العودة لحضن الوطن

على لسان شاب عاد لحضن الوطن يروي قصة استقباله بالعفس والرفس والشتائم!

كلفتني الرحلة 5 آلاف دولار"، هكذا بدأ اللاجئ السوري (ك. ل) ابن مدينة كرناز بريف حماة، حديثه لأورينت نت وهو الذي لم يمضِ على وصوله إلى تركيا أكثر من أسبوع، قادما من سوريا، وقبلها خارجا من رحلة لجوء امتدت لسنوات في لبنان، حول رحلته المحفوفة بالعذاب والمخاطر وما تعرض له في طريق امتد لمئات الكيلومترات، تخطى خلالها العديد من المناطق الخاضعة لأطراف نزاع متعددة الهويات والجنسيات على أرض بلاده.

لم يكن خيار لجوء المواطن كاف إلى تركيا في هذه الأوقات خيارا سهلاً.. بل كان نتاج الاستقبال الحافل بالشتائم والضرب والرفس الذي لقيه من قبل مخابرات أسد على نقطة المصنع الحدودية، حين قرر العودة من لبنان إلى وطنه مصدقا عبارات الترحيب باللاجئين وأغنيات الشوق التي يبثها إعلام ميليشيات أسد للحض على العودة إلى حضن الوطن!

المحطة الأولى: من لبنان إلى سوريا على طريق الإياب! 

يقول المواطن ( كاف )في مستهل حديثه لـ أورينت نت، إنه لا يملك جواز سفر سورياً، وأنه دخل لبنان في العام 2013 بطريقة غير شرعية، وهناك حصل على (وثائق) تخوله (البقاء مؤقتاً) في لبنان، إلا أنه وفي نهاية شهر (آب) الماضي من هذا العام، قرر العودة إلى سوريا بعد أن ضاقت الحال به، لاسيما في ظل الاعتداءات المتنامية ضد السوريين هناك والنبرة العنصرية التي كانت لا تلبث أن تخفت ثم تعود لتعلو ضدهم.

وأضاف: "خرجت برفقة زوجتي وطفلي الاثنين متوجهاً إلى نقطة المصنع الحدودية، حيث بات موضوع التهريب أمراً غاية في الصعوبة، وعليه فما كان هناك ملاذ سوى التوجه إلى النقطة الحدودية لما يسمى (بلدي) جدلاً، وهناك أخبرت عناصر البوابة اللبنانية بأني أريد العودة فقاموا بأخذ أوراقي الثبوتية وطلبوا مني الانتظار، وكمواطن سوري كان من الطبيعي أن يطول الانتظار أنا وأطفالي في العراء لمدة 3 ساعات، قبل أن يطلب مني أحد الموظفين أن أرجع وأن أجري معاملة الخروج من الأمن العام، وبالفعل عدت مرة أخرى مع عائلتي ومكثت بضعة أيام في بيروت أجري المعاملة، قبل أن يتم منحي ورقة الخروج مرة أخرى".

المحطة الثانية: "المواطن الحثالة" في حفلة استقبال على الحدود!

وتابع المواطن ( كاف )بعد أن أخذت أوراق الخروج، توجهت إلى معبر المصنع مرة أخرى، وهناك سمح لي الجانب اللبناني بالمرور، إلا أن المصيبة كانت عند وصولي إلى الجانب (السوري)، حيث تلقفني عناصر مخابرات أسد كما يتلقف الصياد الفريسة، وانهالوا علي بالإهانات والضرب المبرح أمام زوجتي وأطفالي، وعندما حاولت زوجتي منعهم، قاموا بشتمها بألفاظ نابية جداً وقاموا بضربها أيضاً".

وتابع المواطن (كاف) وقد تهدج صوته بمؤثرات الأحداث: "بعد مسلسل التعذيب والضرب والرفس الذي استمر لنحو نصف ساعة وتخلله العديد من التهم، تم إدخالي إلى مكتب (أمن المعبر)، وهناك قام أحدهم بالتحقيق معي عن سنة مغادرتي إلى لبنان ولماذا ومتى، ولماذا لم أبقَ ولماذا الآن قررت العودة ولم أعد من قبل، وغيرها من الأسئلة التي يطرحها ضباط ميليشيات أسد وزبانية أفرعه الأمنية على المعتقلين"، مشيراً إلى أنه وخلال التحقيق أخبره المحقق بأن (بلده سوريا الأسد) لا تحتاج إلى مواطنين (حثالة) كأمثاله، وأنه سيتركه يدخل من باب الشفقة.

 يستطرد: "طلب مني المحقق أن أراجع (فرع الأمن السياسي) في حماة كوني أنحدر من (كرناز) التابعة لحماة، وهنا أدركت أن أمراً جللاً سيحدث.. ولكن كان الطريق يقودني إلى هناك!

المحطة الثالثة: أذهب إلى الفرع أم لا أذهب؟! 

وصلت إلى مدينتي التي لم أعرفها بعد سنين طويلة، كان هناك الكثير من الأشخاص الغريبين فيها، وبدأت التفكير كيف أخرج من هذا المأزق، لا سيما وأني بدأت أتخيل قضبان الحديد في المعتقل ونهايتي المأساوية، وهنا لاحت في بالي فكرة وهي أن أغادر إلى مناطق سيطرة الفصائل في إدلب أو ريف حلب، وعلى الفور اتخذت القرار".

وقال: "كان قراري مبنياً على أنني لست مطلوباً للحواجز، ولكن بعد مراجعتي للفرع قد تجعلني مطلوباً، إلا أنني عدت وتراجعت عن قراري مرة أخرى، (ماذا لو قبض علي؟) أو أن (قرار المراجعة وضع إشارة على اسمي؟)"، فما كان مني إلا أن انتظرت حتى اليوم التالي وتوجهت بالفعل إلى شعبة الأمن السياسي في حماة، وهناك أخبرتهم أن مكتب التحقيق في نقطة المصنع طلب مني مراجعتكم، وقد تم إدخالي إلى جلسة تحقيق لمدة ساعة ونصف، تخلل معظمها  الرفس والنعرات والضرب باليد من قبل المحقق الذي وصفني بـ (البهيمة)، ومن ثم طلب مني المحقق المراجعة بعد يومين".

المحطة الرابعة: مبروك.. لقد أصبحنا بأمان!

كان أمام المواطن (كاف)  خياران لا ثالث لهما، إما المراجعة مرة أخرى وقد يلقى مصيراً أشد مما لقيه الآن، أو أن يفر بعائلته وأطفاله إلى مجهول آخر غير "حضن الوطن".. يتابع فيقول:

"تواصلت مع أحد الأصدقاء الموثوقين في حماة المدينة والتقيت به وأخبرته بالقصة، فأخبرني بأنه سيتكفل بالموضوع، وبالفعل وفي نفس الليلة، جاءت سيارة إلى منزلي وأخبرني سائقها أن الرحلة تكلف 2500 دولار، واصلاً إلى ريف إدلب الخاضع لسيطرة الفصائل، خرجت مع زوجتي وأطفالي وقام السائق باتخاذ طرق ترابية ومناطق بين المرتفعات، واستمرت الرحلة لنحو 6 ساعات، قبل أن يخبرني بأن الخطر قد زال وأننا أصبحنا (بأمان

المحطة الخامسة: البحث عن مهرّب ابن حلال! 

بعد وصولنا توجهت إلى سرمدا وبدأت أسأل عن (مهرب شاطر وابن حلال)، وقد أرشدونا إلى أحدهم ويدعى (أحمد)، حيث كان لديه قائمة أسعار بكل رحلة من الرحلات وظروفها، أرخصها (القفز من فوق الجدار بـ 350 دولارا أمريكيا للشخص مع احتساب الطفلين كشخص واحد)، وأغلاها كان عبر المشي لمدة زمنية قصيرة ومن ثم الانتقال مباشرة إلى وجهتنا بـ 750 دولارا على الشخص ونفس الأمر للطفلين)، فوافقت على الثاني، وبدأت رحلة تهريب جديدة على الحدود مع تركيا، سرنا بها لمدة ساعتين ونصف الساعة، فيما طلبوا منا أن نلزم الأطفال الصمت، كان هناك رعب في كل مكان، لأن أية حركة تعني أن قناصات (الجندرما) ستلتفت إلينا.. سرنا في طريق جبلي، وبعد مضي أكثر من ساعتين لاح لنا بصيص النور أخيراً، حيث صعدنا في السيارة وهناك انتقلنا إلى المكان الذي نعيش فيه الآن، بعد أن خسرت كل ما جنيته خلال سنوات من العمل هنا وهناك!

وسوم: العدد 907