من الوهم أن يعتقد الشخص غير ما هو عليه في حقيقة أمره

الوهم كل ما يقع في الذهن من الخاطر ، ولا يكون له أساس من الصحة  بل هو محض تخيل يرجحه المتوهم حتى يزول ترجيحه عنده بدليل من الواقع أو العقل.

والناس بطبعهم كثيرا ما يتوهمون أمورا لا دليل عندهم عليها، ومع  ذلك تصير لديهم مما يعتقدونه جازمين بصحته وصوابه، ولا يخامرهم في ذلك أدنى شك ، وهو ما يجعلهم يدافعون عنها إذا ما خطّأها غيرهم دفاعا مستميتا ، وقد يتشبثون بها عنادا ومكابرة حتى حين يحصل لديهم يقين بأنها مما يتوهمون .

ومن الأوهام الرائجة خصوصا في هذا الزمان الذي صار فيه المعمور يشبّه بقرية صغيرة بسبب تطور  وسائل التواصل بين الناس أن بعضهم يتحدث عبر هذه الوسائل بما يعتقد أن عموم مجتمعه يوافقه عليه مع أنه  يلزمه وحده و ربما قلة قليلة من أمثاله في الوهم التي تغريه بهذه القناعة الزائفة  من خلال تعليق أو تشجيع  تمنحنه إياه أو قد يمنحه لنفسه بأسماء مستعارة ، كما أنه قد يستجدي التشجيع لمواصلة التشبث بوهمه .

والذين يعيشون في الأوهام من الناس أصناف مختلفة ، فمنهم من يعيش على وهم مفاده أن دينه هو الدين الحق مع أن حجته على ذلك داحضة  بأدلة العقل والواقع  . وقد يحصل وهم بين أفراد الدين الواحد ،فيتوهم  كل منهم أنه هو من أصاب المحز في تدينه ، وأن غيره ممن يشاركونه دينه إنما هم فيه يلعبون ، ويعيش بهذه القناعة لا يزحزح عنها مهما نوقش فيها ، ولا يقتنع أبدا بأنه ضحية وهمه .

ومنهم من يتوهم أن عرقه أو لونه أو لسانه أرقى الأعراق والألوان والألسنة ،ولا حجة له على ذلك إلا حجة واهية، ومع ذلك يتحدث عن وهمه حديث واثق به  معتقدا أن عموم من في مجتمعه يشاطرونه وهمه ، ويتوهم أنه صار في حكم الغالب غلبة ساحقة ، ولو قدر لوهمه أن يعرض للاستفتاء لما حصّل شيئا مما يتوهمه من غلبة ،شأنه في ذلك شأن من تحدثه نفسه بالترشح لانتخابات متوهما أنه أهل للفوز بأغلبية ساحقة ، فتأتيه النتيجة صادمة ، ولا يحصل إلا على صوته ،ومع ذلك لا يزول عنه وهمه ، فيصير مرض وهمه مزمنا  لا ينفع معه علاج .

ومن نماذج الوهم المرضي المزمن أيضا أن يصدر عن المصابين به  من الأقوال والأفعال ما يعكس تضخم الأنا لديهم ، فيتحدثون عن أنفسهم حديث المشاهير، ولا شهرة لهم، وما ينبغي لهم وما يستطيعون، ومن عباراتهم الدالة على أوهامهم على سبيل المثال لا الحصر قولهم : ( في اعتقادي كذا وكذا ، وأرى شخصيا كذا وكذا... وقد كنت أول من أشار إلى كذا ... )إلى غير ذلك من العبارات الدالة على الإعجاب بوهم النفس والتي تنفخ فيها  مزيد أوهام ، وما ذلك إلا تفقّع وتشدق  من أصحابها .

والمؤسف أن هؤلاء يشيدون لأنفسهم قصورا وأبراجا وهمية ، ويرسمون حولها هالات كاذبة وهم يعلمون علم اليقين أنهم خلاف ما يتوهمون، أما إذا ما صدّقوا ما هم عليهم فذلك أدهى وهم حينئذ يثيرون الشفقة عليهم بسبب ما أوقعتهم فيه أوهامهم من ضلال  .

ومن ضلال الأوهام أيضا أن يقتحم  بعض الواهمين مجالات لا قبل لهم بها وهم يعتقدون أنهم أهل لها ، فيأتون فيها بمواقف وأعمال لا قيمة لها ،ومع ذلك لا تزول عنهم أوهامهم  بل تبلغ بهم درجة الانتشاء والطرب لألقاب وصفات ونعوت ليسوا منها في عير ولا في نفير حيث ينسب منهم إلى فقه أو علم  أو فكر أو فلسفة أو أدب أو فن أو خبرة أو اختصاص ، وكل ذلك مجرد وهم وتوهم .

والله أعلم بعدد من يعيشون  طيلة حياتهم على أوهامهم وهم يحسبون سراب  القيعان ماء حتى إذا جاءوه لم يجدوه شيئا .     

وسوم: العدد 918