العسكرية ،/ عمران - جديد - الأسد - / وشركاهم من المتضررين من الوحدة ، وحدة الدولة ووحدة المجتمع ، وأن يستقر هرم على قاعدته، فيكون العنوان المعبر عن الهوية ... ويسألني ، وكيف خفي أمر اللجنة العسكرية عن أجهزة صلاح نصر وشمس بدران .. ؟؟؟؟ وربما أقول بل قد تم تأسيسها برعاية صلاح نصر وشمس بدران .. وربما تم التأسيس للانفصال برعاية هؤلاء وهؤلاء..

انقلاب الثامن والعشرين من أيلول 1961 كان خطوة مؤسسة أو ممهدة لما يجري في سورية وفي مصر اليوم . خطوة أعطت بعض الهوامش العدمية بعض معناها حتى تسودت وتسيدت فتنمرت فكان ما كان ...

ثم الثامن والعشرون من أيلول 1970 ..

ذكرى وفاة جمال عبد الناصر ، وكأن سطور القدر تخط أنه في أيلول 1961 كان موت الرجال المعنوي ، وفي 5 حزيران 1967 كان موته الحقيقي ، وفي 28 أيلول 1970 كان موته العضوي ..

وجدير بنا نحن منتسبي الجمهورية العربية تلك ونحن نعيش هذه الذكرى .. بكل تجلياتها وتداعياتها ، أن لا نختلف على الحدث ، وإن اختلفنا أحيانا على الشخص .. وأن نأبى أن نكون في عداد من يصفون الحسابات الصغيرة في سياقات الأحداث المصيرية الكبيرة .. ومقولة عبد المطلب : أنا رب الإبل .. ليست دينا ولا شريعة ولا سنة ..

دائما نحن أصحاب البيت وحماته وكذا يجب أن نكون ..

انفرط عقد الوحدة فواحزناه .. كنا طلابا في الأول الإعدادي وكانت دموعنا تجري على الخدود .. وكنا نقول : كان يمكن أن يرحل الأشخاص وتبقى الوحدة قاعدة وحصنا وذخرا ومنعة ووقاية ..

في الذكرى الأليمة لفصم عرى أول وحدة عربية حقيقية ..

نستلهم روح الإنجاز ، ونستلهم أمل صانعيه . نؤكد أن وطننا أكبر من قطرنا . وأن أفقنا الأقرب عربي لغته الضاد .، وأن أفقنا الأسمى يذهب شرقا وغربا مع كل مؤذن يؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله . درس حفظناها ولن ننساه.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية