مكانة اللغة العربية بين لغات العالم

د. عبد الحق حمادي الهواس

محاضرة في جامعة الملك عبد العزيز -كلية المعلمين في جدة-

ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه أني بما أنا شاكٍ منه محسود

تعدُّ اللغة شخصية الأمة التي نتحدث بها ، وهي من أهم عوامل توحد الشعوب الناطقة بها .

ويعرِّف محمد مبارك اللغة بأنها (أداة مركبة معقدة فهي ذات جوانب كثيرة وتتألف من عناصر متعددة ، وتأخذ خلال الزمن أشكالاً مختلفة تتنوع بتعدد البيئات والمجتمعات والطبقات ، فهي تتألف من حوادث (صوتية ) يبحثها علم الفيزيولوجيا وعلم الفيزياء . و(نفسية) يبحثها علم النفس ، و(اجتماعية) يبحثها علم الاجتماع وتاريخها يسردها علم التاريخ ويسجلها ، و (جغرافية ) يبحثها علم الجغرافيا اللغوي في توزعها في القارات والمناطق ، وهي تتألف من عناصر هي : الأصوات والألفاظ المفردة باعتبار مادتها وصيغتها ومعناها والتراكيب ، وهذه العناصر جميعاً كثيراً ما تتبدل وتتطور خلال الزمن ، وكثيراً ما تتغير بتغير الأقاليم والمهن والطبقات .(1)

ويعدُّ مولر اللغوي الغربي الشهير من أوائل مَنْ قسَّموا اللغات العالمية إلى ثلاث مجموعات هي :1-الفصيلة الهندية الأوربية ،2- الفصيلة السامية الحامية ،3- والفصلية الطورانية ، وواضح أنه تقسيم يستند إلى أبناء نوح عليه السلام سام وحام ويا فت .

وقد أرجع اللغويون لساننا العربي إلى اللغة السامية ، وقسموها على قسمين هما :

أ-اللغات السامية الشمالية :وتضم البابلية القديمة ، والآشورية ، والأكدية والعبرية ، والفينيقية ، والآرامية .

ب- اللغات السامية الجنوبية : وهي العربية ، والحبشية ، ومجموعة اللغات اليمنية كالحميرية والسبئية وغيرهما.

ويبرز اسم العالم النمساوي شلوتزر 1781في إطلاق اسم اللغات السامية على هذه المجموعة .

ويذهب الباحثون أو معظمهم إلى أنَّ العربية هي أقرب اللغات إلى اللغة الأم ، ويقول الدكتور هوميل : ومما لا شك فيه أنَّ اللغة الآرامية في عصر إبراهيم كانت لهجة عربية.

ويقول العقاد: ((إنَّ الثقافة الآرامية عربية في لغتها ونشأتها ونسبتها إلى عصرها)).

وقد تباين العلماء في آرائهم حول نشأة اللغة فكانوا بين قائل : أ-توقيفية ، وهو رأي ابن عباس محتجاً بقوله تعالى : (( وعلم آدم الأسماء كلها )) –ب- أنها تواضع واصطلاح أي أنها وضعت في أوقات متعددة أدت إلى قبول اللفظ والقياس عليه فيما بعد وكان الأخفش ت211 هـ على رأس القائلين بذلك ، وأبو علي الفارسي 377هـ ، واعتمده ابن جني 392هـ بعد أن عدل عن التوقيف –ج- إن اللغة نشأت بتأثير محاكاة الأصوات الطبيعية وتقليدها قبل أن تستوي على

سوقها ، وهو رأي الخليل بن أحمد ت175 ، وهو الرأي الذي اعتمده الدرس اللغوي الغربي (2).

* عمر اللغة العربية :

لا يوجد تاريخ يشير إلى عمر العربية ، وإنما هناك تاريخ تقريبي يشير إلى عمر الفصحى منها من خلال النقوش ، وأوضح هذه النقوش هو ((نقش النمارة(3)) بتاريخ 223من تاريخ بصرى ، أي عام 328م

(تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج ، وملك الأسدين ونزرو و وملوكهم وهربَّ مذحجو عكدى وجابزجى في حبج نجران مدينة شمر وملك معدو ونزل بنيه الشعوب وكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه عكدى . هلك سنة 223يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده .))

ويقول الدكتور شوقي ضيف : ((وواضح أن النص يمثل طوراً من أطوار اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم ما عدا كلمة بر الآرامية ، وقد استخدمت فيه التعريف ، وإذا أردنا أن نكتبه ونقربه إلى لغتنا اليوم ، كتبناه على هذا النحو :

هذه نفس (قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلها الذي عقد التاج وملك قبيلتي أسد ونزار وملوكهم و شتت مذحجاً بالقوة وجاء باندفاع (بانتصار ) في مشارف نجران مدينة شمر .وملك معداً وولى بنيه الشعوب ، ووكله الفرس والروم ، فلم يبلغ ملك مبلغه في القوة .هلك سنة 223يوم 7 من كسلول ليسعد الذي والده (4)

ويقول الدكتور ناصر الدين: (( فهذا نقش عربي يبِّنُ العربية، عربي في أكثر لغته عربي في صورة خطّه، وهو مرحلة تاريخية تظهر بوضوح جلي تطور الخط العربي.))(5)

الخط العربي : لقد كان اختراع القلم بمعنى الخط والكتابة أجل اختراع في تاريخ الحضارة الإنسانية ولأهميته أقسم الباري عزَّ وجل به في قوله : (( ن والقلم وما يسطرون)) القلم.1

و أول اختراع للحروف كان على يد الكنعانيين العرب سكان فلسطين ، وقد اخترعوا اثنين وعشرين حرفاً، وهي الأبجدية الأولى (أ ب ج د …) وهي الحروف التي تكتب بها أوربا بعد استعارتها من اليونان (ومن المتفق عليه الآن أن الكنعانيين كانوا أول من استعمل الحروف الهجائية في الكتابة ، ومنهم انتقلت إلى الفينيقين سكان الساحل الذين نقلوه بدورهم بين سنة 850و750م إلى الإغريقية واللاتينية وصارت تعرف في اليونان باسمها العربي (الألف باء _.(Alpha bet

وقد احتفظ اليونان بنفس الترتيب الذي وضعه الفينيقيون من حيث تسلسلها ، ومن حيث طريقة كتابتها من اليسار إلى اليمين وفق الطريقة الفينيقية الأصلية ...)(6)

والفينيقيون أخذوا الجزء ليكون حرفاً دالاً ، فمثلاً الألف أي الثور ،ورسموه هكذا

على شكل رأس ثور وهو عندهم ألفا ، والباء على شكل بيت B وكان أفقياً

وهو عندهم بيتا وحرف Yيشير عندهم إلى وتد الخيمة ، وحرف الميم M إلى أمواج البحر ، وحرف الفاء إلى الفم F وهكذا (7)

ويؤكد الدكتور ولفنسون أن الخط الكنعاني هو من صنع الكنعانيين واختراعهم وحدهم....

وليس لأسماء الحروف معانٍ مفهومة في اللغة اليونانية ، ولكنها بهذه الأسماء مفهومة المعنى في لغتنا العربية العصرية فضلاً عن اللهجات العربية

الغابرة .))0(8)

والخط العربي تطور عن الخط الآرامي النبطي بعد أن هجر العرب الخط المعيني ، وكذلك تذهب الروايات العربية إلى أن الخط العربي نشأ توقيفياً، ورواية عن الشعبي ترى أن حرب بن أمية بن عبد شمس تعلم الخط العربي من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة تعلموا من أهل الأنبار ، فهو أول من كتب بالعربية .(9)

ويحدد الجاحظ عمر الشعر العربي بمئة وخمسين سنة أو مئتي سنة ، وهو ما يشير إلى عمر العربية الفصحى ، أي القرشية . يقول الجاحظ : ( ( وأما الشعر فحديث الميلاد ، صغير السن أول من نهج سبيله وسهل الطرق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة ،فإذا ما استظهرنا الشعر وجدنا له ، إلى أن جاء الله بالإسلام ، خمسين ومئة عام ، وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي

عام .))(10)

وعظمة اللغة العربية في مادتها ، وفي ظاهرة الاشتقاق ؛إنْ بالحروف أو بالحركات فهي ميزة لها على كل لغات العالم ، ففي الوقت الذي تشتق العربية الآلة :

(غسَّالة) من الفعل العربي (غسل) تقف الإنجليزية عاجزة فنراها تقول : آلة غسيل الثياب .

ونحن لو أخذنا الفعل (قرّ) وتخيلنا رجلاً في الصحراء يحفر بئراً بحثاًوراء الماء ، وما للماء من أهميةٍ في حياة عرب الجزيرة العربية ، فسنرى حين وصوله إلى الماء يقول: قرار أي نهاية الأمر ولنا أن نتذكر اتخاذ القرار في نهاية الأمر ، ثم نقول : إنه فرح برؤية الماء ، فقالوا قرَّت عينه ؛ ولهذا قالوا دمعة الفرح باردة ، ودمعة الحزن ساخنة ، ثم إن كان متعباً ويتصبب عرقاً فأخذ بيده الماء فشرب ووجده بارداً فقالوا القرُّ أي البرد وأضافوا حاء ربما من الحلق فقالوا : قراح للماء البارد ، ثم قالوا : استقر ، ثم إن الاستقرار يوجد القرية والقرية تصبح قرى والقرى تقدم للقوافل الماء والزاد فقالوا : القِرى أي الكرم للأضياف ، وهكذا تقوم الحروف والحركات بهذا التوليد ...؟!!

*تجربة طبية فريدة : ( 11)

في دماغ الإنسان فص خاص باللغة ، وحاول مجموعة من الأطباء إجراء تجربة طبية على هذا الجهاز ، فنظروا في الحيوان أولاً ، فوجدوا مثلاً أن القرود لديها ثلاثة أصوات ، للرغبة والرهبة والتعايش ، وللدلافين تسعة أصوات ،لكن الذي استوقفهم هو النحل ، فالنحلة المسماة بالمخبر تستطيع أن تخبر من خلال ما يسمى برقصة الثمانية في الأرقام الانجليزية 8 عن بعد ثمانية كيلومترات وبشكل أفقي وتحت ضوء الشمس ، وقد جعل العلماء الغذاء فوق المنحلة بشكل عمودي ، وسلطوا أضواء حادة بقوة ضوء الشمس ليلاً على المنطقة ، فقامت النحلة بعملية رقصة الثمانية وأطالت كثيراً ، فانتشر النحل في كل مكان ولم يهتدِ إلى الغذاء ثم جاؤوا إلى الإنسان ، فوجدوا أن هذا الفص يكون أنشط عند دراس اللغة العربية ، ولديه القدرة لحفظ عدد أكبر والتعامل مع هذا العدد ، وقد لاحظ الأطباء أن الإنسان غير العربي من أي جنسية أخرى حين يبدأ بتعلم اللغة العربية يبدأ هذا الفَص بالنشاط و حسب تمكن هذا الإنسان من العربية .

إذاً نستطيع أن نقول إن هذه اللغة مقدسة ، وتحمل سراً ربانياً ، وأن معجزة الإسلام في بلاغة القرآن الكريم لها أبعاد لا يدركها إلاّ من خبروا دقائق وأسرار هذه اللغة ، كما كان عليه عرب العصر الجاهلي ، كذلك الأعرابي الذي هبط من فوق ناقته ليسجد أمام مقرئ يقرأ ((فا صدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين )) ولم يكن سمع بمجيء الإسلام ، فقال له المقرئ لمن تسجد يا أخي ، قال أسجد لكلامك ، قال هذا ليس كلامي ، هذا كلام الله، قال أنا أسجد لصاحب هذا الكلام ....

أو كزعماء قريش حين تعاهدوا ألاّ يعودوا للاستماع للقرآن الكريم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم عند زاوية بيته ؛ فكشفهم الفجر في اليوم التالي ....

وأزعم أن الجاهلي كان يدرك معنى القصيدة أو موضوعها من سماع مطلعها ، فهو إن سمع قول امرئ القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ....أدرك أن مأساة وقعت لقبيلة هذا الشاعر ، وإن سمع قول طرفة بن العبد :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

أيقن أن الشاعر غاضب من أهله مفارق لهم ، وإن سمع قول زهير بن أبي سلمى : أمن أم أوفى علم أن مناسبة جميلة حصلت وأن السرور والفرح ظاهرٌ في قوله ولكن على حذر ، وأن حرباً قد انتهت وإذ سمع مطلع معلقة لبيد : عفت الديار، قال إن الشاعر يأسف على أمر حصل .

وإن سمع قول عنترة : هل غادر الشعراء ، أدرك أن الشاعر يهدد ويتوعد ، وإن سمع قول عمرو بن كلثوم : ألا هبي، علم أن الشاعر في حالة غضب شديد ووعيد وفخر ، ولو سمع قول الحارث بن حلزة : آذنتنا ببينها أسماء لأيقن أن الشاعر يتحدث عن فراق الأقارب وعتاب ولوم .

ونحن أكثر الأقوام تمسكاً بلغتنا ولكننا لا نعطيها حقّها ، وتدريسنا لها يقوم على حفظ قواعدها ، والصحيح هو فهم القاعدة وشرحها ، ويستطيع دارس اللغة العربية أن يتمكن منها ، وقد كان أساتذتنا يلقون محاضراتهم بالفصحى فلا يقع الواحد منهم في لحن، وكانوا يقولون لنا : إن استعمال العامية في قسم اللغة العربية يعدُّ كفراً أو مثل الكفر...؟!!

وتمثل اللغة عملية التفكير والتعبير لدى الإنسان ، ولهذا تمسكت الشعوب بلغاتها ورفضت التخلي عنها لصالح لغة أخرى ، ومن تجارب هذه الشعوب نذكر (12) :

1ً-التجربة اليابانية :

كان من أهم المؤسسات التي أسسها اليابانيون في بداية نهضتهم وانفتاحهم على الغرب ، مؤسسة تطوير اللغة اليابانية وتطويعها للمصطلح العصري ، وكانت اللغة اليابانية تعاني من تخلف كبير ، ولكن اليابانيين تمسكوا بها مثلما تمسكوا بتراثهم وعاداتهم وتقاليدهم ، ويقول الأستاذ عثمان سعدي في معرض رده على الدكتور فؤاد زكريا : (( يكفي أن يعلم الباحث أن عدد حروف اللغة اليابانية يصل إلى عشرة آلاف حرف ، وأنَّ الجريدة اليومية اليابانية لكي تقرأ لابد أن يكون القارئ يعرف أكثر من ثلاثة آلاف وخمس مئة حرف، وانه ليس لليابانية آلة كتابة ديوانية . فالسفير الياباني بالكويت مثلاً إذا أراد رفع تقرير لوزارته يكتب بخطه السريع ويسلمه لنساخ السفارة ، والذي ينسخه بخط مقروء ، وقد علمت أن اليابانيين بصدد اختراع آلة كاتبة بالاستعانة بالإعلام الآلي . وبالرغم من هذه الصعوبات والتعقيدات ، فقد رفض اليابانيون التخلي عن لغتهم ، واستبدال حروفهم بالحروف اللاتينية ...))

2-التجربة الصينية :

كان في الصين عشرات اللغات حتى اختار ماوتسي تونغ 1949اللغة الخانية ، وهي لغة منطقة بكين ، وهي لغة متخلفة ومعقدة ، ويبلغ عدد حروفها (44444)إذ تعرف بأنها ذات الخمس أربعات ، وكان ماو نفسه عالماً لغوياً عمل على اختصارها وتقليل عدد حروفها ، لكنه لم يستبدلها باللغة الانجليزية ، إذ جعلها لغة البلاد الرسمية وحول الانجليزية إلى لغة تعلُّم ، ويقول الأستاذ عثمان سعدي ((بذل الصينيون جهداً فاخترعوا آلة كاتبة ديوانية ، تتكون من ألفين ومئتي حرف شاهدتها عام 1965م في سفارة الصين بالجزائر))

ويرى الباحث أن سبب تخلف الهند وعدم قدرتها على إيجاد تنمية شاملة والوصول إلى مستوى الصين أو اليابان هو أنها لم توجد لنفسها لغة قومية ، وإنما ذهبت إلى لغة أجنبية .

3-التجربة الكورية :

حين استقلت كوريا عام 1946م بعد ستين سنة من الاستعمار الياباني وجدت أن اللغة اليابانية تسيطر على كلّ مناحي الحياة ، ولم يكن في البلاد من يعرف اللغة الكورية إلا بعض العجزة الشيوخ في الريف الكوري ، فاستعانت بهم الدولة لتدريس اللغة الكورية للمثقفين والأساتذة والأطباء والمهندسين والإداريين وغيرهم (وفي خلال عشرين سنة تحولت هذه اللغة التي كانت شبه بدائية إلى لغة الصناعة والعالم )

ويضيف الباحث عثمان سعدي بقوله : ( ولماذا نذهب بعيداً وكيان إسرائيل مغروز في جسد وطننا ، إن أول شيء أسسه اليهود بإسرائيل هو الجامعة العبرية بهداسا التي أعدت فيها وباللغة العبرية مخططات قيام دولة إسرائيل بسائر مؤسساتها قبل بروزها إلى الواقع . لقد حولت اللغة العبرية في ربع قرن من لغة مقابر ، كما كانت تسمى ، لأنها لم تكن موجودة إلاّ في كتابات قبور موتى الجاليات اليهودية بالعالم ، إلى لغة علم وتكنولوجية تأخذ عنها اللغات الغربية الآن ويكفي أن نعلم أنَّ الكليات والمعاهد بالجامعات الإسرائيلية تدرس العبرية بما فيها علوم الذرة بمعهد وايزمان .)

ويختتم الباحث مقاله بقول جميل إذ يقول : (( وخير ما أختم به هذا المقال ، قول الكاتب الفرنسي عضو الأكاديمية الفرنسية جيلبر كويت: (( كلُّ انفتاح على العالم يفرض أولاً وقبل كلِّ شيء ثقةً في النفس راسخةً ووطيدة . إن اللغة هي الجنسيةُ نفسها ، هي الوطن حيّاً ومنغ

ماً في ذات كلِّ واحدٍ منا .))

**الأخطاء الشائعة :

تعجُّ لغتنا اليوم بالأخطاء الشائعة ، وقد دخلت عن ثلاث طرق -1- احتكاك العرب بالأعاجم ولا سيما في العصر العباسي -2-نتيجة ضعف اللغة في مراحل الاستعمار والترجمة .

3- جهل القائمين عليها بأسرارها ودقة استعمالها

وسأبدأ بكلمة أصبح لها مصطلح في دوائرنا الرسمية وهي ((حيث)) ورغم أنها ظرف فإن الناس يستعملونها بمعنى التعليل والتحقيق أي مكان (إذْ، وقد) والمصطلح هو الحيثيات بمعنى تفاصيل القضية ، ولو عدنا لقوله تعالى ((اقتلوهم حيث ثقفتموهم )) لأدركنا أنها ظرف. وحسب ما جاءنا من الترجمة قولهم: ((لعب دوراً هاماً )) وهي ترجمة عن المسرح الانجليزي ، وليس لكلمة لعب في العربية غير معنى اللعب المعروف ، وليس لدور معنى آخر غير دار يدور دوراً ، أما الهام فهو الباعث للهم ِّ ، ويقابلها يؤدي أثر، أو عملاً ،أو وظيفة ، مهماً .

ونكتب يا أبتِِ بالياء يا أبتي وننسى أن التاء عوض عن الياء ، ونقول لجهلنا بدقة اللغة فشل في عمله بمعنى أخفق ، وإنما فشل معناه ضعف ، قال تعالى ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)) ومن الترجمة نقول : أثّر عليه ، وإنما هي أثر به وفيه . ونقول مأزَق بفتح الزاي وهي بكسرها مأزِق . ونجمع بائس على

بؤساء ،وإنما هي بائسون ،أما بؤساء فهي جمع بئيس أي شديد ، ونكتب مئة بالألف مائة والألف فارقة ليس لها أثر بعد تنقيط العربية ، ونوصل العدد معها ستمئة وهما عددان ست مئة ، ونقول :توأمان فيصبح العدد أربعة ، والصحيح توأم ، ونقول : الحَلَقة ، وهي الحلْقة ؛ لأن الحَلَقة هم الحلاقون . ونقول : تخرج من الكلية ظناً منا أنها تعني (خرج) وإنما هي تدرب وتعلم فيجب أن نقول : تخرج في الكلية . ونقول : دكتور زيد : والمعنى هو طبيب زيد .

ونقول السنة للعام والعام للسنة ، وإنما السنة ليس فيها صيف وشتاء والعام لما فيه صيف وشتاء .ونقول : مَناخ وهو مُناخ لأنه من أناخ ، ونقول :طقس ، والطقس من عمل النصارى في عباداتهم ، ونقول : اعتبر والصواب عدَّ وحسب ، ونقول : العتيد بمعنى القوي وإنما هو بمعنى الحاضر الرقيب ، ونقول : بدون وهو من دون أو دون ، ونقول استقل فلانٌ السيارةَ ، والصواب : استقلت السيارة فلاناً أي حملته ، ونقول تقييم والصواب تقويم لأن فعله واوي . ونقول: قارن بينهما والصواب: وازن لأن القرين هو المثيل ، ونقول هو كفوء ، والصواب كفي بمعنى يكفيك ونقول: كلما كتب كلما زاد نشاطه والصواب : عدم تكرار كلما . ونقول

نفذ ، والصواب نفِد لأن نفذ : اخترق ، ونقول : نوََّه بالشيء بمعنى ألمح إليه ، وإنما معناه أشاد بالشيء وأظهره ومن حديث عمر رضي الله عنه ((أنا أول من نوَّه بالعرب أي رفع ذكرهم )) ونقول الهَوَّية والصواب : الهِوِّية لأنها من هو ، ونكتب رجال ثقات هكذا ثقاة نقيسها على قضاة ورعاة والصواب بالمبسوطة لأنها مفرد ثقة لا ثاقٍ التي أصلها ثاقي اسم الفاعل، ونقول : لايجب أن تفعل ، والصواب : يجب ألاّ تفعل ، ونقول : على الطلاب التواجد في المسرح ، والتواجد من الوجد شدة العشق والصواب الوجود أو الحضور ،ونقول : قصيدة وجدانية والصواب عاطفية والوجدان مصدر للفعل وجد ، قال المتنبي :

يا مَن يعزُّ علينا أن نفارقهم وجدانُنا كل شيء بعدكم عدم ُ

ونقول: قضيتُ أوقاتٍ جميلةٍ في جدة ، والصواب أوقاتاً لأنها جمع تكسير وليست جمع مؤنث سالماً وهذا باب واسع ويطول الحديث فيه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا ومعلمنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:

1- فقه اللغة وخصائص العربية:19

2- الشعر العربي من الأبيات إلى القصيدة 1/61 د.عبد الحق الهواس

3- المصدر نفسه 1/68

4- العصر الجاهلي :35

5- مصادر الشعر الجاهلي ، وقيمتها التاريخية :29

6- الشعر العربي من الأبيات إلى القصيدة :1/64 د.عبد الحق الهواس

7- ينظر محاضرات في النقد الأدبي الحديث ، الدكتور عبد الحق الهواس

8- العرب واليهود في التاريخ : 288وما بعدها ، والفينيقيون والكنعانيون اسم لمسمى واحد

9- المزهر في علوم اللغة وأنواعها :2/341 للعلامة السيوطي

10- الحيوان : 1/74

11- جمعية الشبان المسلمين ، محاضرة للدكتور حسام النعيمي، بغداد ، آذار 1993م

12- مقال كتبه الأستاذ عثمان سعدي رداً على مقال الدكتور فؤاد زكريا في العدد 302 يناير 1983في مجلة العربي الكويتية ، والأستاذ عثمان عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الجزائرية ، والسفير الجزائري في دمشق وللمزيد من الاطلاع يراجع كتابه : قضية التعريب بالجزائر ، دار الطليعة والدار القومية للنشر بالقاهرة.

وسوم: العدد 916