الإسلام صرح شامخ خدمته تتطلب نكران الذات ومواجهة أعدائه عوض انتقاد أهله

توصلت برسالة من أخ فاضل أثنى علي بما لا أستحق ، وأسأل الله عز وجل أن يجعلني خيرا مما ظن بي ، وأن يغفر لي ما لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى . ورافق الثناء عتاب لكوني لا أتطرق فيما أكتب إلى انتقاد ما سماه الذات الإسلامية ، ولا جرأة لي على أهل الشأن الديني من شيوخ وعلماء يغيب عندهم التصرف الرشيد على حد تعبيره ، وقد خص منهم بالذكر أحدهم  لا حاجة لذكر اسمه أو نعته مسجلا علي أنني أذكره دائما بتقدير كبير يكاد ينحو منحى التقديس  متسائلا عن السر في ذلك .

 ومع أن من عاتبني قد أثنى الثناء الحسن على من عاتبني على تقديره ، فإنه  قد عاب عليه أمورا  لو أنه تولّى إهداءها إليه مباشرة لكان خيرا لهما معا لأن خير ما يهدي المسلم للمسلم عيوبه غيرة عليه وعلى صرح الإسلام الشامخ .

أما أنا فقد فعلت ذلك من قبل ، ولم أجامل  بل كنبت ونشرت ما حز في نفس من عاتبت ، وظنه يومئذ طعنا في الظهر مع أن الله عز وجل يعلم أن ذلك  لم يكن  قصدي  بل كان الدافع وراءه غيرة على من أجل وأقدر ليس تقديسا له  لأنه لا يقدس إلا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وما أوجب الله تعالى تقديسه ، وتعبدنا به ، وأعترف أني قد أخطأت يومئذ وليتني لم أفعل لأن المتربصين به هبوا لتوظيف ما كتبت للنيل منه زاعمين أني شاهد من أهله .

ولقد كان دأبي أن أردد عبارة : " لحم أهل العلم مرّ " ردا على كل من يتعرض لهم بما لا يليق بمقامهم العلمي ، وفضلهم الذي علمه عند الله تعالى وحده ، ولا نعلم منه إلا ما نظنه بهم من خير وفضل ، وقد أمرنا سبحانه وتعالى أن نحسن الظن بالناس جميعا ، وأولى الناس  بحسن الظن من انتدبوا أنفسهم للعلم ولخدمة دين الله عز وجل .

وإني منذ أن أراد لي الله تعالى أن أكون في خندق الدفاع عن صرح الإسلام ، وأنا أعتبر نفسي أضعف جندي فيه أعتبر نفسي مجرد أداة بسيطة قد تصلح في وقت من الأوقات ثم يستغنى عنها إلى أن تجدّ الحاجة إليها مرت أخرى، لهذا تعاملت مع العالم موضوع الحديث بهذا القصد، وهذه النية إذا طلبني لأجل صرح الإسلام الشامخ ، ورضيت أن أكون حتى مجرد مسمار علاه الصدأ لكنه يؤدي دوره ووظيفته في خدمته . ولم أصحب  هذا العالم لعرض الدنيا الزائل ، ولا لحاجة في نفسي  ، ولا لمكسب  أرومه ، وما سألته يوما شيئا ولا خدمة لنفسي بل كنت أدله على من هم في ضيق وحاجة، وكان جزاه الله كل خير يبادر ولا يتأخر ولا يتخلف ، ولا يتردد ،وكان ذلك مما يجعله يكبر عندي ويشمخ إعظاما لما يصدر عنه من خير وإحسان. وكان ذلك هو السر في ذكره بخير إذا ما نالته بعض الألسنة أو الأقلام بالنقد والتجريح . ومع كل ذلك لا أراه منزها عن الخطإ  ، ولا أظنه حسب ما أعلم  عنه أنه ينزه نفسه عن ذلك  وهو من هو علما ، ولا أراني أهلا لأدله على خطئه مع وجود من هم أهل لذلك ، وقد يكون معاتبي الفاضل  منهم ، ولعله يكون قد فعل حسب ما فهمت من سياق  الرسالة التي وجهها إلي مشكورا  مأجورا إن شاء الله تعالى.

ومما نشأت عليه ، وأحمد الله تعالى حمدا كثيرا على ذلك  نكران الذات في خدمة صرح الإسلام الشامخ . وأحمده سبحانه وتعالى أنني لم أتخذ من هذا الصرح مطية لدنيا أريدها بل يشهد الله تعالى أني احتقر هذه الذات المذنبة بل المسرفة أمام شموخ صرح لا يمكن أن أؤدي مما له علي من واجب إلا نزرا يسيرا أحتسبه عند الله عز وجل ، ولا أراه  يساوي شيئا أمام ما يقدمه غيري  خصوصا أهل العلم من أمثال العالم موضوع الحديث .

وأريد القول إن أولى الناس بالتماس الأعذار لهم العلماء خصوصا في هذا الزمن الذي استقوى فيه أهل الضلال ، ووجدوا في توجيه النقد لهم وتجريحهم سبيلا للنيل من صرح الإسلام الشامخ ، لهذا لا يحسن بمن باع نفسه له واسترخصها في سبيل خدمته  أن يصطف مع هؤلاء في نيلهم منه ومنهم  بشكل من الأشكال علم ذلك أم لم يعلمه . ولعل نصحا  غير معلن  لهم إن وجد ما يدعو إلى ذلك  أجدى وأنفع من نصح يعلن ، فيركبه الشامتون المتربصون بهم وبالصرح الشامخ . ولا أرى  من حكمة شخص مهما أوتي منها أن يصرف همه في هذا الظرف بالذات لانتقاد العلماء ، وقد تجاسر على الإسلام كل من هب ودب بمن فيهم الأجانب  الحاقدون الماكرون وأذكر منهم  على سبيل المثال لا الحصر الرئيس ماكرون  ، واسمه كله مشتق من المكر .

وأذكر معاتبي الفاضل أن من كانوا لا يساوي إنفاق غيرهم  أحد ذهبا يعدل مد أحدهم أو نصيفه قد رأوا في صلح الحديبية دنية ، وقد جعل الله تعالى فيه نصرا وفتحا ، فكيف بنا ونحن لا نتعلق بغبار نعالهم ، ولا نحلم بثرى تطؤه أقدامهم ؟ وما يدرينا لعل فيما نظنه في مواقف بعض أهل العلم  ـ وشر الظن ما ساء ـ  دنية ويجعل فيها الله خيرا لصرح دينه الشامخ .

وأختم القول بنصح لمن عاتبني عتاب أخ كريم ، وما أظنني في مستوى نصحه وهو ناصح لله وكتابه ورسوله أن يجعل همه في الذود عن الصرح الشامخ من خلال الرد على من يرومون صدعه من المتكالبين والمتداعين  عليه تداعي الأكلة على قصعتهم وهو الخطيب المفوه ، والكاتب الألمعي الذي يسرني أن أقرأ له ما ينشره على مواقع الشبكة العنكبوتية عوض الاشتغال بمواقف العلماء التي قد تؤول على غير وجهها ، فيصبح من أولها كذلك على ما فعل من النادمين .

وأستغفر الله العظيم لي ولأخي الكريم ،ولا حول ولا قوة إلا بيده سبحانه وتعالى ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 898