الإسلام منهاج حياة يشمل جميع مجالاتها المختلفة و يغطيها برمتها

الإسلام منهاج حياة  يشمل جميع مجالاتها المختلفة و يغطيها برمتها  ولا يعزب عنه شيء منها  خلاف ما يزعم خصومه الذين يريدون إقصاءه من حياة الناس

لقد شاءت إرادة الله عز وجل التي لا تقف في طريقها إرادة بشرية مهما كانت أن تكون له صلة بخلقه عبر التاريخ ، وهي صلة الوحي إلى من اصطفاهم من رسله صلواته وسلامه عليهم أجمعين ليبلغوا إلى خلقه المطلوب منهم لتستقيم حياتهم الدنيا ، فيفوزوا من خلال استقامتهم  تلك بالنعيم المقيم في آخرتهم.

وشاءت إرادته سبحانه وتعالى أن تكون خاتمة وحيه رسالته الخاتمة المنزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي رسالة موجهة إلى البشرية قاطبة بعد البعثة المحمدية إلى قيام الساعة ، وهي حجة على كل من أدركها مصدقا لقول الله تعالى  مخاطبا خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام : (( إنا  أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيّين من بعده  وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلّم الله موسى تكليما رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ))  . ففي هذه الآيات البيّنات من سورة النساء بيان للغاية التي من أجلها بعث الله عز وجل المرسلين صلواته وسلامه عليهم أجمعين  سواء من قص منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أومن لم يقصص عليه . والغاية واضحة وهي الإنذار والتبشير ، إنذار من الخروج عن طاعته وعبادته سبحانه وتعالى ، وتبشير بالدخول في طاعته وعبادته . وواضح أيضا أنه سبحانه وتعالى أقام الحجة على من أرسل إليهم المرسلين عبر التاريخ من أول مرسل إلى آخرهم وخاتمهم وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن الحجة لا تقام إلا في حال اختبار وامتحان، وهما مرتبطان بخوض الخلق غمار الحياة خوضا يكون كما أراد لهم الخالق لتحصل منهم طاعته وعبادته  وفق إرادته .

 وخوض غمار الحياة يكون بملابسة كل مجالاتها دون استثاء مجال منها . والحياة كما يقر بطبيعتها عموم الناس منذ فجر التاريخ عبارة عن سياسة واجتماع واقتصاد وثقافة ....وهي أمور متداخلة متشابكة لا تنفصل عن بعضها البعض حتى أن الناس في عصرنا هذا يصفون بعضها ببعض فيقولون على سبيل المثال " الاقتصاد السياسي" ، فيصلون بذلك السياسة بالاقتصاد.  والله عز وجل برسالاته  إلى الخلق إنما يختبرهم سياسة واجتماعا واقتصادا وثقافة ... فمن خاض في مجال من هذه المجالات  بما أمره طاعة له  كان عابدا له حقيقة ، ومن خاض فيها بخلاف ذلك كان عاصيا له ، والحجة قائمة على من أطاعه وعلى من عصاه بما أرسل به المرسلين .

ولقد كان لكل أمة أرسل إليها رسول أوامر  ونواه من خالقها  لخوض غمار الحياة بكل مجالاتها  بشكل معين  حسب ظروفها، وحسب ما مكنها الله عز وجل من قدرات وإمكانيات هي في متناولها وحسب وسعها وطاقتها . ومن الأوامر الإلهية للخلق ما تكرر في كل الرسالات ، ومنها ما كان خاصا بأمة دون أخرى ، وكأمثلة على ذلك ، نذكر ما جاء في قول الله تعالى : ((  وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان )) وقد حكى الله تعالى ردهم عليه فقال على لسانهم : ((  قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ))، فنبيّ الله شعيب عليه السلام تلقى من ربه وحيا وكلف بتبليغه لقومه ، ويتعلق الأمر بعبادة ومعاملة ، أما العبادة فتتعلق بأمر تعبدي وهو تخصيص الله عز وجل بالتوحيد دون غيره ، وأما المعاملة فتتعلق بنهيهم عن نقص المكيال والميزان ، وهي معاملة تخص المجال الاقتصادي . وقد أنكر قوم شعيب أن يربط بين أمر تعبدي وأمر اقتصادي رابط إلى درجة أنهم سخروا منه بقولهم : (( إنك لأنت الحليم الرشيد )).

وأما المثال الثاني فما جاء في قوله تعالى : (( ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون )) ، فنبيّ الله لوط عليه السلام تلقى من ربه وحيا كلف بتبليغه لقومه ، ويتعلق الأمر بنهيهم عن ممارسة فاحشة  مستقبحة وهي إتيان الذكور عوض ما خلق لهم الله من إناث ، وهذا نهي يتعلق بسلوك منحرف خاصة بالمجال الاجتماعي .

وأما المثال الثالث فهو ما جاء في قول الله تعالى : ((  إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين )) ،وقد أوحى الله عز وجل إلى نبيّيه موسى  وهارون  وعليهما  السلام تبيلغ أمره لفرعون فقال سبحانه وتعالى : (( اذهبا إلى فرعون إنه طغى )) إلى أن قال سبحانه : ((  فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم )) ،فهذا الذي بلغه موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون يتعلق بالمجال السياسي حيث كان الفرعون يسوس شعبه سياسة ظالمة  كما وصفه الله تعالى حيث  فرّق وميّز بين أفراده، فجعل بعضهم أعزة وأذلّ البعض الآخرعلى أساس عرقي .

ولو شئنا أن نستعرض أمثلة أخرى من الوحي المنزل على أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام جميعا ، والذي يتعلق بتغطية كل مجالات الحياة لما عدمنا ذلك ،ولكن  فيما ذكر ما يكفي كدليل على أن الله عز وجل إنما أوحى إلى الناس ما يتعلق بكل مجالات حياتهم سياسة واقتصادا واجتماعا ...

ولمّا ختم الله عز وجل رسالاته السابقة إلى أمم مختلفة عبر تاريخ البشرية بالرسالة الخاتمة المنزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي رسالة إلى جميع أمم الأرض حتى تقوم الساعة ، فقد جعلها تسع كل مجالات حياتهم بالرغم مما يطرأ عليها من تطور ، وهي بذلك أوسع تشريعا من سابقاتها لهذا هي منهاج حياة لكل الناس يشمل كل مجالاتها دون استثناء .

ولو أننا استعرضنا ما في هذه الرسالة الخاتمة من أوامر أو نواه تتعلق بكل مجالات الحياة سياسة واقتصادا واجتماعا ... لوجدنا فيها ما يؤكد ذلك ويبرهن عليه ، ويكفينا أن نذكر مثالا واحدا يتعلق بأكثر من مجال من مجالات الحياة .

 ويتعلق الأمر بقول الله تعالى  : (( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون )). ففي هذه الآية الكريمة  يثني  الله تعالى على عباده  الذين يطيعونه تعبدا بالصلاة التي هي صلة بينه وبينهم ، وطاعة له بالشورى  فيما بينهم في أمور حياتهم، والسياسة أمر من تلك الأمور، وطاعة له بالإنفاق مما رزقهم ، وهو تعامل مادي فيما بينهم له  صلة بالاقتصاد .

إن هذا المثال هو واحد من أمثلة عديدة في الرسالة الخاتمة التي هي رسالة الإسلام  التي تؤكد أنه منهاج حياة  شامل يغطي جميع مجالات الحياة التي لا تنفك عن بعضها البعض، ذلك أن مجال السياسة  ومجال الاقتصاد يقتضيهما مجال الاجتماع، ووجودهما يتوقف  بالضرورة على وجوده .

وهذا ما يفنّد رأي الذين يريدون استثناء مجالا من تلك المجالات من تغطية الإسلام له كما هو الشأن مع مجال السياسة التي يرون أنها لا يجب أن تخضع له ،وأن تظل بعيدة عنه بينما تخضع لغيره مما هو وضعي من وضع البشر . وهذه مقولة العلمانيين عندنا تحديدا  تلقفوها من غيرهم ممن أقصوا دينهم من  مجالات حياتهم بعدما عبث به العابثون ، فغيروا وحرفوا ما أنزل الله عز وجل عليهم ،وقد جعل التحريف دينهم عاجزا عن أن يكون منهاج حياة يغطي مجالاتها. ومن سوء تقدير وحساب العلمانيين عندنا وهم يحذون حذو من حرّف دينهم أنهم قاسوا الإسلام الذي صانه الله عز وجل من التحريف على الدينين السابقين اللذين لحقهما التحريف ، وقضوا بما قضى غيرهم من إقصاء الدين من الحياة، فضلا عن كونهم غضوا الطرف عن طبيعة الإسلام العالمية التي لم تكن طبيعة الدينيين السابقين ،وقد انتهيا بحلوله محلهما .

ومن العبث العابث ذهاب العلمانيين عندنا تقليدا لغيرهم مذهب التطرف في نفي تغطية الإسلام للمجال السياسي حتى صارت السياسة تهمة تلاحق الإسلام ، وشاعت بينهم عبارة " الإسلام السياسي " وهي عبارة إدانة وتجريم وملاحقة ومتابعة ومساءلة لأن العلمانية تريد الاستئثار بالسياسة وحدها دون الإسلام ليخلو لها الجو، فتسوس الناس على هواها عوض أن يساسوا كما أراد لهم خالقهم في رسالته الخاتمة لهم .  وإن العلمانيين عندنا اليوم ليرددون قول قوم شعيب الساخر من نبيّهم كما حكاه الله عز وجل عنهم : (( أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد )). بمثل سخرية هؤلاء يسخر العلمانيون عندنا اليوم ممن يقول لهم إن الإسلام منهاج حياة يغطي مجالاتها  سياسة واجتماعا واقتصادا ... و معلوم أن من أنكر ذلك كان كمن  ينكر عنادا  ضوء الشمس ضحى والسماء صافية الأديم .     

وسوم: العدد 905